«شارع قصر الحجاج» في دمشق يتأهب لنهضة استثمارية سياحية

يبدأ من باب الجابية أحد أبواب المدينة السبعة ويتميز ببيوته التقليدية

جانب من «قصر الحجاج» يبدو فيه جامع الزيتونة («الشرق الأوسط»)
TT

في منطقة تزدحم بالأسواق التقليدية التاريخية المسقوفة وغير المسقوفة، وفي موقع يضج بالمواقع الأثرية الجميلة يمتد شارع «قصر الحجاج» في قلب العاصمة السورية دمشق.

يبدأ الشارع من باب الجابية، أحد أبواب دمشق القديمة السبعة، لينتهي في منطقة السويقة بطول يصل إلى أكثر من كيلومتر. ويشعر الزائر عندما يمر في هذا الشارع والحارة المرتبطة به، ويمعن النظر في أبنيته وأوابده التاريخية، بسأن كل حجر من حجارته يكاد يروي حكايات الناس الأوائل الذين بنوا هذه الحارة خارج أسوار «المدينة القديمة»، ولكن ليس بعيدا عن عبق الحارة الدمشقية التقليدية. وحقا، فإن حارة شارع «قصر الحجاج»، بمبانيها وبيوتها الواسعة، أشبه ما تكون بالحارات داخل السور من القيمرية وحتى القشلة والعمارة. فهنا تتراصف الدكاكين التجارية التي تبيع كل شيء ولا تتخصص ببضاعة معينة، وتجاور المباني العريقة والبيوت الترابية ذات الطابقين والمميزة بمشربياتها النافرة لخارج البناء، مطلة بنوافذها الخشبية نحو الشارع والأزقة المتفرعة عنه. وهنا يستقبلك الكثيرون من سكان الحارة شارحين لك تاريخ حارتهم وسبب تسميتها، وعارضين عليك احتساء فنجان قهوة أو كأس شاي (خمير) على طريقة المقاهي الدمشقية الشعبية... ولكن داخل دكاكينهم أو على كرسي خشبي قديم أمامها. يستقبلك هؤلاء ليقولوا لك إن حارتهم عريقة وقديمة وإن اسمها أخذته من قصر جميل كان يسكنه في العهد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي قبل أن يذهب واليا إلى العراق، وأن الحجاج أحب كثيرا هذه المنطقة التي كانت في أيامه تحف بها الأشجار والبساتين، قبل عصور من تأسيس جارتها حارة السويقة في العهد المملوكي.

وإبان زيارتنا للحارة، اقترب منا أحد أبناء الحارة، واسمه فواز قصيباتي، وأخذنا إلى مكان قال إنه يؤرخ لحدث تاريخي. وسرنا معه في أحد الأزقة المتفرعة من الحارة، وهناك شاهدنا أساور حديدية ما زالت قائمة منذ مئات السنين، قال فواز إنه سمع عنها أنها كانت تربط بها خيول الحجاج المنطلقين نحو الديار المقدسة. وأضاف فواز أنه «بسبب وقوع حارة (قصر الحجاج) على الطريق المتجه نحو حي الميدان (بجنوب دمشق)، المعروف تاريخيا بـ(طريق الحج الشامي) التقليدي ومحمله الشهير، كان الحجيج يستريحون لبعض الوقت في حارة (قصر الحجاج) قبل إكمالهم سيرهم نحو منطقة الميدان، حيث يلتقون موكب الحج الشامي الذي يتقدمه والي دمشق العثماني». وتابع حديثه باهتمام عن حارته، مشيرا إلى مبنى قديم متهدم، قال إنه هنا كان «يتوضع تنور خبز عمره مئات السنين وكان مشهورا لدى الدمشقيين بخبزه المشروح الأسمر، ولذا كان كثيرون يقصدونه من حارات دمشق الأخرى لشراء الخبز منه قبل أن يتركه أصحابه ليتهدم».

وواصلنا سيرنا بين حنايا شارع «قصر الحجاج»، حيث التقينا حسان جليلاتي، وهو أيضا من المنطقة، وحرص على أن يخبرنا أن أسرته «من أقدم الأسر التي سكنت هذا الشارع، ولديها بيت قديم فيه»، وأوضح أن «الشارع يضم عددا كبيرا من البيوت الدمشقية المبنية على الطراز العربي الشامي التقليدي، من أشهرها دار القضماني وبيت الناشف ودار الزهيري المعروفون باسم عمرو». وأردف حسان أن «الحارة، وما تضمه من بيوت، جرى تصنيفها كشريحة أثرية، وهناك بعض البيوت يمكن أن تتحول مستقبلا إلى أماكن سياحية تستثمر كمطاعم وفنادق تراثية، منها بيت القضماني، المهيأ حاليا لذلك، كون أصحابه أعلنوا عن بيعه لمن يرغب في استثماره سياحيا. وهذا البيت بحق من أجمل بيوت الحارة وأكبرها، إذ يمتد على مساحة تصل إلى 800 متر مربع، وهو مبني بطراز تقليدي عريق بأسلوب معماري جميل أشبه ما يكون بقصر، حيث أقسام الحرملك والسلاملك والفسحة السماوية والبحرات والغرف الواسعة والزخارف وسط أشجار الليمون والنارنج والكباد والياسمين».

وبالفعل، تجذب الزائر في هذا الشارع العريق مجموعة لافتة من المباني التاريخية التي ما زالت محافظة على جمالها ورونقها، ومنها ما أخضع لأعمال ترميم وإصلاح واسعة قبل سنوات. وبين أبرز هذه المباني جامع حسان الذي رممته مؤخرا وزارة الأوقاف، والذي يعود إلى العهد النوري، وشيده الأمير محب الإسلام أبو طالب بن علي كرد عام 1161م. ويتميز هذا الجامع بمئذنته الباسقة المشيدة من الحجر الرخامي الأبيض، وبصحنه الواسع. وهناك أيضا جامع الزيتونة، الذي أخذ اسمه - على ما يبدو - من شجرتي زيتون تجاوران جدار الجامع الخارجي المطل على الشارع، وهو ذو مبنى جميل يغلب عليه اللون الأبيض كما يضم مئذنة مرتفعة قليلا غير أنها ذات شكل معماري تراثي بديع مع نهاية حادة كقلم الرصاص، وهو طراز معروف بجوامع دمشق ويعود للعصر العثماني. كذلك من أبنية الشارع التاريخية، جامع النقشبندي الذي شيده عام 1568م الوالي العثماني مراد باشا أيام السلطان سليم الثاني على الطراز العثماني المجدد لفن العمارة، على شكل تكية فيها مسجد ومئذنة وصحن واسع محاط بعدد من الغرف، مع قبة وتربة دفن فيها الوالي نفسه، وقد أنجزت أعمال ترميم واسعة في الجامع في نهاية تسعينات القرن الماضي.