مصر: ناقلات «فولكس فاغن» تميز شارعي الهرم وفيصل في الجيزة

تجوبهما منذ 40 سنة.. وتحولت من وسيلة مواصلات إلى «عِشرة» اجتماعية

صغر حجم هذه الناقلات وقوتها، إلى جانب استيعابها 10 ركاب، مزايا جعلتها تستمر كل هذه السنين
TT

ناقلة «فولكس فاغن» ماركة مسجلة و«عِشرة» اجتماعية لأشهر وسيلة مواصلات عامة يتميز بها شارع الأهرام السياحي، أو كما يطلق عليه المصريون «شارع الهرم»، الممتد من ميدان محافظة الجيزة وحتى الأهرامات الثلاثة الشهيرة، بطول 8 كيلومترات.

وتمتد هذه الماركة إلى شارع فيصل الموازي، الذي سمي بهذا الاسم نسبة للعاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز. وهو الأكثر ازدحاما بالحركة المرورية على مدار الساعة، إذ يعج بالحركة التجارية التي تميزه عن شقيقه الملازم له شارع الهرم. ويقطع الشارع من أوله كوبري فيصل الذي يؤدي إلى ميدان الجيزة، وفي نهايتيهما يلتقي الشارعان، في ما يشبه «التوأمة المرورية» عند ميدان الرماية، نقطة الانطلاق إلى طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي والقاهرة - الفيوم.

في هذين الشارعين، تتسيد ناقلات (فانات) الـ«فولكس فاغن» الألمانية الصنع مشهد المواصلات العامة متفردة عن بقية الماركات الأخرى، وهي الوسيلة التي لا تراها في أي شارع آخر في مصر غير هذين الشارعين. وإذا وجدت المركبة ذاتها - التي تتميز بلونها الأبيض وبابها الذي لا يغلق غالبا - فإنما تجدها كسيارة ملاكي (خاصة) لا أجرة، وهو أمر نادر جدا أيضا. سكان الشارعين يبررون عشقهم لناقلات الـ«فولكس فاغن» على مدى ما يقرب من 40 سنة بأسباب كثيرة، منها قدم التعامل معها والتعود عليها، وسهولة الركوب والنزول من هذه النوعية من المركبات، فضلا عن صغر حجمها نسبيا مما يمنحها انسيابية في الحركة على الطريق.

الحاج علي الملط، وهو صاحب مقهى في شارع الهرم، يروي أنه في بداية السبعينات من القرن الماضي وفدت إلى هذا الشارع الـ«فولكس فاغن» كسيارة أجرة، وظلت ملازمة له حتى يومنا هذا. ويضيف الحاج علي: «الطريف أنه على الرغم من المنافسة الشديدة لها من سيارات متنوعة، احتفظت هذه الناقلات ذات اللون الأبيض المميز بقدرتها على الصمود كوسيلة نقل سهلة استخدمها سكان الشارع طوال 4 عقود، حتى صارت جزءا لا يتجزأ من شارع الهرم وسمة مميزة له. فأنت حين تتجول في شوارع مصر، وبالأخص في شوارع القاهرة، لن تجد وسيلة المواصلات هذه على الإطلاق، اللهم إلا في شكل سيارة ملاكي». إلا أن هذه «العِشرة» مع الـ«فولكس فاغن» تتهددها حاليا جملة من المخاطر في هذين الشارعين، فعلاوة على أنها تواجه هجوم نوعيات أخرى متعددة من سيارات الأجرة، وبخاصة تلك التي أصبحت تقل المواطنين من أول الشارع إلى آخره، وذلك في ظل تقسيم سائقي الـ«فولكس فاغن» محطات التوقف داخل الشارع إلى مراحل متعددة مما يرهق ميزانية الركاب. كذلك هناك عنصر الزمن، فأعمار هذه الناقلات تصل إلى أربعين سنة أو أكثر، وهو ما يجعلها عرضة للتهالك. ولكن، ربما أسهم في هذه الظاهرة بالشارعين الكبيرين أن اسم «فولكس فاغن»، أصلا يترجم حرفيا بالألمانية بـ«سيارة الشعب» أو «سيارة الناس». وهذا المفهوم كان أحد الأسباب الرئيسية لنجاح الشركة الصانعة، وطرازاتها الناجحة. فالهدف الأساسي من ابتكار أول سيارة «فولكس فاغن» عام 1938 هو أن تكون في متناول أغلب الناس بالفعل، ولكن ليس على حساب الأداء. وعليه؛ فقد لاقت نجاحا منقطع النظير، مما أهّلها لأن تصبح رابع أكبر منتج للسيارات في العالم.

سائقون من ذوي الخبرة مع الناقلات البيضاء، بأنها «حَمولة» و«حنيّنة» في استهلاك البنزين. ويشرح أحدهم، أشرف محمد (52 سنة)، قائلا: «أنا أعمل على هذه المركبة منذ عام 1975، إلا أنها موجودة في الشارع قبل هذا التاريخ بعدة سنوات». وحول قدرة الناقلة من هذا النوع على الاستمرار دون أعطال واضحة لعدة عقود في العمل على الطريق ذاته، يشير أشرف إلى أن «السبب هو الموتور (المحرك)»، الذي يؤكد أنه صنع خصيصا لمواجهة الصعاب.

ويتذكر محمد سعيد، المقيم في شارع الهرم، أوائل عهد استخدامه هذه المركبة كوسيلة مواصلات، مشيرا إلى أن «خط الـ(فولكس) في الهرم، كان يبدأ من أمام محلات (أبو الدهب) - سلسلة محلات حلويات كانت ذائعة الصيت لكنها أغلقت أبوابها الآن - في قلب ميدان الجيزة، وحتى منطقة أبو الهول، وكانت الأجرة في نهاية السبعينات 8 قروش فقط لا غير، وكان الجو أكثر هدوءا والناس أقل عددا بكثير». وعلى الرغم من وجود أنواع متعددة من سيارات الأجرة في هذين الشارعين، منها ما يقل الراكبين حتى النهاية، فإن محمد سعيد لا يزال يفضل «الفولكس البيضاء» نظرا إلى سهولة ركوبها والنزول منها، قائلا إنه اعتاد عليها منذ زمن بعيد «دي عِشرة عُمر»، على حد قوله.

وحول سر وجود هذه النوعية من وسائل النقل في شارعي فيصل والهرم فقط على مستوى القاهرة الكبرى، يرى سمير سامي (29 سنة)، وهو سائق، أن السبب «هو وجود (الصنايعية) وورش التصليح على امتداد هذين الشارعين، مما يسهل عملية تصليح أي عطل بها». ويؤكد أنه حريص على الاعتناء بمركبته التي ورثها عن والده هو وإخوته، ويحرص على تجديدها باستمرار، كما يمتدح «متانة وقوة الموتور الذي استطاع أن يعمر لسنين طويلة».

صغر حجم هذه الناقلات وقوتها، إلى جانب استيعابها 10 ركاب، مزايا جعلتها تستمر كل هذه السنين. بل إن كثيرين في شارعي الهرم وفيصل يؤكدون أنها ستستمر لعقود مقبلة لكل هذه الأسباب، وهذا إلى جانب الارتباط الاجتماعي الذي نشأ بين سكان الشارعين وبين هذه الوسيلة السهلة للانتقال، خصوصا في منطقة يزداد ازدحامها يوما بعد آخر.. وهو ما يطمئن إليه الحاج علي قائلا: «المسألة ليست لغزا، المسألة ببساطة هي أن الناس تفضل هذه المركبة لأنها مريحة، وبمرور الأيام أصبحت علاقتهم بها أشبه بـ(العِشرة). لذلك ستظل علامة مميزة للشارعين، الكبيرين في منطقة الأهرام وفيصل».