السوري أكرم رزق.. جامع استثنائي للوثائق التاريخية والمقتنيات النادرة

اهتمام الناس بها جعله يتفرغ لهوايته ويدمن عليها

أكرم رزق مع بعض وثائقه النادرة («الشرق الأوسط»)
TT

«إنها متعة حقيقية وهواية جميلة تجعلك تتفاعل مع الأيام الخوالي وكأنك تعيشها حقيقة. وهي تدخلك في حيثياتها ومفردات معطياتها وأحداثها، كما لو كنت في قلب تاريخ حصولها.. إنها يا صديقي هواية متعبة لكنها شيقة؟!».

بهذه الكلمات المعبّرة بدأ أكرم رزق، الملقب بـ«أبو الياس»، حديثه عن هواية «أدمنها»، كما يقول منذ أكثر 40 سنة، وهي جمع الوثائق التاريخية والمقتنيات النادرة، باحثا عنها في كل الأمكنة والمدن التي استطاع الوصول إليها. وهو بجهده الدؤوب هذا يوازي عمل مؤسسة عامة أو خاصة تعمل في هذا المجال. رزق، المقيم في العاصمة السورية دمشق، روى لـ«الشرق الأوسط» حكايته مع هذا العمل المضني والهواية الجميل، فقال: «منذ صغري وأنا أهوى جمع الوثائق التاريخية والمقتنيات بكل أنواعها لفرط شغفي بالتاريخ. وبعد فترة زمنية طويلة نسبيا من جمعي هذه الوثائق عرضت بعضها في المعارض الأربعة التي نظمها مركز التوثيق القومي بدمشق خلال السنوات الأخيرة. كذلك أقمت معارض مع موثِّقين زملاء لي في عدد من المراكز الثقافية في مدينة دمشق وريفها، وهذا ما شجعني على الاستمرار في هذه الهواية، خاصة مع وجود جمهور متابع لما نعرضه».

وأضاف: «كثيرون من الحضور كانوا يستفسرون منا عن هذه المقتنيات والوثائق ومفاصلها ومنعطفاتها وتاريخها في دلالة على اهتمامهم بها وتقبلهم لهوايتنا هذه».

وشرح «أبو إلياس» عن أهم المقتنيات الاستراتيجية والوثائق التاريخية التي يمتلكها، قائلا: «معظم الوثائق مرتبطة بالتاريخ العربي وتاريخ المنطقة، وبشكل خاص للحقبة العثمانية. ولقد حرصت على تجميع الوثائق المهمة التي ترصد خرائط لدولة أو منطقة معينة في تواريخ سابقة. ثم لدي أيضا مجموعة من العملات النقدية النادرة والصور.. التي أعتبرها داعمة للمواضيع الرئيسة في وثائقي التاريخية».

وتابع: «كنت خلال بحثي عن هذه الوثائق وسفري للحصول عليها، أحاول جاهدا أن تكون متميزة ونادرة فعلا. ولقد صنفت أهم هذه الوثائق في ثلاثة أقسام، هي: الوثائق الوطنية التي تؤرّخ للواقع السوري من مطلع القرن العشرين المنصرم وحتى منتصفه، وهي وثائق سياسية نادرة. ثم الوثائق العربية. أما القسم الثالث فهو الطوابع والعملات والخرائط النادرة. ولدي اليوم وثائق تركية عثمانية تساعد على فهم المائة سنة الأخيرة من وجود العثمانيين الأتراك في المنطقة العربية إلى وقت سقوط السلطان عبد الحميد وتسلّم جمعية الاتحاد والترقي السلطة بقيادة أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا. أما أندر الوثائق، التي قد لا تكون موجودة لدى الجامعين الآخرين فهي تلك المتعلقة بالأسرة المصرية الألبانية التي أسسها محمد علي باشا وأحفاده من بعده، وفي حوزتي وثائق نادرة تعود لعام 1869 ولحدث افتتاح قناة السويس في عهد الخديو إسماعيل، وأيضا وثائق تحكي عن قصة إفلاس مصر آنذاك بسبب تكاليف شق القناة واضطرار الخديو يومذاك لاستدانة مبالغ مالية كبيرة لتحقيق ذلك. والوثائق التي امتلكها وتؤرّخ لتلك المرحلة عبارة عن مزيج بين وثائق ومستندات وصور نادرة يزيد عمرها عن المائة سنة.. وتظهر ملوك أوروبا وزعماء الشرق الأوسط في حفل افتتاح القناة وصور العشاء الفاخر الذي أقامه الخديو لضيوفه».

وفي رده على سؤال عن كيفية حصوله على هذه الصور والوثائق، ابتسم أبو إلياس ثم قال: «اشتريتها من أشخاص وكذلك من الأسواق في بيروت ومن مصادر متنوعة. والشيء نفسه ينطبق على مجموعاتي الـ12 من الطوابع. وهي كبيرة الحجم ومتنوعة.. منها طوابع عثمانية وأجنبية وسورية لا يوجد لها مثيل، وهي ثمينة جدا من خلال تقييمها في مزادات لندن وباريس. ومنها مثلا: أربع مجموعات لجميع زعماء العالم على امتداد قرن كامل.. كل الذين حكموا بلدان العالم في هذا القرن. ولدي أيضا عملات نادرة ورقية ومعدنية، ولكني مع الأسف كنت أمتلك عملات نادرة جدا قبل ربع قرن اضطررت لبيعها كي أشتري منزلا في دمشق قبل عشرين سنة».

ولخّص «أبو إلياس» مزايا ما يمتلكه من مقتنيات، قائلا: «لقد راعيت في مقتنياتي التي تعد بالمئات النواحي الجمالية والترويح عن النفس مع الاهتمام بالناحية التاريخية. ولذلك سترى من بين مقتنياتي أعمالا فنية تاريخية متنوعة الأحجام، تتضمن العشرات من الناس، وتدلّ على حدث هام حيث يرسمون فصلا جديدا في التاريخ. ومن أبرز هذه الأعمال المعارك العربية الكبرى بعضها مرسوم والآخر منقول من رسوم في متحف الحضارة في باريس ومن مصادر متنوعة وتعتبر من الأعمال القليلة الوجود في العصر الحالي».

واختتم أكرم رزق رحلته السردية بالقول: «هذه الهواية الغريبة نوعا ما والجديدة كممارسة بين أشخاص في المجتمع السوري لاقت التشجيع وتكريم الممارسين لها من قبل جهات ثقافية ورسمية... فحصلت على شهادات ولوحات تذكارية تكريمية، كما حصلت على شهادة استحقاق تؤكد أن ما أمتلكه من وثائق نادر ولم يعد يوجد ما يماثله حاليا. أما عن مصير مجموعتي، فأنا ليس لدي أولاد إذ كنت متزوجا امرأة مجريّة ولم تنجب لي أطفالا. وبناء عليه، وبما أنني أعتبر هذه الوثائق تتصف بمزايا تنويرية غالية جدا فقد قررت أن اهديها في نهاية العمر لمراكز التوثيق العامة.. لكنني حاليا أستمتع بها وبجمالياتها وتفاصيلها التاريخية». من ثم تمنى أن «يؤسَّس في المستقبل القريب ناديا يضم هواة التوثيق وجمع الوثائق والمقتنيات كما هو الحال مع نادي هواة جمع الطوابع»، وقال إنه يطمح «لنشوء تواصل وتعاون بين هواة التوثيق في سورية وباقي دول العالم، ولإقامة معارض متبادلة وبرعاية ودعم حكوميين لإخراجها بالشكل اللائق بحيث تسعد الهواة والمشاهدين».