«تي شيرتات» وأعلام وصور الضحايا تجارة تنتعش على أرصفة القاهرة

الثورة المصرية تفرز «بيزنس» جديدا مضمون الربح

نماذج من «بيزنس» الثورة في مصر (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

مع هدوء الأوضاع نسبيا في مصر وعودة الحياة إلى طبيعتها بشكل كبير، شهدت أرصفة القاهرة وتجمعات الباعة في الميادين العامة رواجا كبيرا في بيع بعض المنتجات التي تعزف على إيقاع «ثورة 25 يناير» المصرية، وتستلهم أشكالها من تداعيات الثورة التي استمرت 18 يوما، واشتعلت في كل أقاليم مصر.

من بين المكاسب الكثيرة التي حققتها الثورة يبرز هذا النوع من «البيزنس» الذي ظهرت بوادره معها واستمر بعدها. ومن أبرز ملامح هذا الـ«بيزنس» ما لجأ إليه أصحاب مصانع الملابس، بعدما طرحوا تصاميم من الـ«تي شيرت» تناسب الثورة، خاصة أنها الملابس المفضلة للشباب. وتصنع هذه الـ«تي شيرتات» من القطن، وغالبا ما تكون بيضاء اللون، بينما تتعدد العبارات المكتوبة عليها في منطقة الصدر، فمنها ما كتب عليها بالعربية «25 يناير»، أو عبارة «ارفع رأسك فوق أنت مصري»، وأيضا «ثورة 25 يناير.. صنعنا تاريخنا وهنبني بلدنا.. إحنا مصريين».

ولم تقتصر هذه الموضة الجديدة على مثل هذه العبارات، بل إن منها ما يتضمن رسوما ورموزا مستلهمة من الثورة، كطباعة صورة العلم المصري بألوانه الثلاثة، الأحمر والأبيض والأسود، أو تتضمن صور الشباب من شهداء الثورة.

محمد شاكر، مندوب أحد مصانع الملابس في مدينة العاشر من رمضان، يوضح أنه جاء إلى ميدان التحرير لبيع الـ«تي شيرتات» التي أنتجها المصنع مؤخرا بتصاميم تناسب الثورة، قائلا: «المنتجات يجري بيعها بأسعار رمزية لا تتعدى سعر التكلفة، لأن الربح المادي ليس هدفا في المقام الأول.. مقارنة بما نعيشه من سعادة بسبب الثورة». وأكد على انتشار هذه النوعية من الـ«تي شيرتات» القطنية بين كثيرين من الشباب، خاصة من هم في مرحلة الجامعة.

من ناحية ثانية، شهدت محلات الملابس الجاهزة في مناطق أخرى مثل مدينة نصر والمهندسين، وهما من الأحياء الراقية، عرض ذات الـ«تي شيرتات» وتصاميمها، لكن بخامات أجود، وبالتالي، ارتفاع أسعارها التي تتراوح ما بين 70 و200 جنيه، ويقبل عليها الشباب والفتيات، كما جذبت أيضا كثيرا من الأجانب المقيمين في مصر، الذين فضلوا البقاء في مصر رافضين مغادرتها.

وفي ميدان التحرير، وفي عدد من الشوارع الرئيسية في القاهرة، لا يزال «بيزنس» بيع العلم المصري يتمتع بحضور قوي. فمع عودة الحركة الطبيعية إلى الميدان افترش كثيرون من باعة الأعلام الأرصفة، ولجأ آخرون إلى التجول لعرض بضاعتهم وهم يحملون طاولات خشبية عليها أعلام صغيرة يعرضونها على المارة، ولا يتجاوز ثمن الواحد منها جنيهين. وهناك من يبيع الأعلام كبيرة الحجم التي ترفع على السيارات ووسائل المواصلات العامة، وتبدأ أسعارها من 20 جنيها لتصل إلى 250 جنيها وهي المصنوعة من «الساتان».

والملاحظ أن العلم المصري لم يتوقف عند شكله التقليدي فقط، بل انتشر في أشكال أخرى وجدت رواجا عند الصغار والكبار، على حد سواء، مثل أن يكون على هيئة شريط قطني يلف حول الرأس، أو على شكل غطاء للرأس يصنع من الورق المقوى. وهي المنتجات التي أنعشت مبيعات المصانع المتخصصة في صناعة الأعلام، والتي تكثر في ميدان العتبة (العتبة الخضراء) بوسط القاهرة، بعدما عمل أصحابها على ضخ كميات كبيرة من منتجاتهم مع اندلاع ثورة الشباب، الذين أقبلوا على شراء العلم كرمز لمصر.

ورغم الحزن الذي يشعر به معظم المصريين على الشهداء الذين سقطوا في الثورة، فإن صور هؤلاء انتشرت أيضا بأكثر من طريقة لتخليد ذكراهم. ولكن هنا أيضا لم يخل الأمر من «بيزنس»، حيث انتشرت صورهم على «الميداليات»، والأكواب المصنوعة من الكارتون، إلى جانب وجودها على «بوسترات» في حجم اليد.

وفي عدد كبير من المكتبات، أو لدى الباعة الجائلين، انتشرت أيضا بعض الملصقات الصغيرة التي استوحيت كلماتها من الثورة مثل «مصر فوق الجميع» أو «أنا مصري» أو «مصر أم الدنيا» أو «مصر بلدنا وهنحافظ عليها»، وإن كان الملصق الأكثر انتشارا هو الذي يماثل أرقام وأحرف لوحة السيارات، حيث يتضمن الملصق الرقم 25 والأحرف المتفرقة لكلمة (يناير)، وهي الملصقات التي تشاهد كثيرا في عربات مترو الأنفاق أو على السيارات.

على النهج نفسه، استغل بعض الأفراد الثورة في تحقيق مكاسب مادية بطريقة أخرى. فمع اندلاع الثورة أعلنت وزارة المالية المصرية عن التقدم إليها بطلبات لتشغيل الشباب في وظائف بالقطاع الحكومي، وإتاحة فرصة التقدم بطلبات أخرى تخص الإسكان والإعانات العاجلة. وهذا مجال وجد فيه البعض مناسبة لتحقيق مكسب مادي، فاستغلوا التهافت على هذه الطلبات وبادروا إلى إنتاج استمارات ونماذج مطبوعة، والعمل على بيعها لمن يرغب، فيتقدم بها مباشرة إلى الجهات الحكومية بعد تعبئتها بالبيانات، وتباع الواحدة منها بمبلغ جنيه واحد.

وامتدادا لهذا المشهد، لجأ آخرون إلى إحضار ماكينات تصوير لنسخ هذه الاستمارات، بعدما انتقوا أماكن محددة يتمركزون أمامها، مثل مكاتب الجهات الحكومية ومحطات مترو الأنفاق، وسرعان ما وجدوا في هذا المجال ربحا سريعا، إذ تصطف أمامهم طوابير طويلة من الشباب للحصول على إحدى هذه الاستمارات للتقدم بها من أجل الحصول على وظيفة.