تونس: رواج سريع لمنتجات تحمل ذكريات الثورة

الترويج لدعوات حب بين التونسيين وكذلك لحب الجيش

TT

لا يمكن أن تكون الثورة دماء وشهداء ورصاص وغيرها من أسباب البلاء التي ترافق الإنسان خلال فترات التحوّل من حال إلى حال، حاضرة لوحدها كشاهد عما حصل.

وحقا فإن المشهد في تونس يربط اليوم بين الثورة و«منتجات» الثورة، بشكل جعل التونسيين يتذكّرون الوطن وتفاصيل الأيام الحالكة التي مرّت عليهم. ومن هذه المنتجات ولاعات تحمل صورة الشهيد محمد البوعزيزي ملهم الثورة التونسية، وقمصان كتب عليها بجل لغات العالم تعابير عن حب تونس والاطمئنان للتطورات السياسية الحاصلة لديها، وموسيقى أغاني الثورة بعد رجوع مجموعة كبيرة من الفرق الموسيقية الملتزمة التي غمرها النظام السابق وقطع أنفاسها، وكتب سياسية كانت ممنوعة من الدخول إلى البلاد. كل ذلك خلق حركية مختلفة في الشوارع التونسية.

المنتجات الجديدة تجاوزت ظاهرة تسويق علامات وصور الزريبة التقليدية ومشاهد «الخمسة» الواقية من الحسد، لتجلب لها حرفاء جددا عايشوا الثورة وعاشوا كامل تفاصيلها، فلا أحد بإمكانه مقاومة حب الوطن وعلاماته المميزة من بينها علم تونس المطبوع على عديد المنتجات، وإشارات واضحة إلى ضرورة حبها والدفاع عنها.

عن هذه التحولات في المنتجات والأذواق، قال رشيد السحباني، وهو موظف، إنه لا يعلم على وجه الدقة ما جلبه إلى عديد المنتجات الصغيرة «التي زحفت على الأسواق خلال المدة الأخيرة واستطاعت أن تغير موازين علاقة التونسيين ببعض المنتجات التقليدية». وأشار السحباني كذلك إلى «غياب مصدر تلك المنتجات في معظم الحالات»، ولذا يتساءل بينه وبين نفسه: «ربما تكون الصين قد دخلت على الخط وأنتجت للتونسيين ولاعات تحمل صورة الشهيد محمد البوعزيزي، وقمصانا تحمل عبارات (أحبك تونس) بلغة إنجليزية يسهل فهمها وتسويقها في مختلف أسواق العالم».

الأقراص الليزرية التي تتضمن «أغاني الثورة» حملت بدورها وعلى واجهاتها الخارجية صورا للشهيد محمد البوعزيزي وهو يفتح يديه مستعدا للتصفيق، وتبدو على وجهه ابتسامة رضا ربما كانت شعورا منه قبل الأوان بانتصار الثورة في تونس. بل إن بعض الباعة التونسيين صرحوا بأنهم يبيعون مئات الأقراص الليزرية لأغاني وموسيقى الثورة يوميا وعلى مدى أسابيع متتالية، مما جعل تلك الأغاني تتقدم في المبيعات على شتى ألوان الموسيقى التي كانت سائدة في السابق.

وترافق صورة العلم التونسي الكثير من المنتجات في إشارة من الباعة وأصحاب المؤسسات التجارية بأنهم «مع الثورة»، فهي قد أيقظت لدى الكثير من شباب اليوم الإحساس بالانتماء إلى الوطن. كما رافقت الثورة عديد العناوين الأدبية والتوثيقية عن الفترة التي مثّلت أوج تضييق الخناق على النظام وهي تلقى اليوم رواجا كبيرا عند عرضها على واجهات المكتبات الكبيرة المتخصصة في تسويق الكتب ذات الطابع السياسي.

عن هذه الحركية التجارية الملحوظة يقول النوري بن رحومة، وهو تاجر، «إن الوضع الحالي مختلف تماما عما كنا نعيشه خلال الأيام الأخيرة من حياة النظام السابق، كما أن إقبال التونسيين على كل ما يذكّرهم بأيام الثورة كبير ومتزايد. الناس تريد مواصلة الحلم بالنجاح في القضاء على أحد الكوابيس التي رافقتهم لعقود من الزمن. العلم التونسي وحب تونس وتذكر أبطال الثورة من بين أهم البضائع التي يسجل عليها الإقبال وبكثافة». وأكد نفاد كل المخزون الحامل لصورة محمد البوعزيزي في وقت قياسي.

وحول ظاهرة هذه المنتجات والعودة التونسية إلى ما يذكّر بأيام الثورة، ترى منيرة الرزقي، المختصة في علم الاجتماع أن «الشعوب التي قامت بثورات اجتماعية أطاحت بأنظمة الحكم القائمة، غالبا ما تأخذ استراحة المحارب لتكتشف في مرحلة لاحقة أهمية الخطوة التاريخية التي حققتها. وسرعان ما ينمو لديها حنين جارف إلى كل ما يربطها بتلك الفترة من كتب وذكريات مختلفة، وقد يصل الولع بالبعض حد الاحتفاظ بالقوارير الفارغة للقنابل المسيلة للدموع التي استعملتها قوات البوليس أثناء الثورة». ولم تنف الرزقي تخفي جوانب تجارية وراء هذا الموضوع، ولكنها أردفت: «لا باس، إذا كان ذلك له غاية سامية أساسها المحافظة على الوطن والدعوة لسلامة التونسيين».

في أي حال، ويبدو أن الأمر تجاوز أمر تلك المنتجات الحافظة لذاكرة الثورة، إلى دعوة إلى حب التونسيين بعضهم البعض في محاولة لتجاوز مخلّفات الماضي. كما أن دعوات الحب قد تزايدت حتى وصلت إلى حد الدعوة إلى حب الجيش عبر لوحات إشهارية (إعلانية) ضخمة. ولا أحد يعرف مصدر تلك الإعلانات التي تملا شوارع العاصمة التونسية، ولكن ما دامت تصب في باب حب التونسيين وتعايشهم مع بعضهم البعض، فإن الأمر قد يكون يسيرا.