«ظاهرة الحماة والكنّة (أي زوجة الابن)» وما ينتج عنها من احتكاكات ونزاعات شغلت المجتمع العربي عامة في الماضي، لكنها لم تعد تشهد رواجا أو تشجيعا يذكر بين الطرفين، لا سيما في لبنان، بعدما انشغلت كل منهما عن ذلك بأمور الحياة الصعبة، وخصوصا، بعدما غدت زوجة الابن - إجمالا - شريكا تشارك زوجها همومه الاقتصادية عن كثب، وتحولت بين ليلة وضحاها إلى أم عاملة.. بالكاد يسمح لها وقتها الاهتمام بمنزلها الزوجي.
وفي لبنان، بصورة مباشرة، لعل أتباع الاستقلالية في طريقة العيش إن من حيث السكن (كل في منزل مستقل)، أو التعاطي مع الأقارب، أو في أسلوب الحياة ككل، عزز اندثار هذه الظاهرة ووضعها على الرف حتى إشعار آخر.
الدكتور عبدو قاعي، الاختصاصي في علم الاجتماع، قال: «إن الاحتكاكات بين الحماة والكنّة التي كانت تنتج في ما مضى عن الطرفين بفعل وجودهما معا تحت سقف واحد، أو بسبب وقت الفراغ الهائل الذي كان يحكم علاقتهما زالت تماما حاليا، لأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الناس عامة خلطت أوراق الزوجين من جديد، فصارا يسعيان إلى تقليص منغصاتهما البسيطة لكي يتفرغا إلى ما هو أهم، سواء على الصعيد الشخصي أو الحياتي.. وطبعا لتأمين لقمة العيش». وأضاف قاعي أن «خروج المرأة يوميا إلى مركز عملها أسهم في إخماد هذه الشرارة التي كثيرا ما رافقت أجيالا سابقة وتسببت في تدمير العلاقة القائمة بين الزوجين. فالأمور تطورت اليوم بحيث صارت الحماة تراعي ظروف الكنّة التي تحاول قدر المستطاع التخفيف عن كاهل زوجها.. لا بل صارت ترحب بها في العائلة على أساس أنها فرد أساسي من أفرادها، وكذلك الأمر بالنسبة للكنة التي صارت أكثر نضجا ووعيا بحكم مستواها العلمي الأفضل وخبرتها في الحياة الأوسع. فقد اكتسبت ثقافة مراعاة الظروف بفعل الدروس غير المباشرة التي تعلمتها من معاناة والدتها في هذا المجال، أو بفضل التوعية الاجتماعية التي فرضتها عليها بشكل أو بآخر الوسائل الإعلامية من خلال تطرقها إلى أمور الحياة عامة في برامج اجتماعية أو حلقات حوارية تلفزيونية تدور حول هذا الموضوع».
من جهة ثانية، قالت ماتيلدا عيسى، المتزوجة منذ سبع سنوات، إنها واجهت بعض الخلافات مع حماتها في بداية حياتها الزوجية، إلا أنها سرعان ما تداركت الأمور عندما أحست أنها قد تصبح غير محتملة في حال تمادت في رفض تصرفات حماتها. ولقد كانت الحماة تحاول دائما أن تبرهن لها أنها ليست عالة على ابنها أو عليها، وأنها تحاول تدبير أمور منزل ابنها في كل مرة تزوره فتدخل المطبخ لتشرف على الطعام الذي تحضره الكنة، أو تفتش عن أي عمل تقوم به لتشعر أنها ليست ضيفة ثقيلة. وأضافت ماتيلدا أنها ما لبثت أن تفهمت الأمر وأكدت لحماتها أنه مرحب بها دائما في البيت، وهكذا زال سوء التفاهم البسيط الذي ولد بينهما بسبب أمور تافهة.
أما ريما حداد فأكدت أنها على علاقة ممتازة بحماتها منذ بداية زواجها، وهي لم تفوت فرصة للتقرب منها ولإشعارها أنها بمثابة أمها الثانية، وأردفت: «اعتبر أن كل حماة هي أم بالنهاية، ولا يجوز التغاضي عن ذلك. وفي اعتقادي أن الأمر ينعكس إيجابيا على علاقة زوجي بأمي فهي حماته. وبالتالي، وما ينطبق علي ينطبق عليه أيضا.. فلماذا أوجع رأسي بمشكلة أنا في غنى عنها؟».
هذه الظاهرة تغيب اليوم عن أحاديث الصالونات النسائية تماما، وهذا بعدما كانت تشكل في الماضي مادة دسمة للقيل والقال. فقد أخذت مواضيع أخرى مثل تأمين الأقساط المدرسية، ودفع الضرائب للدولة، ومشكلات الخدم في المنازل، وأخبار عمليات التجميل.. حيزا لا يستهان به من أحاديث اللبنانيات، مما جعل التكلم عن الحماة «دقّة قديمة» لا يتطرقن إليها لا من بعيد ولا من قريب.
ولكن ماذا تعني كلمة حماة أو كنّة؟ ولماذا اتخذتا هذا المنحى على الصعيد العام؟
الأديب اللبناني جورج جرداق، بناء على بحث خاص قام به في هذا الإطار قال «إن الحماة هي مؤنث لكلمة الحمو، أي أب الزوج أو الزوجة، ولا تحمل سوى معنى واحد وهو ما يتبادر إلى الذهن تلقائيا أي (حامي المنزل). أما الكنّة فهي تعني بالفصحى (المرأة المستورة)، بينما في العامية فتعني المرأة التي تتكلم كثيرا (لا تكنّ). إلا أن اللقبين ليسا في الحقيقة أكثر من كلمتين اختلقهما الإنسان للتعريف عن طرفين متنازعين في الطبيعة».
من جانبها رأت الاختصاصية النفسية كريستيان أبو إلياس أن هذه الظاهرة «توارثها المجتمع اللبناني بحيث صارت بمثابة تقليد يتبعه الناس من خلال تربية معينة ترتكز على عنصر الامتلاك. فأم الزوج (الحماة) يخالجها هذا الإحساس، إذ تشعر أن زوجة ابنها (الكنّة) سرقت منها أعز ما لديها فتحاول استعادته بشتى الأساليب. وفي المقابل، ترفض الكنّة أن يشاركها أحد في الاهتمام بزوجها، وعندها يبدأ النزاع الذي يقوم أولا وأخيرا على حب الامتلاك».
أما وليد معماري، المتزوج حديثا، فقال معلقا: «إن الرجل يلعب دورا كبيرا في هذا الموضوع، لأن الابن وحده يستطيع وضع حد للمشكلات الممكن حصولها بين أمه وزوجته، فلا يفتح المجال لسماع الشكاوى الآتية منهما.. وعندها ينتهي الأمر بحلها بين الاثنتين دون أي تدخل يذكر من هنا أو هناك». وهنا ذكرت «الحماة» سوزان أبو شديد، أنها ترتبط بعلاقة جيدة مع «كنته» باميلا. فهما تترافقان للتسوق أو للقيام بزيارة لأحد الأقارب، أو حتى لتلبية دعوة على الغداء أو العشاء لصديقة مشتركة. وأضافت: «لا أحب أن أدعو زوجة ابني بـ(الكنّة) بل بـ(الابنة). ونحن متفقتان تماما.. بل إننا متفاهمتان على كيفية تعاطينا مع ابني، ولا أتوانى عن الوقوف إلى صفها ضده في حال وجدت أنها على حق». وحقا، فإن سوزان (57 سنة) ما زالت تهتم بأناقتها ومظهرها الخارجي، وهي ترافق زوجة ابنها باميلا إلى النادي لممارسة التمارين الرياضية، وكذلك إلى مزين الشعر، كما أنها تأخذ بعين الاعتبار رأي باميلا في لون الصبغة أو قصة الشعر اللتين تختارهما، معلقة: «لأن ذوقها حلو.. ويكفي أنها اختارت ابني زوجا لها».