«عيد الجيران» مناسبة سنوية تجمع أبناء منطقة سن الفيل اللبنانية

يتخلله احتفال فني وتحضير مأكولات محلية ونشاطات ترفيهية

أبناء سن الفيل في «عيد الجيران» الذي تحول إلى مناسبة سنوية
TT

في وقت تتقلص فيه العلاقات الاجتماعية بين أهل البلدة الواحدة وبين الجيران في الحي الواحد، أو حتى المبنى الواحد، كان لبلدية سن الفيل في جبل لبنان، بضواحي بيروت الشرقية، بصمتها المميزة في إعادة تنشيط هذه العلاقة من خلال ابتكارها مناسبة احتفالية خاصة لوصل ما انقطع بين قاطني أحياء المنطقة.. مطلقة عليها اسم «عيد الجيران».

هذا «العيد» أو المهرجان الذي تنشط البلدية والعاملون فيها، بالإضافة إلى المتطوعين من أبناء المنطقة للتحضير له، تحول إلى محطة سنوية يلتقي فيها سكان سن الفيل ليحتفلوا معا في شهر مايو (أيار) من كل عام من خلال نشاطات عدة، تبدأ من تحضير الطعام والمأكولات اللبنانية التقليدية وابتكار ألعاب خاصة بالأطفال، ولا تنتهي بالحفلات الموسيقية والسهرات.

وبالتالي، انطلاقا من الأمثال اللبنانية التي تعطي للجار قيمة مهمة في الحياة الاجتماعية، كتلك التي تشير إلى أن «الجار قبل الدار» و«جارك القريب ولا خيّك البعيد»، بدأت مسيرة «عيد الجيران» بنسخته اللبنانية. ولقد نجحت منذ 3 سنوات وحتى الآن في إضفاء روح التعاون بين أبناء منطقة سن الفيل بأحيائها الـ4، البلدة وجسر الباشا وحرش تابت والحي الجديد، لا سيما شبابها وشاباتها.

عن «عيد الجيران» السنوي، قالت نانسي جريس، من بلدية سن الفيل: «الفكرة بدأت عندما كنت أنا وزميلتي رنا دميان نحضر لمشروع التخرج من الجامعة اللبنانية في اختصاص إرشاد صحي واجتماعي. وكان يرتكز على تنظيم احتفال سنوي يجمع بين أبناء المنطقة الذين باتوا في هذه الفترة متباعدين بحكم الظروف الاجتماعية وانشغالات العمل وما إلى ذلك من هموم يومية. ونفذنا هذا المشروع في عام 2008 لأول مرة ليوم واحد، ولاقى يومذاك إعجابا ومشاركة من أبناء المنطقة من مختلف الأعمار، وبالأخص، النساء اللاتي تطوعن لتحضير (التبولة)، بالإضافة إلى بعض التقديمات من المطاعم الموجودة في المنطقة». ومنذ ذلك الحين تبنت بلدية سن الفيل المشروع وتحول هذا «العيد» إلى مناسبة سنوية يتجند لتنظيمه متطوعون من الشباب والفتيات يصل عددهم إلى 50 شخصا، لا سيما في فترة التحضير لهذا الاحتفال، إذ تتولى كل مجموعة تنظيم نشاط أو مشروع معين إلى جانب مشاركة فعالة من الجمعيات الاجتماعية الموجودة في المنطقة.

أبرز هذه النشاطات التي تركز عليها هذه المناسبة هي تلك المخصصة للأطفال، التي تشتمل على الألعاب الترفيهية، وتحضير الطعام اللبناني على اختلاف أنواعه، وهذه مهمة تتولاها نساء المنطقة، ولم يكن «ساندويتش اللبنة» العملاق الذي حضرته نساء سن الفيل عام 2009 وهو في طريقه لدخول «كتاب غينيس للأرقام القياسية»، إلا مثالا على هذا التعاضد بين أبناء المنطقة، ولقد بلغ طول الساندويتش إلى 150 مترا وشارك في صنعه 500 سيدة وتطلب تحضيره 788 رغيف خبز، و50 كيلوغراما من اللبنة، وليترين من زيت الزيتون، بالإضافة إلى 10 كيلوغرامات من الزيتون، و48 باقة من النعنع (النعناع) و40 كيلوغراما من الخيار، وقد وضع على 180 طاولة متلاصقة.

هذا النجاح الذي يحققه الاحتفال سنويا، يعطي دفعا معنويا لبلدية سن الفيل التي يترأسها نبيل كحالة، ولكل العاملين في هذا المشروع الذين يبذلون جهودا مميزة في إنجاحه وإدخال البهجة والفرح على قلوب أبناء المنطقة. وللعلم، ما عاد هؤلاء يقتصرون فقط على اللبنانيين الذي يتحدرون من سن الفيل الأصلية القديمة، بعدما صارت هذه البلدة مدينة عامرة تستقبل النازحين من مناطق لبنانية عدة، لا سيما الشمالية منها. وهؤلاء اتخذوا منها مقرا لهم نظرا إلى حيوية أحيائها التي تنشط فيها الحركة الاقتصادية والتجارية. ورغم هذا الواقع المديني لمنطقة سن الفيل، أكدت جريس «لم تفقد سن الفيل والعلاقة بين أهلها الطابع القروي الذي يجمع أبناء القرية الواحدة، وهذا ما أسهم إلى حد كبير في نجاح هذا المهرجان السنوي». وفي هذا الإطار لفتت إلى أن التحضيرات في هذه الفترة جارية على قدم وساق للاحتفال بـ«عيد الجيران» لعام 2011 الذي من المتوقع أن يكون في منتصف شهر مايو (أيار) المقبل. أما في ما يتعلق ببرنامج الاحتفال أو المهرجان، فهو بعدما كان في عام 2008 مقتصرا على يوم واحد، ثم في عام 2009 على 4 أيام، وفي عام 2010 على 3 أيام، فإنه قد يمتد هذا العام أيضا إلى 4 أيام، ستتخلله إضافة إلى النشاطات الترفيهية وتحضير المأكولات، سوق تتيح لأبناء المنطقة عرض منتوجاتهم المحلية وبيعها، لا سيما الغذائية منها.

وأشارت جريس إلى أن تمويل المشروع الذي يكلف نحو 30 ألف دولار أميركي، تتولاه بلدية سن الفيل، بينما تبقى المساعدات مقتصرة على تلك اللوجيستية والمعنوية التي يقدمها أبناء المنطقة والجمعيات الاجتماعية. أما عن المشاركة فهي مجانية للجميع؛ لأن الهدف الأساسي ليس الربح المادي بقدر ما هو توطيد العلاقات الاجتماعية، التي تبقى أعداد الأشخاص المشاركين في «عيد الجيران» من المنطقة والبلديات المجاورة خير دليل على نجاحها والوصول إلى الهدف المنشود عاما بعد عام.