لبنانيان يقيمان مغسلا للسيارات تحت الأرض.. وفوقه مطعم

هدفه كسب الوقت الضائع الذي يستغرقه تنظيفها.. وتكلفته 3 ملايين دولار

الكاميرات داخل المطعم لرؤية عمليات الغسل مباشرة
TT

لا داعي للانتظار الممل، بات في إمكانك متابعة غسل سيارتك، عبر شاشات التلفزة، وأنت تتناول الطعام أو فنجانا من القهوة على أنغام الموسيقى الهادئة.

فكرة جديدة وجريئة، جسدها المغتربان نقولا رياشي وميشال أبو جودة، بإنشائهما مغسلا للسيارات ومطعما وشرفة في بلدتهما الجديدة شرق بيروت، في مشروع يضمن انتظار الزبون في أجواء مريحة ولائقة.

المصعد الخاص، أبرز مؤشرات دلع السيارات، تراه متأهبا دائما، صعودا ونزولا بها إلى تحت الأرض، حيث يستقبلها المغسل الأوتوماتيكي، في حين أن أصناف الطعام الإيطالي، والأميركي، والمكسيكي، واللبناني والأطباق الغربية المعدلة، في انتظار الزائر.

زبائن من مختلف الفئات العمرية، لا سيما الشباب الجامعيين، يقصدون المطعم - المغسل، وهم يحملون الكتب والكومبيوتر، بهدف التسلية على الإنترنت لمدة 15 دقيقة على أقل تقدير، فترة غالبا ما تمتد ساعة أو ساعتين عند قسم منهم، وعند معظم رجالات الأعمال، الذين يفضلون تسيير شؤون شركاتهم في أجواء هادئة، فضلا عن اجتماعات العمل الأسبوعية الخاصة بهم.

«مغسلنا يتمتع بكل المواصفات التكنولوجية العالمية، وبالسرعة في الغسل، استطعنا إقناع الزبون أخيرا بصوابية المغسل الأوتوماتيكي، ومعظم زبائن المطعم هم زبائن المغسل»؛ يقول نقولا رياشي، كاشفا عن قدرة مغسله التقنية والبشرية، على غسل 60 سيارة خلال 60 دقيقة إن احتاج الأمر.

ويضيف المتخصص في تصميم معامل السيارات: «لا انتظار بعد اليوم، نحن حريصون على عدم إضاعة وقت الزبون، تحضير الطعام يتم تحت إشراف كبار الطباخين اللبنانيين، أما الأطفال فخصصنا لهم برنامجا مجانيا كل أحد، في الطابق الثاني، يلعبون ويرسمون ويغنون بعيدا عن أجواء المطعم».

من مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما الحمرا، والشمال، والمناطق المحيطة، يقصد الزبائن «المشروع المغامرة» بحسب رياشي، أما السياح الخليجيون، فإن بعضهم يرتاده، بعد إطلاعه على المنشورات الخاصة به، في مطار رفيق الحريري الدولي.

بتكلفة بلغت 3 ملايين دولار، انطلق المشروع منذ سنة ونصف، بعد أن عانى رياشي في أحد المغاسل انتظار انتهاء غسل سيارته، ليلجأ إلى غسل سيارته مرة واحدة شهريا، تجنبا للوقت ضائع، بعدها ناقش الفكرة مع صديق عمره أبو جودة، فراقت للاثنين معا.

وعلى الرغم من النجاح الذي يلاقيه هذا المشروع الثنائي في خدماته (مطعم فوق المغسل)، والديكور المميز بألوانه، ولوحاته، وتصاميمه، وسهراته الأسبوعية، والاحتفال بالأعياد، والمناسبات الاجتماعية، فإن أبو جودة بدوره يبدي أسفه حيال الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في لبنان خصوصا، والعالم العربي عموما: «هذا الوضع لا يسمح لنا راهنا بالمباشرة في تنفيذ وتعميم الفكرة على باقي الناطق اللبنانية، رغم أننا ندرس هذه الخطوة».

أكثر من 50 عاملا، يتوزعون في كل أقسام المشروع الممتد على مسافة 750 مترا، تتوزع بين المغسل والمطعم والشرفة، ليتسلم الزبون سيارته من المصعد دون عناء؛ غسل تستعيد السيارة فيه رونقها ولمعانها من الداخل والخارج، في وقت يكون فيه صاحبها أمام قائمة متنوعة من أصناف الطعام والشراب، ذات الجودة العالية، في أجواء تدعوك إلى الراحة والترفيه.

ويصف أبو جودة الإقبال بالجيد، والخدمة بالسريعة، والطعام باللذيذ، مستندا إلى شعار: «التجربة خير من ألف كلمة» في جذب الزبائن.

واللافت، أن معظم العاملين في المغسل، هم من غير اللبنانيين، في حين أن العاملين في المطعم هم لبنانيون، ومن ذوي الاختصاص، يعملون في دوامات صباحية ومسائية تمتد حتى الثانية فجرا أحيانا، مشكلين فريقا متجانسا في ما بينهم، من أجل تقديم أفضل الخدمات.

«الفكرة رائعة. أصبح بإمكاني ضرب عصفورين بحجر واحد؛ أغسل سيارتي، وأتناول وجبة الغداء بعيدا عن ضوضاء المدينة، أعود بعدها إلى مكتبي لأتابع عملي القريب من هنا، وأحيانا أصطحب عائلتي للاستمتاع بسهرات الـ(karaoke) الأسبوعية»؛ هكذا يرى ألبير قزح، الذي بات زبونا دائما في المغسل والمطعم.

الإعجاب نفسه، تجده عند إليسا عساف (طالبة جامعية) المولعة بالنرجيلة، التي تهتم بنوعية الغسل، ونظافة سيارتها: «أنا لا أجد الأمان والراحة إلا في هذا المشروع الفريد في المنطقة ولبنان ككل، مواصفات تفتقر إليها باقي المغاسل، الأسعار معقولة، الطعام لذيذ، والموسيقى كلاسيكية وهادئة، أقصده ثلاث مرات أسبوعيا، نحن سعداء لأننا نلتقي بأهل الفن والرياضة مثل مايك فغالي بطل رالي السيارات».

من جانبه، يؤكد أسامة حداد (مصمم الأزياء اللبناني) أحد رواد المشروع والمعروف بذوقه الرفيع، حرصه على سلامة بويا سيارته الغالية الثمن، وعلى نظافتها الدائمة: «الموقع يحيط به العديد من الدوائر الحكومية، والمصارف، والبنوك، ومكاتب الشركات المحلية والعالمية، تعجبني أصناف الطعام المعدلة خاصة الـ(تشيكن جنجر) والـ(FILET AU FISH) أتناولها وأنا أتأمل الديكور المصنوع من الحديد المعتق، الخدمة ممتازة، والإنترنت سريع، صفة قلما تجدها في لبنان، المعروف بأنه البلد الأضعف في خدمات الإنترنت في الشرق الأوسط»، يشير وهو ينفث دخان النرجيلة عاليا.

هذا الاختلاط البشري للزوار من الأعمار كافة، يمكنك ملاحظته في مشهد حيوي دائم، يتصاعد أكثر فأكثر عندما تختزل مسافة هذا الخليط، ويتحول المطعم والمغسل والشرفة إلى ما يشبه الكتلة الواحدة المنمقة بشكل هندسي لافت، كدليل على حرص صاحبي المشروع على استغلال كل شبر فيه.

وتشكل الفتيات نسبة كبيرة من الزبائن، بعد أن كانت الفتاة، تجد نفسها مضطرة للدخول في انتظار صعب وغير مرغوب فيه، على الرصيف أثناء غسل سيارتها، نظرا لعدم وجود مكان للراحة أو الجلوس، وتحت أعين المارة.

واليوم، فإنه أصبح بمثابة نقطة تحول جذبت أيضا فريق برنامج «بسمات وطن» الفكاهي، وملوك الجمال، إضافة إلى العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية