آثاريون: المصريون القدماء اتخذوا «إيزيس» رمزا للأمومة واحتفلوا بعيد الأم

أطلقوا عليه أسماء عيد «الأم المقدسة» و«أم الحياة» و«أم الوجود» و«الأم الجميلة»

الاهتمام بتماثيل النساء يمثل جانبا من المكانة التي حظيت بها الأم لدى المصريين
TT

بينما أكد آثاريون أن القدماء المصريين احتفلوا بعيد الأم منذ آلاف السنين، كشفت بردية للدولة القديمة عن أن المصريين القدماء احتفلوا بعيد الأم بإقامة مواكب الزهور التي تطوف المدن بعد أن اتخذوا من إيزيس رمزا للأمومة، وأطلقوا على هذا اليوم الكثير من الأسماء منها عيد الأم المقدسة، وعيد أم الحياة، وعيد أم الوجود، وعيد الأم الجميلة.

ورأي الآثريين، اتفق مع دراسة حديثة صدرت عن المركز المصري لدراسات المرأة بمحافظات صعيد مصر بمناسبة الاحتفال بعيد الأم، الذي يوافق يوم 21 مارس (آذار) من كل عام، وجاء فيها أن «الفراعنة عرفوا تكريم الأم قبل آلاف السنين، وأن الرجال في مصر القديمة كانوا يقدرون المرأة ويكرمونها، ويحتفلون بها في احتفالات شبيهة بعيد الأم اليوم».

وأكدت هدى خليل، مديرة المركز، أن الدراسة أوضحت أن المرأة في مصر الفرعونية كانت تتمتع بقسط وافر من الحرية الشخصية، فلها الحق في تكوين أسرة جديدة، ومشاركة زوجها في كل شيء.

وقالت هدى في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنه «إذا ارتقت الزوجة إلى درجة ربة الدار فإنها تقاسم الزوج مسكنه وقبره أيضا وتبقى أملاكها مقسمة بينهما، ويستقل كل جيل بنفسه بدنيا وماديا، وكانت توضع تماثيل الزوجين جنبا إلى جنب وأولادهما عند أقدامهما»، موضحة أن المصري القديم كان مخلصا لبيته وكان من صفات المصريين القدماء - كما تؤكد ذلك الشواهد الأثرية الفرعونية أدب الحكمة والخطابات الموجهة إلى الموتى - احترام الأمهات وتبجيل الأم في الأسرة الكبيرة والاهتمام باحتياجات النساء، والتي جاء فيها «أحب زوجتك في إخلاصك لبيتك كما هو واجب عليك.. أطعمها واكسها.. واسعَ إلى ما يدخل السرور إلى نفسها طالما أنت على قيد الحياة».

وأشارت هدى إلى أن المرأة المصرية القديمة تمتعت بأهلية قضائية كاملة وكان لها استقلالها المالي عن الرجل وكان بإمكانها أن تدير ممتلكاتها الخاصة وتدير الممتلكات العامة، بل أن تمسك بزمام الأمور في البلاد، موضحة أنه، حسب الدراسة، لا يعني ذلك أنها امرأة تجردت من الأنوثة والجاذبية فقد كانت أيضا امرأة فاتنة وجذابة وكان هدف الفتاة أن تختار شريك حياتها بكامل إرادتها وحريتها، وأن تصبح زوجة وأمّا صالحة ولا يعني ذلك أن النظام الأسري هذا نظام يخضع لسيطرة الأم بل كان نظاما يتقاسم فيه الزوجان المسؤوليات المعتادة في إطار الحياة الزوجية حيث يشتركان معا في السراء والضراء.

وأوضحت أن أكبر دليل على احتفال المصري القديم بعيد الأم تماثيل المعابد، كما أن آثار مصر القديمة تشهد بلوحتها ونقوشها الرائعة هذه المكانة المتميزة فهي الأم التي تحظى بالاحترام والتبجيل.

من جانبه، أكد الدكتور أسامة عبد الوارث مدير المتحف النوبي بأسوان أن جميع حكماء مصر كانوا يوجهون أولادهم بأن يحترموا أمهاتهم، وأنه من ضمن الحكم في أثناء زواج الابن أنه يعامل زوجته كما يعامل أمه، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع الحكم القديمة تشير إلى المكانة العظيمة للأم والزوجة، ودورها العظيم، لكون جميع الحضارات قامت على جناح الأم، وأن تكريم المرأة بشكل عام في حد ذاته أحد إنجازات الحضارة المصرية القديمة»، لافتا إلى أنه عثر في دير المدينة بالأقصر على مقابر العمال وكانت تحتوي على صورهم مع أمهاتهم وزوجاتهم، وكانت الصور تدل على التقدير الذي قدمه المصري القديم لأمه.

وأضاف عبد الوارث أن «تكريم المرأة كان يتم بشكل يومي عند قدماء المصريين»، مشيرا إلى أنه عندما احتفل المصريون بعيد الأم اتخذوا من إيزيس رمزا للأمومة واحتفلوا بهذا العيد بإقامة مواكب من الزهور تطوف المدن، كما اتخذوا حورس رمزا للطفولة، موضحا أن إيزيس كانت زوجة للإله أوزوريس، وأم الإله الصقر حورس، وكان الثالوث المقدس أحد أهم وأشهر مجاميع الآلهة في مصر القديمة، وكانت إيزيس كثيرا ما تمثل وهي ترضع وليدها حورس، فصارت رمزا للأمومة والحماية، وكانت إيزيس أيضا إلهة للسحر والجمال وحمت الناس من الشر ومن السحر.

وكشف الآثاري محمد سعد الدين بمنطقة آثار أسوان عن أن علماء الآثار المصريين عثروا على بردية للدولة القديمة يحتفل من خلالها بعيد الأم، وجاء في البردية «اليوم عيدك يا أماه، لقد دخلت أشعة الشمس من النافذة لتقبل جبينك، وتبارك يوم عيدك، واستيقظت طيور الحديقة مبكرة، لتغرد لك في عيدك وتفتحت زهور اللوتس المقدسة على سطح البحيرة لتحيتك، اليوم عيدك يا أماه فلا تنسي أن تدعو لي في صلاتك للرب».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حكماء المصريين قالوا إن دعاء الأبناء لا يصل إلى آذان السماء إلا إذا خرج من فم الأمهات»، مضيفا أن «رمز عيد الأم كان عبارة عن تمثال إيزيس وهي تحمل الطفل حورس»، موضحا أن المصريين القدماء أطلقوا على هذا اليوم الكثير من الأسماء في مختلف العصور الفرعونية، كان أولها عيد الأم المقدسة، وعيد أم الحياة، وعيد أم الوجود، وعيد الأم الجميلة.

ويشار إلى أنه في العصر الحديث، جاءت فكرة الاحتفال بعيد الأم العربي في مصر على يد الأخوين مصطفى وعلي أمين مؤسسي «دار أخبار اليوم» الصحافية، فلقد وردت إلى علي أمين رسالة من أم تشكو جفاء أولادها وسوء معاملتهم لها، واقترح التوأم علي ومصطفى أمين تخصيص يوم للأم بمثابة تذكر لفضلها، وحدد قراء الصحيفة يوم 21 مارس ليكون عيدا للأم، ويوافق أول أيام فصل الربيع ليكون رمزا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة. وقد احتفلت مصر بأول عيد أم في 21 مارس عام 1956، ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلاد العربية.