«الأيربروش».. فن الوشم على السيارات

أصبح وسيلة للاحتجاج السياسي والتعبير عن الميول الخاصة

الرسم على السيارات في القاهرة يسمح به ببعض المحاذير وبحد أقصى ثلاثة ألوان («الشرق الأوسط»)
TT

«الجنون فنون، والفن لعب أيضا».. حقيقة أكدها خبراء وعلماء في سيكولوجية الفن، وتسللت خيوطها بسلاسة إلى الحياة السياسية، فكثيرا ما تؤثر تداعيات هذه الحياة بكل تناقضاتها على قطاعات الفنون، فتبرز منها مادة خصبة ومثيرة للإعجاب، وهذا هو حال فن الرسم بواسطة «الأيربروش - AirBrushin» الذي نشأ في أميركا كاتجاه سياسي للتعبير عن الآراء والأفكار بالرسم على القطارات والحافلات العامة والسيارات الخاصة، واليوم بات أيضا وسيلة للتعبير عن الميول الشخصية.

وليد إبراهيم، أحد المتخصصين في الرسم بواسطة «الأيربروش»، يقول: «عندما يشاهدني البعض أرسم ببراعة وإتقان لأعبر عما بداخلهم بمجرد وصف مشاعرهم لي، فيجدون الصورة أصبحت وكأنها جزء من الحقيقة، حينئذ يستغربون، فأنا لا أستخدم فرشاة ولا قلما، فالرسم بـ(الأيربروش) يكون عبر جهاز صغير يضخ الألوان بواسطة ضغط الهواء، ويكون مزودا بحبر أو بعض الأصباغ».

الطريف أن قصة هذا الفن وارتباط الناس به بدأ في أثناء الثورة التي وقعت في أواخر القرن الثامن عشر ضد بريطانيا، وجعلت من أميركا دولة مستقلة، فقد أشعلت القوانين التجارية والضرائب الجائرة حفيظة الكثيرين من الأميركان، فلجأ بعضهم للتعبير عما يجول في أنفسهم برسم بعض الرموز والأشكال على المواصلات العامة والسيارات، وكان هذا تحديدا عام 1876 على يد فرانسيس إدغار ستانلي، الذي أعطى شرعية وشهرة لشارع الفنانين الذين خرجوا ليعبروا عن أصوات الجمهور، وجعل من ولاية فلوريدا عاصمة لفن الـ«airbrushing».

يستدرك وليد: «لكن الرسم بواسطة هذه الأداة (الأيربروش) لم يصمد كثيرا كتعبير عن الآيديولوجيات السياسية، ولكنه بدأ ينصهر في بوتقة الفنون ليتطور، فجهاز (الأيربروش) تم تعديله وتحديثه أكثر من مرة ليتحول من مجرد آلة ذات مضخة هواء لتوزيع الألوان إلى جهاز ذي بخاخة تعمل عن طريق تمرير تيار من الهواء السريع المضغوط، والذي يجب أن تكون سرعته عالية حتى يتم تفتيت الطلاء إلى قطرات صغيرة جدا، فتعطي تأثيرات أقرب إلى الطبيعية، كما أن الجهاز ألحق به منظم لتغير سرعة الهواء، وهذا يسمح للفنان بالمزج السلس للألوان وإمكانية المزج بين لونين في الرسم الواحد، حيث أصبحت البخاخة تشبه القلم مما سمح أن يستخدمها أي هاوٍ أو دارس أكاديمي».

وعن طريقة تنفيذ الرسومات يوضح وليد أنه نتيجة لهذا التطور أصبح إما حرا وإما بواسطة «الاستنسل»، وهو عبارة عن تحضير الرسم على ورق مفرغ مسبقا وطباعته على السطح المطلوب، ويلاحظ أن الفنان البارع هو من يرسم لوحات واقعية تحاكي الصور الفوتوغرافية تماما مع الأخذ في لاعتبار أن الرسم بالطلاء صعب، لذا يجب تعلم كيفية تحويل الخطأ ببساطة إلى عنصر إيجابي في اللوحة.

يقول وليد: «بدأت الرسم بواسطة (Airbrushing) منذ 9 سنوات كهواية، ولكنني التحقت بكلية الفنون الجميلة، دراسات حرة، لصقل هذه الموهبة، وكانت البداية في الرسم على الجدران وبعدها السيارات، الدرجات النارية، درجات السباق، اللانشات، موتسيكل الرمال، خوذة الرأس. ووجدت الإقبال من كل الأعمار، فهذا الاتجاه معروف جدا في أوروبا وأميركا بفن الزبون المميز أو صاحب الرأي الراغب في إيصال مشاعره إلى كل من حوله عن طريق الصورة التي يختارها سواء تعبر عن المرح بشكل فانتازي، أو رومانسية، أو تميل إلى الغموض».

وعن الفرق بين الرسم واستخدام الملصقات على السيارة وغيرها يقول إبراهيم: «الملصقات ممنوعة من قبل إدارة المرور، وهذا الحال دوليا، أما الرسم فمسموح به لأنه يضاف إلى رخصة السيارة في (خانة الوصف) ويتاح بحد أقصى استخدام 4 ألوان.

وحول أحدث صيحة لهذا النوع من الرسم يوضح وليد أنه بعد ثورة 25 يناير أصبح كل شيء في مصر مكسوّا بألوان الحب والانتماء التي يرمز لها لون العلم المصري مع بعض مشاهد ولقطات من ميدان التحرير، فحاولت تلخيص هذا في بعض الصور التي طلبها الشباب لتزين سياراتهم.

أما عن الأسعار فيقول وليد: «أقوم برسم القطعة الواحدة في السيارة في مقابل 500 جنيه، أي ما يعادل أقل من 100 دولار، وأقوم بإعطاء صاحبها شهادة ضمان لمدة ثلاث سنوات ضد تغير أو زوال أي لون».

وعن الوجهة القانونية لهذا الفن يقول العقيد خالد محمد من الإدارة العامة للمرور، إن القانون يمنع وضع أي ملصقات على السيارات الخاصة ويسمح بها لوسائل المواصلات العامة، ولكن بعد أخذ الترخيص على هذه وإثبات نوع الملصق، وعادة يكون إعلانيا. أما الرسم على السيارات الخاصة فيسمح به لكن ببعض المحاذير، على أن يقوم صاحب السيارة بإثبات الألوان المرسوم بها على السيارة بحد أقصى ثلاثة ألوان، وتعبئة نموذج فحص السيارة واختيار في خانة اللون الألوان المرسوم بها، وعلى مهندس الفحص أن يقوم بوصف الرسم وألونه في خانة اللون المخصصة في رخصة قيادة السيارة كأن يقول: «سيارة ملاكي بيضاء بها ثلاثة ألوان، أحمر وأبيض وأصفر، جانبية.. وهكذا». أما في حالة إزالة الرسومات فيجب التوجه إلى إدارة الفحص من جديد حتى يثبت الإزالة.