الاحتفال في الرباط بمرور قرن على هبوط أول طائرة تنقل رسائل بريدية

استغرقت رحلتها 48 ساعة ونقلت شحنتها الجمال

طائرة بريد من بدايات القرن الماضي وساعي بريد على جمله ينظر إليها في جنوب المغرب («الشرق الأوسط»)
TT

قبل قرن بالتمام والكمال، حطت أول طائرة بريدية في المغرب، آتية من مدينة تولوز الفرنسية باتجاه مدينة الرباط، واستغرقت الرحلة يومذاك 48 ساعة. وعلى الرغم من أن الوجهة كانت الرباط، فإن هذه الطائرة لم تأت رأسا إلى العاصمة المغربية، ولم تقطع كذلك المسافة البحرية بين فرنسا والمغرب جوا، وإنما جاءت على متن باخرة.

حدث ذلك في عام 1911، ولقد اختار نادي الطيران في الرباط التابع لجمعية «رباط الفتح» شعار «الطائرة في سماء الرباط» لتخليد مئوية الطيران البريدي بالمغرب طوال العام الحالي، على اعتبار أن هذا الحدث هو الذي ربط المغرب، عمليا، بالعالم الخارجي، في أول عملية «تواصل» تعرفها البلاد آنذاك.. وذلك حتى قبل فرض الحماية على المغرب في عام 1912.

«أول طائرة توجهت إلى الرباط وصلت أولا إلى مدينة الدار البيضاء، وهبطت تحديدا في منطقة سيدي بليوط»، كما قال إبراهيم الطاهري، رئيس الجمعية الوطنية لتاريخ الطيران بالمغرب، وهو أيضا طيار سابق، وأردف: «ولتتابع رحلتها عبر محطات توقفت تلك الطائرة في بوزنيقة والصخيرات (بين الرباط والدار البيضاء) لتسليم البريد، قبل أن تصل إلى الرباط في حي المحيط حاليا، بالقرب من مبنى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكان في ذلك الوقت منزلا لباشا مدينة الرباط. وتطلب الأمر في البداية عقد اتفاقية بين السلطات الفرنسية، ونظيرتها المغربية مجسدة في ممثلي السلطان مولاي حفيظ آنذاك».

وتابع إبراهيم الطاهري شرحه، فقال: «تمكنت أول طائرة كُلفت بهذه المهمة البريدية من إفراغ حمولة البريد من رسائل وطرود خلال يومين. وفي رحلات لاحقة أوصلت البريد إلى مدينة فاس مرورا بمحطات تفصل بينها نحو 45 كلم تقريبا، إذ كانت تتوقف بكل من قرى الكاموني وتيفلت و(مدينة) الخميسات (التي كان اسمها في ذلك الحين سوق الأربعاء)، إلى أن تحط الرحال في فاس. وكان شكل الطائرة، يسمح لها بالنزول في أي مساحة متاحة والإقلاع منها مثل الطائرات العمودية. كما كان الفرنسيون يضربون طوقا من الحراسة على هذه الطائرات فور وصولها».

ثم استطرد: «أما عن رحلات الطيران البريدي، آنذاك، باتجاه جنوب المغرب وباقي الدول الأفريقية، في الاتجاه ذاته فقد كانت الطائرات البريدية، في خطوة أولى، تصل إلى مدينة أكادير ومنها إلى طرفاية. في هذه المدينة لم تكن الطائرات الفرنسية محط ترحيب من قبل السلطات الاستعمارية الإسبانية التي كانت تنظر إليها بحذر على أساس أنها تتجسس عليها تحت ذرائع نقل البريد. وانطلاقا من طرفاية كانت الرسائل تسلم إلى سعاة بريد خاصين ومسلحين يعيّنهم ممثل السلطان مولاي حفيظ من بين أبناء قبائل (أولاد البشير) و(إزركيين) و(معطالله) الصحراوية، ويتولون مهمة نقل البريد على ظهور الجِمال (الإبل) نحو السنغال، وهذا قبل أن تتمكن الطائرات البريدية من النزول في داكار عام 1914. وبعد ذلك اشتغل هؤلاء السعاة مرشدين للطائرات نظرا لصعوبة الملاحة الجوية في الصحارى لغياب علامات يهتدي بها الربابنة في تلك المناطق. وكان يُستعان بالجمال ليس فقط لحمل أثقال البريد، وإنما أيضا كوسيلة لإنزال حمولات البريد من الطائرات التي لم تكن تتوافر فيها سلالم خاصة».

وتابع الطاهري: «لقد كانت الطائرة وسيلة فعالة اعتمدها المستعمر الفرنسي لتجنب إتلاف البريد من قبل المقاومين المغاربة الذين كانوا يفجِّرون المناطيد الحاملة للبريد فور نزولها على الأرض ببنادق تقليدية الصنع، لأنهم لم يكن لديهم في تلك الفترة مدافع تستطيع قصف هذا النوع من الطائرات في السماء. ويُذكر أن أول مرة نزل فيها منطاد بريدي في المغرب كانت في بداية عام 1911، وذلك في منطقة الشاوية (جنوب الدار البيضاء)، التي تعتبر مدينة سطات حاضرتها حاليا».

هذا، ويعكس احتفاء جمعية «رباط الفتح» بحدث مئوية الطيران البريدي في المغرب، على حد قول رئيسها عبد الكريم بناني «وجود توجه علمي لتنشيط الحقل الشبابي من خلال فتح ميادين أمامهم كنا نعدها من مجالات أهل الاختصاص».

وأعلن عن رغبة الجمعية في تأسيس متحف للطيران بالمغرب، على أساس أن تاريخ الطيران في المغرب حافل بالأحداث، وهو ما سيبرزه كتاب في الموضوع سيصدر قريبا عن الجمعية، ذلك أن أول امرأة قادت الطائرة على المستوى العربي والأفريقي كانت مغربية، هي ثريا الشاوي، التي قال عنها عبد الحق المريني مؤرخ المملكة المغربية في كتابه «حياة أول طيارة مغربية» إنها «كانت أول طيارة مغربية في زمن كانت حتى الطيارات الأوروبيات والأميركيات واليابانيات قليلات جدا، بل يتم عدّهن على رؤوس أصابع اليد الواحدة». وكان تخرج الشاوي في تلك الفترة حدثا كبيرا بكل المقاييس، إذ استقبلها الملك محمد الخامس وولي عهده الحسن الثاني، والأميرات.

ومن تاريخ الطيران المغربي أيضا أن عددا من الكوادر الفرنسية أيضا تكونوا بالمغرب، وحصلوا على شهادات خاصة، ومن هؤلاء الطيار الذي قاد أول طائرة بريدية إلى المغرب. وللعلم، توجد هذه الطائرة حاليا في متحف الفنون بالعاصمة الفرنسية باريس.