المغرب: في طاطا.. الأفراح سبع من الليالي الملاح

أرياف جنوب شرقي البلاد حيث المحافظة الشديدة على تقاليد الأعراس

لقطة من عرس في الأرياف المحيطة بمدينة طاطا («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن إيقاع العصر جعل كثيرا من المغاربة يتخلون عن بعض العادات والتقاليد التي تترافق مع حفلات الزفاف، ما زالت بعض المناطق المغربية تحتفظ بعادات مثيرة ومجهولة على نطاق واسع، بل وتحرص عليها وترفض تماما التخلي عنها.

في مدينة طاطا، بأرياف جنوب شرقي المغرب، يمكنك أن تحضر عرسا تقليديا يحافظ على جميع التقاليد، وخاصة في القرى والبلدات المجاورة للمدينة ذاتها. ومن ذلك حفل الزفاف الذي حضرناه في قرية إيكدي التي تبعد مائة كيلومتر عن طاطا، في قلب ما يعرف بـ«المغرب العميق».

لقد استمر حفل الزفاف في إيكدي، الواقعة في منطقة أمازيغية (بربرية)، سبعة أيام متتالية، ولكل يوم تقاليد وطقوس خاصة به.

تنظم الاحتفالات في بيت العروسة إلى أن تذهب إلى بيت عريسها. وخلال هذه الفترة يستمر الترحيب بالضيوف والرقص والغناء. وعندما يحين وقت انتقال العروسة، فإنها ترتدي اللباس التقليدي، ويصير إلى تغطيتها بالكامل بحيث لا يظهر منها أي جزء من جسمها.

وقبل خروجها من بيت والدها يقوم أحد إخوتها بمساعدتها على انتعال «الشربيل»، وهو حذاء تقليدي. وفي الغالب، قبل أن تنتعله تجد فيه هدية تضعها النسوة اللواتي أشرفن على العناية بهندامها، وعادة تكون هذه الهدية عبارة عن خاتم أو هدية أخرى رمزية. أما هؤلاء النسوة فتختارهن والدة العريس ويتولين إلباس العروسة وتزيينها وإعداد البخور والعطور، وتكون على رأسهن سيدة تحددها والدة العروس وتلقب بـ«الوزيرة».. ترافق العروسة في جميع مراحل العرس إلى ليلة الزفاف.

في أعقاب خروج العروسة من بيت والدها ترافقها النساء بالأغاني والأهازيج الأمازيغية، وغالبا ما تخرج في الفترة ما بين المغرب والعشاء. لكن قبل ذلك يحضر أخو العروسة ويمنعها من الخروج من البيت ويغلق عليها بابه، وهنا تبدأ عملية «التفاوض» مع النسوة حول ما سيقدمن له لإرضائه، وتتكفل «الوزيرة» بتلبية طلباته، ومنها جمع بعض المال من النساء ومنحه إياه، وهو الذي يحدد المبلغ أو بتقديم هدية له.

بعد ذلك يرافق الشاب شقيقته العروسة في جولة داخل سيارة، ومعهما نسوة يرددن الأغاني والأهازيج، وتنتهي مهمة الأخ عندما يحمل العروسة ويضعها عند باب زوجها رفقة «الوزيرة».

ثم في بيت العريس تبدأ الاحتفالات بالغناء والرقص. وتستقبل النسوة من أسرة العريس الضيوف بترديد أهازيج أمازيغية تعبر عن الترحيب والفرح، مع تقديم التمر والحليب ورش العطور على الضيوف والمهنئين، إضافة إلى تقديم هدايا من بعض حلي الزينة المصنعة محليا، والتي تحمل رموزا أمازيغية. ويصير إلى تقديم غطاء رأس للنسوة الضيفات لوضعه على رؤوسهن، ثم يعين العريس «وزيرا» يتولى رش العطر على الضيوف والفرق الغنائية للترحيب بهم. ويصبح معروفا لدى الجميع بأنه «وزير العريس»، ويبدأ بعدها الاحتفال مع فرقة «أحواش» الغنائية وهي فرقة فولكلورية جماعية يشارك فيها عدد كبير من الراقصين والراقصات.

في بداية الحفل يشرع أفراد فرقة «أحواش» بإلقاء الشعر، ويتغزل الشعراء بالعريس وأهله بالتناوب بينهم. وتعتبر هذه المرحلة بداية لإضفاء الحرارة على أجواء الحفل، وتنطلق زغاريد النساء، لتعقبها رقصة «أحواش». ثم تبدأ مرحلة أخرى تسمى بمرحلة «أفقوص» ويقوم فيها أفراد الفرقة بالعزف والغناء وهم جالسون على شكل دائرة يتوسطهم فتاتان وشابان من أبناء القبيلة يؤدون رقصة خاصة، وتغطي الفتيات وجوههن بالكامل لابسات «الناقشة»، وهو ثوب طويل مزركش يوضع فوق الزي التقليدي. وتسمى المرحلة التالية من السهرة «الدرست»، وتعني الرقص وقوفا. وفي هذه المرحلة تؤدي الفرقة مجموعة من الرقصات، كما يجري حوار بين الشعراء والتنافس بينهم عن طريق الشعر، وأحيانا يكون غرض الشعر التغزل بإحدى الفتيات وإعلان شاب إعجابه بفتاة حاضرة في الحفل، وأحيانا أخرى يستعمل لتصفية بعض الحسابات مع أشخاص معينين، أو يجري التطرق للمشكلات التي تعانيها المنطقة. أما المرحلة الأخيرة فتسمى «انتفرخين»، وفيها تعزف الفرقة بينما يرقص الشباب والشابات اصطفافا.

هذا في اليوم الأول، أما في اليوم الثاني من الاحتفالات، فتزور العائلة العريسين لتبارك لهما الزواج، في حين يضرب العريس الشبان الذين لم يتزوجوا بعد بحبل في إشارة منه لحثهم على الزواج، وترحب «الوزيرة» بالضيوف، ويجري تقديم الشاي والحلوى والكحل، الذي يستعمله الرجال والنساء على حد سواء.

وفي اليوم الثالث تذبح والدة العريس جديا أمام باب غرفة ابنها وهو ما يسمى «أبغور»، بمعنى هدية للعريس، ويمر اليوم الثالث كذلك في جو احتفالي يتخلله الرقص والغناء. ثم في اليوم الرابع تحضر فتيات القبيلة ونساؤها لتقديم الهدايا للعروسين ويرقصن لهما، ويجري استقبالهن بالشاي والحلوى.

ومن اليوم الخامس إلى السابع يخرج العروسان من عزلتهما، ويأخذان كل ما تقع عليه عيناهما من دون أن يعترض أحد على ذلك، ويسمى هذا التقليد «تكلما». وبعدها يسمح للعروسة بالذهاب لبيت والدها، حيث يستقبل أهلها عائلة العريس، وهنا أيضا لها الحق في أن تأخذ كذلك أي شيء أرادت من المنزل. وعند عودتها إلى منزل زوجها تدخل المطبخ لتحضير طبق الكسكسى، وتستضيف جميع نساء القبيلة لتبرهن لهن عن مهارتها في الطبخ.