ساحة علي عزت بيغوفيتش في قلب سراييفو.. أكثر من هايد بارك

تقام فيها نشاطات متعددة سياسية واقتصادية وثقافية

TT

ليست كبيرة بحجم ميدان الطرف الأغر في لندن، ولا يوجد فيها مكان مخصص للخطابة، أو ركن للنقاش الحر كما هو الحال في هايد بارك، لكنها مكان مناسب لأكثر من نشاط على مدار العام، منها: التظاهر والخطابة والتجارة ولعب الشطرنج والاستراحة والاستجمام والمسابقة.

إنها ساحة علي عزت بيغوفيتش الواقعة في منطقة الفرهادية بوسط سراييفو، عاصمة البوسنة والهرسك. وهي مفتوحة على عدد من الشوارع، ويمكن الدخول إليها من جميع الجهات، مما يجعل منها منطقة مميزة على أكثر من صعيد. فمن الشمال تقع المحلات الراقية لبيع العطور والملابس والأقمشة والمعدات الرياضية. ومن جهة الغرب، تربض بناية كلية الاقتصاد بتاريخها العريق.. وتجدد شبابها باستمرار. ومن الجنوب أمامك نادي الجيش، وهو صالون ثقافي، أكثر من أي شيء آخر، وبجواره مراكز تعليمية وتجارية. وعلى مقربة منها «قصر المسرح» في سراييفو، الذي ينافس نشاطه نشاط أكبر دور العرض في العالم، وهو الذي أنتج أوبرا حساناغيتشا، التي اكتسبت شهرة عالمية.

الساحة، التي تحمل اسم أول رئيس لدولة البوسنة والهرسك المستقلة بعد انهيار يوغوسلافيا السابقة، شبه خالية معظم أيام العام، سوى من لاعبي الشطرنج - بقطعه الكبيرة - ومعارض الفن التشكيلي، التي تمثل لوحات إبداع في عرض الطبيعة. غير أنها تشهد أيضا «المعرض السنوي للكتاب»، وتتخللها المقاهي الصيفية، ومعارض الأعشاب الطبية والعسل والكريمات المصنوعة من المواد الطبيعية. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قال الباحث في الفلسفة عبد الودود ليسيتسا إن «معرض الكتاب في ساحة علي عزت بيغوفيتش من أفضل المعارض التي تشهدها سراييفو، ليس من حيث نوعية الكتب فحسب، بل لأن الأسعار فيه ممتازة أيضا»، وتابع «لا يمر معرض علي من دون أن أقتني بعض الكتب المهمة».

من ناحية أخرى، غالبا ما يختار المتظاهرون، من أجل أي قضية، هذه الساحة للتجمهر وإلقاء الخطب في أجواء الحرية، رغم امتعاض البعض من التمثال الذي أهدته إيطاليا إلى سراييفو عام 2002 ويجسد شخصا عاريا أطلق عليه مسمى «الرجل.. المتعدد الثقافات»، وهو يماثل نظيرا له بمدينة تارانتو الإيطالية. ويعبر كثيرون من المتقاعدين وكبار السن، ممن يتخذون من الساحة مكانا للقاء ولعب الشطرنج عن سخطهم ويعتبرونه «هدية غير مرغوب فيها». وكانت بلدية سراييفو الجديدة قد وعدت، حقا، بنقل التمثال إلى مكان آخر وإنشاء نافورة ماء مكانه.

وبين أكبر المظاهرات التي شهدتها ساحة علي عزت بيغوفيتش، تلك التي شهدتها سراييفو إبان العدوان الإسرائيلي على غزة، إذ غصت بالشباب وأصبحت الساحة تتكلم باللغة العربية من خلال الشعارات التي رددها الآلاف ممن لا يتقنون العربية. يومذاك فرضت «لغة غزة» نفسها، وحسب الخبير في المعلوماتية سامرغيث «الشعارات التي رفعت في غزة، وفي الكثير من العواصم العربية، إبان العدوان حفظها كثيرون من شباب البوسنة، وبالأخص سراييفو، فهم يعلمون معنى العدوان ومعنى الحصار». أما على حواف الساحة يضع كثيرون من التجار الصغار بضائعهم الرخيصة، مستغلين الحركة النشيطة داخلها وعلى أطرافها، ومن بينها لعب الأطفال و«الشمسيات» والبطاطس المقلية والذرة المشوية والمسلوقة، والمكسرات، وغيرها. وقال عدنان برلي، وهو تاجر يبيع البطاطس المقلية والذرة «نحن نعمل على كل حال وأحيانا تضايقنا الشرطة، لكنهم وعدونا بالتدخل لدى البلدية لمنحنا تراخيص عمل».

عودة إلى لعبة الشطرنج، ابتكر شباب بوسنيون - بعد فوز بلادهم بكأس العالم للشطرنج - صناعة قطع الشطرنج من الشوكولاته، بطريقة محلية من خلال قوالب نحاسية صنعت لهذا الغرض. ولا يمهل المتفرجون الشباب اللاعبين في الساحة حتى الانتهاء من اللعب، بل يتدافعون لالتهام قطع الشطرنج التي يزيحها اللاعبون من الرقعة. وقد حاول مبتكرو الفكرة نقل تجربتهم لإحدى شركات صناعة الشوكولاته لتسويقها تجاريا. وقال صاحب الفكرة في لقاء معه «كنا نلعب الشطرنج للتخلص من الملل، وتنشيط الدماغ للوقاية من التبلد، ولكن اللعب لفترة طويلة مرهق، ومن هنا ظهرت فكرة صناعة قطع الشطرنج من الشوكولاته»، وأضاف «لا يخفى عليكم وضعنا. فنحن كشباب عندما نجلس في بيت أحدنا، أو في النوادي، أو في ساحة علي عزت بيغوفيتش، غالبا ما نكون بلا محفزات. لكن الفكرة أدخلت نوعا من المرح والحيوية سواء بالنسبة للحضور أو المتسابقين الذين يتباهون بأكل جنود وخيول وأبراج الخصم في جو من الدعابة».