مسرحي يهوى جمع الثياب القديمة ويبحث عنها في عواصم العالم

يعمل على تحويل بيته في بيروت إلى متحف لمجموعته النادرة

عطا الله بين فساتينه حاملا أحدها («الشرق الأوسط»)
TT

جمع الملابس القديمة شغفه، أما خلطها مع الموضة فهو جزء من مهنته. «رائع»، عبارة تخرج من بين شفتيك دون استئذان، أثناء تجولك بين غرف منزل بشارة عطا الله، الكفيلة بمحتوياتها وتصاميمها بجذبك إلى عالمها.

منذ اللحظة الأولى لدخولك المبنى الواقع في أحد أحياء محلة الأشرفية، تدرك من سيارة «الفولكسفاغن» المركونة (موديل عام 1965)، أنه من عشاق الأشياء القديمة.

أما عند رؤيتك التلفاز الحديث، وقنوات الدش عليه، وجهاز الـ DVD والهاتف المحمول، فإنك تسمع منه عبارة «هذه الأشياء مطلوبة كي تكون مدينيا (تعيش في المدينة)، لكنني لا أسمع الأخبار إلا من الناس، الأشياء العظيمة أشاهدها على قلتها، وأرى أن الناس باتوا أسرى الشاشة، لا ينشطون ذهنيا، ولا حركيا خارجها».

بيت عطا الله بات بمثابة دكان للألبسة القديمة، ألبسة بدأت بالازدياد، بعد أن رفض طلب والدته، ذات يوم، تفريغ خزانتها من ثيابها القديمة، وقبعاتها، وثياب والده العائدة إلى أواخر الستينات، لاعتباره تلك الثياب، مجموعة رائعة بتصاميمها وألوانها وإكسسواراتها.

عامل كان نقطة الانطلاق لعاشق الماضي، نحو البحث عن ثياب مماثلة داخل لبنان وخارجه، حتى أصبح اليوم مالكا لمجموعة كبيرة منها.

«الناس ينسون أحيانا، أن ما يرتدونه هو وليد شيء قديم، والذي لولاه لما وصلنا إلى ما نرتديه اليوم» يقول، وهو يفتح كتابا اسمه «قاموس تاريخ الأزياء الكامل» المؤلف من 650 صفحة، ووزنه 5 كغ، وفيه صور تعود بالتاريخ إلى زمن الفراعنة عبارة عن منحوتات، بعدها، يمكنك ملاحظة كيف تطورت الملابس، وصولا إلى عصرنا هذا وأزيائه الحديثة الفرنسية والإيطالية..

كتاب يستند إليه عطا الله بحكم عمله في التصميم والتمثيل والإخراج، كي يستوحي أفكارا قديمة متجددة، يترجمها من خلال القماش والألوان، وعبر وضعه نظام الثياب على المسرح، في عالم كوميدي أو درامي، يجمع رموز حقبة معينة، أو فكر أو جيل معين، وما بين جيل اليوم في مشهد متضاد.

«جان بول غوتيه، كريستيان دور، ليونارد تيري موغلير، فالنتينو، سان لوران، وغيرها من أسماء المصممين، كذلك التصاميم المحلية التي تعود جميعها إلى حقبة الخمسينات وما بعدها، تجدها عند من لا يميز بين قطعة وأخرى، كي لا تسود الغيرة بينها، مؤكدا أن العودة إلى حقبة الستينات، ترينا العالم أكثر جمالا وبهاء.

هدف عطا الله، الذي بات معروفا في الوسط السينمائي، ليس بيع هذه القطع ولا الربح، بل هو يلبي رغبة طالبيها، بتأجيرهم إياها بمبالغ زهيدة تحقيقا لمتعة خاصة، مقترحا على النساء منهم أخذ صورة تذكارية.

دراسات وأبحاث، يقوم بها المصمم المسرحي بهدف تجسيد الموديلات القديمة، ما جعله قادرا على معرفة اسم المصمم عند رؤيته أي موديل، وهو أصبح مقصدا لأبناء الوسط الفني، الباحثين عن ثيابهم المسرحية، والتي يقوم بتصميمها في حال تعذر وجودها، مما يجعله مشاركا بلمساته في تكملة المشهد.

الفساتين الطويلة لها مكانها الخاص، يقابلها القصيرة، كذلك الأمر بالنسبة للتايورات، والألبسة الرجالية، تصنيف اعتمده عطا الله، بهدف الإنجاز السريع لأي توليفة.

«أنا قريب من العالم لكن نمط حياتي مختلف، وهذا خيار مرتاح فيه، أسعى منذ سنوات كي يصبح بيتي متحفا يستفيد منه أكبر عدد من الناس، لا أريد أن تصبح أي قطعة ملكا لأي شخص، بل ملكا للفن وحده»؛ يوضح من يحمل شعار «أنا أشتري ولا أبيع».

بيت بشارة لا يقل قدما في التاريخ عن الأزياء المكدسة في غرفه، وذلك بفضل مهندسة الديكور سينتيا زهار، التي تفننت في بعثرة المقتنيات، بكثير من الذوق، انسجاما مع روح المكان.

بشارة يتمنى لو ولد في حقبة الستينات، حقبة كان فيها لبنان رائعا بفنونه، وصرعاته، وموضته وتحرره. أما اليوم، فإن الموضة عادت لتستوحي خطوطها العامة من تلك الحقبة بنظره.

المرة الأولى التي صمم فيها ثيابا للمسرح، كانت في مسرحية «بانتظار غودو»، نزولا عند رغبة المخرج روجيه عساف، كما عمل مع كل من رويدة الغالي، وعصام أبو خالد، الذي كان له تأثير كبير على عمله في المسرح. ومن المسرحيات التي صمم أزياءها «فيترين» لجوليا قصار وعايدة صبرا. «المسرح كالمختبر؛ فيه تجارب متعددة، حاله حال الحياة، ليس شرطا أن ننجح فيها من المرة الأولى»، يشير من يصف مجموعته بالعاج النادر.

وحول كيفية الحصول عليها، يجيب: «أزور بلدانا كثيرة بحكم عملي، لكنني أجد صعوبة في إيجادها، منها ما يكون بحاجة إلى ترميم، وآخر لم يرتده أحد، أجدها في المحلات التجارية، المسماة أوروبيا وأميركيا (دكان حقبات التاريخ)، أما لبنانيا فنسميها البالة، في كل الأحوال أشتريها لتنضم إلى مجموعتي».

إشارة، إلى أن عطا الله يحمل شهادة إدارة عامة من الجامعة الأميركية في بيروت، لكنه وجد نفسه في عالم الفن، فقرر لاحقا خوضه، لا أن يكون وراء المكتب، معتبرا أن تحول الشغف إلى عمل، يجعل من الإنسان مقاتلا في سبيل تحقيقه.

واليوم، يقوم عطا الله بالتحضير لعرض أدائي جماعي، تحت إشرافه لطلاب هواة من مدرسة غسان يمين الموسيقية، ضمن فعاليات «مهرجان 50 يوم 50 سنة»، كتكريم لكل الفنيين المسرحيين، الذين أوصلوا المسرح اللبناني لما هو عليه اليوم.