محطات القطار «تتجمل» في المغرب

تتحول إلى أماكن سياحية.. وأجملها في مراكش

محطة القطارات الجديدة في مراكش كما تبدو ليلا («الشرق الأوسط»)
TT

معظم المسافرين لا يمضون إلا وقتا قصيرا في محطات القطار يكفي لاقتناء تذكرة سفر والنزول بسرعة نحو السلالم المؤدية إلى السكك الحديدية. بل ينتابهم أحيانا القلق والتذمر إذا ما أعلن عن تأخر موعد انطلاق القطار نحو الوجهة التي سيقصدونها، وهو ما يحتم عليهم الانتظار مجبرين داخل المحطة.

هذا الواقع في المغرب في طريقه إلى التغير، وذلك بعدما بدأت معظم محطات القطار في المدن المغربية «تتجمل» تأهبا لاستقبال المسافرين أو الزوار الذين يقصدون المحطة، ليس من أجل السفر فحسب، بل أيضا بغرض التسوق أو احتساء فنجان قهوة أو كوب مرطبات مع الأصدقاء، أو حتى تناول الغداء في مطعم للوجبات السريعة. وبالتالي، ربما لن يظل انتظار القطار المتأخر عن موعده مسألة مزعجة داخل محطة أنيقة، فيها مرافق مفيدة وجذابة، بعدما ظلت هذه المحطات لسنوات طويلة متواضعة التجهيزات، وأحيانا، مهملة بشكل لافت.

كل من يتصفح الموقع الإلكتروني الخاص بهيئة السكك الحديدية المغربية سيجد صورة قديمة ونادرة بالأبيض والأسود لمحطة القطار «الرباط/أكدال»، وهي المحطة الثانية في العاصمة بعد المحطة الرئيسية «الرباط/المدينة». وتعود هذه الصورة إلى عام 1925، وفيها تبدو المحطة عبارة عن بناية صغيرة معزولة شيدت في الخلاء، ولا أثر لأي مبان سكنية بجانبها. وإذا ما قورنت الصورة مع وضع المحطة حاليا يظهر الفرق شاسعا جدا، إذ أصبحت المحطة في قلب المدينة يحيط بها عدد كبير من البنايات والمرافق، كما أنها أصبحت أجمل وأوسع.

في الحقيقة، معظم محطات القطارات المغربية كانت قد بنيت في البداية خارج التجمعات السكنية، إلا أنه مع مرور السنين وزحف البنيان باتت تحتل مواقع استراتيجية ومهمة وسط المدن، مما حتم إجراء «عمليات تجميل» واسعة عليها لكي تتلاءم مع التطور العمراني ومشاريع إعادة التهيئة والتأهيل التي تعرفها معظم المدن المغربية. وبذا ستضاف هذه المحطات إلى المعالم التاريخية والسياحية في هذه المدن، وعلى الرغم من أنه أدخل على محطة أكدال الكثير من التحسينات فإن ثمة مشروعا الآن لجعلها أرقى وأكثر حداثة.

الجدير بالذكر، أن السكك الحديدية في المغرب أسست عام 1911، إبان عهد الحماية الفرنسية، وكانت ثلاث شركات فرنسية هي التي تدير الخطوط الرابطة ما بين مراكش ووجدة، وبين طنجة وفاس، وبين وجدة وبوعرفة. وبعد استقلال المغرب اشترت الدولة الشركات الثلاث وأسست عام 1963 «مؤسسة السكك الحديدية»، التي تسمى رسميا بـ«المكتب الوطني للسكك الحديدية»، الذي يشرف حاليا على هذا القطاع الحيوي في مجال النقل. وراهنا، تتوزع نحو مائة محطة قطار على طول شبكة السكك الحديدية في طول المغرب وعرضه، وتصنف كمحطات «صغيرة» أو «متوسطة» أو «كبيرة»، حسب عدد المسافرين الذين يعبرون منها كل يوم.

وفي يونيو (حزيران) الماضي أعيد افتتاح محطة القطار «الرباط/المدينة» بعد إصلاحها وتحديثها، ولقد استغرقت هذه العملية مدة 30 شهرا. وتقع هذه المحطة الحيوية وسط شارع محمد الخامس الرئيس، في قلب الرباط، حيث يقوم مبنى البرلمان. ومع أنه لم يلحق بالبناية الأصلية المعروفة بلونها الأبيض، وبطابعها العمراني التقليدي البسيط أي تغيير، فإن تجهيزات العصرنة الضرورية طالت عددا من مرافقها، إذ جرى تزويدها بسلالم أوتوماتيكية ومصاعد وأنظمة إلكترونية للإعلانات. كما أصبحت تحتوي على 20 محلا تجاريا لتقديم مختلف الخدمات، بجانب قاعة للصلاة، وأكشاك لسحب النقود أوتوماتيكيا من البنوك، وأكشاك للهواتف، ومقاه أنيقة ومفتوحة للزبائن.

ثم إن ما يميز هذه المحطة أيضا مرور خط «الترام»، الذي يتوقع أن يبدأ رحلاته بين العاصمة الرباط و«توأمها» مدينة سلا في أبريل (نيسان) المقبل، بجوارها. وهو ما سيسمح للمسافرين بالتنقل بسهولة عبر هذه الوسيلة الجديدة التي سيكتشفها المغاربة لأول مرة. ويقول المسؤولون إن المحطة ستتمكن من استيعاب 12 مليون مسافر بحلول عام 2014.

غير أن محطة القطار هذه في الرباط ليست الوحيدة التي شملتها العصرنة، فمكتب السكك الحديدية خصص ما يناهز 400 مليون درهم (نحو 50 مليون دولار) من أجل إعادة تحديث زهاء أربعين محطة وتحديثها، منذ 2007، في عدد من أهم المدن المغربية مثل طنجة وفاس والدار البيضاء والقنيطرة ومراكش وغيرها. وتعد محطة القطار في مدينة مراكش الأجمل والأكثر جاذبية حاليا، وذلك بالنظر إلى مساحتها وشكلها المعماري التقليدي الفخم، وكذلك لما يوجد فيها من المرافق والمتاجر التي تحمل أسماء ماركات عالمية، والمطاعم العصرية، ووكالات تأجير السيارات. وهي حقا محطة تليق بـ«المدينة الحمراء» وعاصمة السياحة في المغرب التي تعج بالحركة ليلا ونهارا. وتبلغ المساحة التي بنيت عليها المحطة، والتي استغرق تشييدها نحو ثلاث سنوات ونصف السنة 25 ألف متر مربع. وهي توجد في قلب حي غيليز الشهير، واستلهم طرازها المعماري من الأبواب التاريخية الضخمة لـ«المدينة العتيقة» في مراكش. ومن ناحية أخرى، ينتظر سكان مدينة الدار البيضاء، عاصمة المغرب الاقتصادية، وآلاف المسافرين إليها يوميا، افتتاح محطة القطار الرئيسية في المدينة، القريبة من الميناء، والتي تشهد بدورها حاليا ورشة عمل نشطة لتحديثها وإعادة تأهيلها، ويتوقع أن تنتهي العام المقبل.

مما يستحق الإشارة أن عدد المسافرين بالقطارات في المغرب ارتفع من 14 مليون مسافر عام 2002 إلى 30 مليونا عام 2009. ويعد المغرب أول بلد عربي وأفريقي شرع في إنجاز مشروع القطار ذي السرعة الفائقة (تي جي في)، ومن المأمول اكتمال الأشغال في الخط الأول الرابط بين مدينتي طنجة والدار البيضاء عام 2015، والخط الرابط بين طنجة وأغادير عام 2030. وستتقلص مدة السفر عبر الـ«تي جي في» بين طنجة والدار البيضاء من أربع ساعات و45 دقيقة حاليا، إلى ساعتين و10 دقائق فقط.