«الياقوت».. مغربية نذرت نفسها للعناية بالقطط المشردة في فاس

تتجول يوميا في الأزقة والأحياء الشعبية بحثا عن قطة جائعة أو مريضة

«الياقوت» تطعم قططها بنفسها في أزقة فاس ودروبها (تصوير: أحمد العلوي المراني)
TT

«الياقوت».. سيدة مغربية من مدينة فاس، رهنت حياتها للعناية بالقطط المشردة في المدينة، واستطاعت هذه المرأة بإمكاناتها البسيطة أن توفر الأكل والدواء لمئات القطط. وهي تقدر حاليا عدد القطط التي تعتني بها بنحو 1500 قطة.

«أم القطط» - كما يلقبها البعض في فاس - لا تنام إلا بعد إطعام كل هذه القطط في جولات تتكرر يوميا في عدد من الأزقة والشوارع والأحياء في «المدينة العتيقة»، وهذا بعدما تكون قد جمعت زادها وحاجاتها من بقايا الأكل من عند الجزارين وتجار السمك والدجاج والحليب.

لقد دأبت «الياقوت» على هذا العمل اليومي، دون كلل أو ملل، متابعة تفاصيل برنامجها صباح مساء. إنها تعيش من أجل القطط، فتفرح لفرحهم وتبكي حين تلاحظ حزنهم أو يتعرضون إلى مكروه.

نعم.. إنها امرأة تختلف حياتها تماما عن حياة جميع سكان المدينة، راعية وحاضنة للقطط التائهة في أزقة «المدينة العتيقة» ودروبها، في حين نسجت هذه القطط علاقة خاصة مع «الياقوت» لا يدري أسبابها وأهميتها إلا من يتعرف عليها عن كثب.

غير أن «الياقوت»، التي كرست حياتها للعناية بالقطط المشردة، ولفترة تقترب من أربعة عقود، لم تكتف بما فعلته وتفعله، بل فكرت في إقناع مجموعة من الناس، مهتمة بإخراج هذه القطط من حالة التشرد والضياع في الأزقة والدروب الضيقة في فاس القديمة، بتأسيس «جمعية لحماية والرفق بقطط الشوارع»، وهو الاسم الذي أطلقته «الياقوت» على هذه «الجمعية». وحقا أسست «الجمعية بحضور وبمساهمة مجموعة من المتعاطفين مع فكرتها في فاس»، وبالتالي استحقت «الياقوت» أن تكون «المرأة الأولى بفاس» قبل نحو ست سنوات، حين كرمتها «الرابطة المغربية للثقافة والفن» بالمدينة إلى جانب مذيعة التلفزيون نسيمة الحر.

تقول «الياقوت»، التي لا يغمض لها جفن إلا بعد أن تطعم قطط الشوارع، إنها ورثت العطف على هذه الحيوانات من والدها الذي كان يحترم القطط، ويحثها على السير على نهجه. وتضيف حول بداية هذه الهواية «.. أواظب على رعاية القطط منذ كان عمري سبع سنوات».

ثم تشرح أنها كانت آنذاك تكتفي بتربية القطط في المنزل، والحرص على تنظيفها وإطعامها بنفسها ورعايتها من دون أن تفارقها حتى خلال ساعات النوم. لكنها قررت بعد بضع سنوات من ذلك التفرغ للعناية بالقطط المشردة في الشوارع بعدما لاحظت في إحدى جولاتها ما تعانيه من اعتداءات وتحرشات من قبل بني البشر والكلاب.

لم تكن هذه المرأة التي لا تهتم في يومياتها إلا برعاية القطط، تدري أنه سيأتي يوم ويتحول فيه اهتمامها بموضوع تشرد الحيوانات، وتحديدا القطط، إلى جذب أضواء الشهرة إليها، قبل وبعد تأسيسها «الجمعية». وهي اليوم بالرغم مما تتكبده وتعانيه لمواصلة القيام بمهامها، فإنها مصرة على الاستمرار في عملها الإنساني. وفي موضوع شخصي تنفي «الياقوت» أن يكون اهتمامها بالقطط المشردة، سببا في طلاقها، وتوضح في هذا الصدد أن طلاقها من زوجها الوحيد، لم يكن بسبب القطط بعدما أنجبت منه طفلين لم تكتب لهما الحياة، «بل لسبب آخر»، مؤكدة أنها تزوجت مرة واحدة.

من ناحية أخرى، تعرب «الياقوت» عن انزعاجها من ارتفاع ضحايا حوادث المرور من القطط المشردة في جميع أنحاء المعمورة. وتقول إنها تتمنى «لو تعطى أسبقية المرور وعبور الشوارع للحيوانات، ليس بالضرورة من ممرات خاصة بل في أي موقع من الشارع». وتتذكر بألم كيف بكت على قطة تنعتها بـ«ابنتها» - لأنها أشرفت على ولادتها - لتموت بعدما دهستها سيارة، وتقول إنها بكت بحرقة «إلى حد النواح» حين شاهدتها بقايا أشلاء في الشارع.

وتروي «الياقوت» قصتها مع القطة الأولى التي ألفتها ورعتها، قائلة «وجدت قطة تهم بالوضع، ولاحظت أنها تتوسل إلي لتوليدها، وهو ما فعلت بعدما وضعتها على قطعة كارتون، لكن القطة المسكينة ماتت بمجرد أن وضعت ابنتها». وبعد هذه التجربة، انقلبت حياة «الياقوت»، وغدت من حيث لا تدري، خبيرة في الكشف عن الأمراض التي تعاني منها القطط والأدوية الصالحة لعلاجها. وهي تحرص بنفسها على الإشراف عليها، بل إنها تؤكد أنه بات باستطاعتها إجراء عمليات جراحية والقيام بالتتبع اليومي لكل حالة مرضية للقطط. وتعود درايتها الواسعة بأمراض القطط إلى كونها «الأقرب إليها وإلى ما تحس به، بالمقارنة مع الآخرين الذين لا يجدون في القطط المشردة سوى كائن غير مرغوب فيه».

«الياقوت» امرأة استثنائية اعتاد سكان عدة أحياء في فاس، منذ أكثر من 35 سنة، على اعتبارها إنسانة من طينة خاصة جدا تعيش من أجل رعاية القطط.

ويبقى أن نشير إلى أنه من طرائف حياة هذه المرأة الغامضة ذات التفكير والإحساس العميقين، احتفالها بمولد قطة أنجبت 5 قطط وعمرها 12 سنة، إذ أحيت حفلها كما لو أن الأمر يتعلق بمولد صبي أو بنت!