محمد حاج قاب.. رحالة سوري غدا مركز توثيق متجولا

قرر منذ عشر سنوات السير على خطى ابن بطوطة مستعيضا بالكاميرا عن القلم

محمد حاج قاب في إحدى رحلاته («الشرق الأوسط»)
TT

محمد حاج قاب شاب سوري ترعرع وشب بين حارات مدينة دمشق القديمة وأزقتها. وقد استهوته فكرة التصوير الفوتوغرافي، فعكف على تصوير كل ما يمكن أن يشبع هوايته في استكشاف الجمال في هذه الأماكن التاريخية في العاصمة السورية. إلا أنه سرعان ما انطلق لاحقا خارج أسوار «المدينة القديمة» ليلتقط بكاميرته مئات المشاهد لمدن سورية وغير سورية.

كل هذا لم يشبع هواية محمد (33 سنة)، فقرر أن يتحول إلى رحالة يجوب العالم بكل ما يملكه من وسائل، بدءا من رجليه، ووصولا إلى الدراجة الهوائية العادية. ومن ثم تطور طموحه وعزم قبل فترة على تأسيس فريق، يرافقه في رحلات أسبوعية لاستكشاف الطبيعة، أطلق عليه اسم «فريق جوالة الأرض».

محمد حاج قاب التقته «الشرق الأوسط» مؤخرا، فروى لها حكايته مع الترحال وتصوير الجمال في الأماكن التي زارها وجال فيها، من اليمن وحتى فرنسا وغيرهما، قائلا «منذ طفولتي تأثرت بشخصية سندباد، مع عشقي لمدينتي، لذلك تكونت شخصيتي على أساس التأثر بسندباد، الذي يهوى الخروج والترحال والمغامرة والتعلم وبـ(الرحالة الصغير) لكاتب فرنسي يروي كيف ضاع في الصحراء الليبية وكيف كان يحن إلى زهرته المفضلة. أنا أعتبر أن زهرتي هي مدينتي (دمشق القديمة). وكان قراري الترحال لكي أنقل مشاهد العالم إلى بلدي ومشاهد بلدي إلى العالم حاملا الكاميرا التي تصور كل مفردات هذه الثقافات».

وتابع محمد «في رأيي لو كان ابن بطوطة وابن جبير وابن فضلان يحملون كاميرات لكانوا أوصلوا صدق الحياة في المراحل التي عاشوا بها أكثر من الكلمة، لأن الكلمة عرضة للتقويل والتأويل، أما الصورة فأصدق من الكلمة بكثير. ولذلك - يبتسم محمد - أنا أمشي اليوم على خطى ابن بطوطة وابن جبير لكن مع الكاميرا وليس مع القلم!».

لكن ما هي الرحلات التي سار بها على خطى الرحالة الأوائل.. وماذا فعل بهذه الرحلات.. وكيف نفذها؟

أجاب محمد «على الرغم من أنني لست مدللا في أسرتي، فقد عقدت العزم قبل عشر سنوات على الخروج من مجال دمشق القديمة، والترحال في العالم. وكانت أسرتي تستغرب ذلك بالتساؤل: أنت مدلل فلماذا تحب أن تتعب وتجهد نفسك؟ وكنت أجيبهم: لأن الإنسان على ما يبدو يحب نقيضه!».

وأضاف - ضاحكا «..معظم رحلاتي كانت على الأقدام، وبعضها على الدراجة الهوائية وبأي وسيلة متاحة.. منها بأسلوب (الأوتوستوب). وكانت أولى رحلاتي داخل سورية. فقد جلت كل المناطق السورية وبكل الوسائل المتاحة حتى على ظهور الجمال ووثقتها بالصور. وتعلمت هنا من ابن بطوطة موضوع الطهو، إذ إن له كتابا في هذا المجال. واستخدمت الكاميرا فوثقت بالصور والكتابة فنون الطبخ في المناطق والمدن السورية كلها. وكذلك وثقت بالصور الألعاب الشعبية البسيطة التي يلعبها أطفال هذه المناطق بعدما تعلمتها من الأطفال، ووجدت أن هناك تشابها في هذه الألعاب بين أطفال المدن السورية لكن مع اختلاف التسمية والأسلوب أحيانا. أيضا صورت ووثقت الوجوه البشرية التي صادفتها في رحلاتي بعدما تحول معظمهم إلى أصدقاء لي».

واستطرد محمد حاج قاب، شارحا «من الرحلات التي قمت بها رحلة من دمشق إلى اليمن مرورا بالأردن والمملكة العربية السعودية على طريق البخور التاريخي.. من منطقة أم الجمال في الأردن إلى المكلا على ساحل محافظة حضرموت في جنوب شرقي اليمن. ومن خلالها أقمت معارض تصوير ضوئي في البلدان التي مررت بها. وكان المعرض يضم 60 عملا فنيا عن الحضارة السورية، ونفذت تلك الرحلة مشيا على الأقدام وبـ(الأوتوستوب). ومن رحلاتي النوعية والمتميزة، وهكذا أحب أن أسميها، مشاركتي في تأسيس الرحلة النهرية السنوية التراثية من توتول إلى ماري، أو ترقا (في سورية)، مع ثلاثة مهتمين هم طه الطه وعبد القادر الشعيب وعبد الكريم شلش. ولقد سرنا بها على خطى ملك أوغاريت قبل 4000 سنة الذي سار مع مجرى نهر الفرات من مدينة الرقة التي اسمها القديم (توتول)، وحتى ماري أو العشارة، المسماة (ترقا)، وذلك لاستكشاف قصر ماري. وقد أردنا نحن إحياء ذكرى هذه الرحلة بعد آلاف من السنين، وكان جزء من هدفنا المحافظة على البيئة والحد من الصيد الجائر وتلوث نهر الفرات». وتابع «يومذاك استخدمنا طوافة صنعناها بأيدينا من براميل موصول بعضها ببعض، ومن ثم طورناها في السنوات التالية، وقمنا بخمس رحلات في السنوات القليلة الماضية منذ انطلاقتها بشكل سنوي، لكن للأسف توقفت الرحلة في العام الماضي 2010، وكان السبب ضعف الموارد المالية.. فكانت آخر رحلة عام 2009».

ويستأنف محمد شرحه «كذلك أطلقت من خلال النشاطات التي قمت بها في رحلاتي، كالمعارض والمحاضرات واللقاءات مع الناس، فكرة سميتها (اعرف جغرافية وطنك)، وتتضمن شقين: الجغرافية الطبيعية والبشرية. كذلك أسست قبل ثلاث سنوات فريقا أطلقت عليه اسم (جوالة الأرض)، وارتفع عدد أفراد الفريق حاليا، بعدما بدأ بثلاثة أشخاص، إلى 23 شخصا.. كلهم يعشقون مثلي الترحال في الأرض. وبالفعل، أنجز الفريق نشاطات كثيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، منها السير في كل الأماكن الطبيعية السورية، والتعرف على الشخصيات السورية التي اشتهرت في مجالات الترحال والتأريخ والتوثيق. كذلك نفذنا عددا من المعارض في التصوير الفوتوغرافي، منها معرض «الجولان في عيوننا»، ومعرض «حضارة الطين» الذي وثقنا من خلاله الحضارات التي بنيت أوابدها من الطين. وأقمنا، أيضا، حفلات تكريمية للرحالة حسني تلو، وللمؤرخ زهير ناجي، وللجغرافي عصام ميداني، وللمصور الفوتوغرافي مروان مسلماني، بجانب نشاطات أخرى كالمحاضرات التاريخية والجغرافية، وثمة نشاط أسبوعي للفريق كل يوم جمعة وهو السير في الجبال والوديان والأماكن السورية المختلفة».