«قصر العظم» في دمشق.. يتجمل ويتطور كمتحف للتراث الشعبي

يضم عشرين قاعة تعرض فيها 3000 قطعة متحفية

قصر العظم بدمشق مازال شاغل ومقصد الناس والسياح («الشرق الأوسط»)
TT

ما زال قصر العظم التاريخي في قلب العاصمة السورية دمشق، منذ فتحه أمام الجمهور في منتصف القرن الماضي، شاغل الناس ومقصد الآلاف من السياح والزوار أسبوعيا.

وحقا، لا تكتمل زيارة دمشق من دون زيارة هذه الدرّة المعمارية الفريدة التي تعود للقرن الثامن عشر. وتزداد متعة زيارة القصر النادر بالنسبة للزوار مع التجوّل داخل قاعاته التي تحوّلت منذ عشرات السنين إلى متحف للتقاليد الشعبية السورية، وبالأخص لتقاليد دمشق، مع انتشار متاحف التقاليد الشعبية في المدن السورية الأخرى. وبالتالي، بات يتيسر للزائر متابعة كل مفردات تراث المجتمع السوري ومهنه ومنتجاته اليدوية من خلال هذا القصر - المتحف.

من ناحية أخرى، لئن كان القصر ومتحفه شاغل الناس فإنه بالتأكيد الشاغل الدائم للمعنيين والمسؤولين في مديرية الآثار والمتاحف السورية، وأيضا لإدارته التي حرصت على جعله في أبهى صوره ليتناسب مع أهميته المعمارية والتراثية.

ومن هذا المنطلق أنجز قبل فترة قصيرة مشروع تجميلي واسع في القصر - المتحف، بالتعاون مع خبرات مشهود لها من جامعات أميركية كبرى. كذلك جرى افتتاح قاعة معارض مؤقتة أطلق عليها اسم الراحل شفيق الإمام، وهو أول آثاري سوري يتسلّم إدارة متحف التقاليد الشعبية في قصر العظم قبل نصف قرن، وذلك تكريما لخدمات هذا الرجل وتفانيه في الحفاظ على القصر وتزويده بكل ما يلزم من مقتنيات تراثية لعرضها أمام الجمهور.

ولكن ما هي مفردات مشروع تجميل وترميم قاعات القصر - المتحف والطرق الجديدة في العرض؟

ميساء إبراهيم، مديرة قصر العظم ومتحف التقاليد الشعبية فيه، التقتها «الشرق الأوسط» أخيرا، فشرحت ما نفذ من أعمال جديدة في القصر - المتحف وأتيح للجمهور مشاهدته منذ الإعلان عن انتهاء المشروع قبل فترة وجيزة. ومما قالته: «بدأ مشروع إعادة تنظيم العرض المتحفي من خلال إمكانات بسيطة ومما هو متوافر داخل القصر. ولكن كانت الانطلاقة الأهم لمشروع تجميل القصر والمتحف وتطويرهما قبل ثلاث سنوات وبدعم من الإدارة العامة للآثار والمتاحف. فقد اقترحنا عليهم تغيير وظيفة قاعتي جبل العرب وحوران في قصر العظم بحيث نرسل ما تتضمنانه من مقتنيات تراثية إلى محافظتي السويداء ودرعا لعرضها في متاحفهما، واستخدام القاعتين هنا لزيادة عرض مقتنيات التقاليد الشعبية لمدينة دمشق وريفها، وهذا مع العلم، أن متاحف التقاليد الشعبية بدأت تنتشر في المحافظات السورية، وبالتالي لم يعد قصر العظم متحفا شاملا لكل تقاليد وتراث المدن السورية الأخرى، ولا بد من تشجيع الناس على زيارة متاحف المحافظات أيضا ليشاهدوا تراث كل محافظة في متحف خاص بها».

وتابعت ميساء إبراهيم: «سار مشروع التحويل المقترح للقاعتين بشكل جيد بعد موافقة المجلس الأعلى للآثار، فتم تحويل إحدى القاعتين لعرض المصوغات والمجوهرات الدمشقية التقليدية التي لم تكن معروضة أمام الجمهور سابقا، أما القاعة الثانية ففتحت كقاعة معارض مؤقتة. كذلك جرى تنفيذ طرق جديدة للعرض المتحفي في قاعات القصر وتحقق ذلك من خلال تدريب كوادر متحفية سورية من ضمن مشروع اتفق عليه ما بين وزارة الثقافة السورية التابع لها المتحف وجامعة بريغهام يونغ الأميركية، التي موّلت تدريب الكوادر على طريقة تنظيم ووضع شروح خاصة بالمعروضات في المتحف، والمساعدة بتنظيم خزائن عرض وإعداد دليل منهجي وعلمي ومتطور للأطفال يحاكي عقل الأطفال ويشعرهم بقيمة هذه المقتنيات الأثرية والتراثية وماذا تعني لهم ولخلق تواصل ما بينهم وبين الإرث الثقافي الحالي».

وأردفت: «أؤكد لك أنه أول دليل في سورية موجه للأطفال. وعملنا فيه مع الفريق الأميركي المتخصص، كما أنجزنا دليلا للزائر بطريقة علمية ومنهجية مفيدة بحيث يتيح للسائح الحصول على أكبر كمية من المعلومات في أقصر وقت ممكن، وبطريقة سلسة ومريحة للزائر والسائح. ويتضمن الدليل تعريفا بالإرث الثقافي السوري، وبقصر العظم، وبعائلة العظم وإنجازات باشوات العائلة».

ثم قالت موضحة: «وفي ما يتعلق بالقاعتين المعاد توظيفهما بشكل جديد، فإن ما يُعرض فيهما من مقتنيات يتغيّر كل ستة أشهر، خاصة وأن لدينا في مستودعات القصر أعدادا كبيرة من القطع المتحفية (يتجاوز عددها الـ6500 قطعة) لم يتح للجمهور مشاهدتها بعد ولم تخرج للنور».

وابتسمت ميساء، وأضافت: «بالمناسبة، كل هذه المقتنيات جمعها الشخص الذي كرّم أخيرا.. شفيق الإمام.. لنقول له شكرا على كل ما أنجزه. إنه أول أمين متحف لقصر العظم، وقد تسلّم إدارته في عام 1963، حين باشر مع مساعدته سهام خير تجميع هذه القطع المتحفية، التي عرض قسم منها في القاعات، بينما ظل الباقي منها مخزونا في المستودعات. ولذا فإن قاعة شفيق الإمام المفتتحة حديثا كقاعة معارض خاصة بمعروضات قصر العظم سيجري فيها عرض القطع المخزونة أمام الزوار، وهي ستتغير كل فترة. ولذلك لاحظ الزوّار أن القاعة الجديدة ضمت في أول معرض الخشبيات الدمشقية اليدوية، ثم المعرض الجديد الحالي جاء مخصصا للمقتنيات الزجاجية التراثية». واستطردت «وسيستفاد من القاعة في تنظيم معارض لفنانين لمدة لا تتجاوز العشرة أيام وبشرط أن يخدم المعرض رسالة متحفنا الثقافية والفنية والمعمارية».

بعدها تحدثت ميساء إبراهيم عن صعوبات فنية وعمرانية واجهت مشروع التطوير والتجميل. فقالت: «من مفردات مشروع تجميل وتطوير القصر المتحف كان تطوير طريقة العرض في قاعات القصر المتحفية التي يصل عددها إلى أكثر من عشرين قاعة تضم آلاف المقتنيات المعروضة أمام الناس (3000 قطعة). ولكن كان هناك صعوبات وإشكالات في سير تجديد طريقة العرض المتحفي، سببها أننا كنّا مقيدين بالمكان ومحكومين بالطريقة المعمارية والتصميم المعماري للمبنى. وبالتالي، حاولنا استغلال كل الفراغات الموجودة في القاعات لتنفيذ الأسلوب الجديد في العرض المتحفي. ومن ثم نفّذنا طريقة جديدة في الإنارة وغيّرنا الطريقة القديمة التي كانت تعتمد على مصابيح قوية تضيء القاعة بشكل كامل مما يسيء للمعروضات. وأما اليوم فإننا نستخدم الأسلوب الجديد القائم على إنارة مركزة فقط على القطع المعروضة وليس إضاءة خزانة العرض كلها. وهذا الأسلوب الجديد جاء مريحا للزائر ورؤوفا بالمعروضات التي تبرز الإنارة جماليات كل منها».