سائق شاحنة تحول إلى أشهر طباخ «مندي» في الباحة

طلوب الزهراني.. اقتحم «غوغل» وبات يملك موقع جذب سياحي في جنوب غربي السعودية

الخمسيني طلوب أصبح أشهر طباخ مندي في الباحة
TT

لم يكن «طلوب» يتوقع يوما ما، أن تنقلب حياته رأسا على عقب، وأن يبدل رائحة أتربة كسّارات الخرسانة إلى رائحة ألذ المأكولات وأشهاها، بل وينتقل من شظف العيش إلى رغده.

فقبل نحو 12 سنة مضت، كان السعودي طلوب بن مساعد العياشي الزهراني، وهو في العقد الخامس من العمر، يملك شاحنةً لنقل «الخرسانة» (ضمن مشتقات مواد البناء)، وكان يقطع يوميا بشاحنته أكثر من 200 كلم بين بلدته وادي ثروق، في قبيلة دوس بالشمال الغربي من منطقة الباحة (جنوب غربي المملكة العربية السعودية)، مُتجها إلى وادي تُرَبة، الذي كان يتزود منه سائقو الشاحنات بالخرسانة وبعض مواد البناء ليتسنى لهم بيعها للمواطنين في المنطقة.

وما كاد يوم من أيام هذا الخمسيني يمر من دون أن يُبدي تذمرا من أخطار الطرق ووعورتها، ولا سيما إبان مواسم الأمطار، عندما تصبح مسالك وادي تُرَبة من أخطر الأماكن لقيادة المركبات. وبالتالي، قرّر طلوب التخلي عن هذه المهنة والابتعاد عن هذه المخاطر، وساعده على اتخاذ قراره قلة العائد المادي الذي كان يتقاضاه منها، ذلك أنه كان بالكاد يفي بسد احتياجاته وأسرته كما يريد. إلا أن طلوب الزهراني كان - بعد هذا القرار - على موعدٍ مع تحولٍ جذري في حياته. ففي أحد الأيام اتجه إلى «قزعة السر»، وهو موقعٌ لا تتجاوز مساحته 800 متر مربع، متاخم لتهامة زهران إلى الجنوب الغربي من وادي ثروق، في قرية تسمى «الزرقان»، في قلب جبال السروات الشاهقة، عند موقعٍ يرتفع قرابة 2400 متر عن سطح البحر الأحمر، ويطل على المناطق الساحلية لمنطقة الباحة. وبالمصادفة البحتة تحول نظره القصير إلى حجرة صغيرة تقع أعلى الموقع، كانت تُستخدم مقهى شعبيا في القرية، يتردّد عليها بعض السكان وسائقو الشاحنات المُترددين على الطريق، لتناول الشاي وتدخين النرجيلة أو «الشيشة». غير أن هذه الحجرة أغلق بابها منذ فترة غير قصيرة، لتدني العوائد التي كان يجنيها المستأجر من تقديم الشاي و«الشيشة». وهنا، طرأت لطلوب فكرة فتح مطبخ لأكلة «المندي والحنيذ»، خاصة أن الموقع منطقة جذبٍ سياحي ويتميز بطبيعة هادئة جميلة ومناخ معتدل، لوقوعه على جبالٍ شاهقة وبين غابات كثيفة، كما تتوافر فيه مجموعة غنية من المزروعات لخصوبة أرضه. وللعلم، تشكل منطقة الباحة ثاني أعلى كثافة سكانية في السعودية، بالنسبة إلى صغر مساحتها، إذ يزيد عدد السكان عن 600 ألف نسمة، يقطنون ما يزيد عن 1200 قرية. بالإضافة إلى كونها تمتاز بتضاريسها ومتنزهاتها وغاباتها الرائعة.

وبالفعل، وعلى الفور، اتجه طلوب الزهراني إلى صاحب الموقع، واتفق معه على قيمة استئجار الحجرة الصغيرة، التي لا تتجاوز مساحتها 20 مترا مربعا، وهي 3 آلاف ريال في العام الكامل (أي ما يوازي 250 ريالا في الشهر). وبسرعة وقّع عقد الإيجار، ليفتح الله - عز وجل - أمامه الشهرة وأبواب الرزق، بعد استخراجه الترخيص اللازم لفتح المحل واستقدام العمالة اللازمة لخدمة الزبائن، وتقديم الطلبات. الأشهر الأولى من فتح طلوب مطبخه كانت أعماله مُقتصرةً على زبائن قريته التي يغطيها الضباب في فصلي الربيع والشتاء، ويصعب الوصول إليها إلا بشق الأنفس، نظرا لكثافة الضباب وانعدام الرؤية في المنطقة بشكل عام. وعند هذا المرتفع أنشأ «خيمةً» تتسع لقرابة 20 شخصا بجوار الحجرة الصغيرة، مصنوعة من أصواف الأغنام ووبر الجمال، لاستقبال الزبائن من القرى المجاورة.

ولكن بعد مرور قرابة سنة، اتسعت شهرة الموقع لإجادة طلوب، والعاملين معه في المطبخ إعداد «المندي والحنيذ» بشكلٍ مميز وبنكهةٍ فريدةٍ خاصة. فصار المشروع قصة نجاح حقيقية، وبدأ الزبائن يتوافدون على الموقع من كل حدبٍ وصوب، بعدما تجاوزت شهرته منطقة الباحة إلى المدن المجاورة، كالطائف شمالا على سبيل المثال، ومنطقة عسير وبيشة جنوبا وغيرها من المحافظات. حتى وصل الأمر إلى أن الحجرة الصغيرة و«الخيمة» المجاورة لها ضاقتا بالزبائن المتكاثرين، خصوصا الآتين من أماكن بعيدة من أجل تناول «مندي طلوب». وعندها لم يجد طلوب أمامه بديلا عن شراء الأرض المجاورة للمطبخ. وهذا ما فعله، وباشر على جناح السرعة ببناء غرف إضافية خاصة بالعائلات وأخرى للشباب، بلغت 7 للعائلات، و4 للشباب في الجهة الأخرى، كلها مكيّفة ومجهّزة بشكل ممتاز، مع إضافة جلساتٍ خارجية مُطلةٍ على مرتفعات تهامة.

ومن ثم، بمرور الوقت، أخذ الموقع يكتظ بالزبائن، الأمر الذي دفعه لاستدعاء 5 من أبنائه (مساعد، وسامي، وعبد المنعم، ومنصور، وعلي) لمساعدته في خدمة الزبائن بالشكل اللائق. فقد زادت نسبة الطلبات، وبعدما لم تكن نسبة الطلب اليومي على الذبائح «التيوس» يتجاوز في العام الأول 6 ذبائح، ارتفعت النسبة بعد مرور سنة، إلى أن وصلت في أيام الإجازات - خصوصا فترة الصيف - إلى 30 رأسا يوميا، والأيام الأخرى إلى 15 رأسا على أقل تقدير.

واليوم، بعدما كان طلوب، الخمسيني الطموح، شخصا لا يعرفه معظم سكان القرى المجاورة لقريته، فإنه اليوم، في أعقاب فتحه مطبخه الناجح بات أشهر من نارٍ على علم. صار كثيرون يتناقلون اسم مطبخه المقترن باسمه في المنتديات الإلكترونية، بل إنه تمكن من اقتحام مُحرّك «غوغل» الإلكتروني للبحث في شبكة الإنترنت، وبات مشهورا إلكترونيا.. بذات حجم شهرته الحقيقية على أرض الواقع.