حديقة «أرانب الفصح» في بيروت تعيد ضجيج الحياة إلى عاصمة الفرح

ترافقها أنشطة موسيقية وفنية للأطفال بمناسبة الأعياد

حديقة «أرانب الفصح».. مكان غارق في الفرح تستريح فيه أجساد الأطفال («الشرق الأوسط»)
TT

لم تكن الأرانب في بيروت خارجة عن قصة عيد الفصح المجيد ولا عن أجوائه وفرحه. فهي تحكي للأطفال قصصا وتروي لهم أحداثا من سحر وخيال ألفوه في يومياتهم البريئة. هذه المرة لم تسجن بيروت أطفالها في البيوت، كما حدث في أيام خرج فيها أصحاب «القمصان السود» إلى شوارعها وأغلقوا الطرقات وأخافوا الناس. هكذا أرادت أن تسليهم على طريقتها، وتعطيهم مساحة ليفرغوا فيها طاقاتهم ويلهون بين جنبات خصصتها لهم. لهم فقط واستثنت الكبار. ولدلالة العفوية التي يختزنونها، أرادت بيروت أن تقدم لهم مكانا يمرحون فيه ويرسمون ويرقصون ويغنون بلا أي ضوابط أو خوف. هكذا خلقت لهم فسحة «مجانية» للاحتفال بالعيد، وقدمت لهم هدايا ساهمت فيها محال وشركات تجارية في أسواق الوسط التجاري أدخلت إلى قلوبهم بهجة، كانت الضيقة الاقتصادية التي يعيشها أهاليهم قد محت بعضها.

ففي مكان أشبه بساحة تكون دوما مليئة بالضجيج، تحولت الأرانب الضخمة والمتحركة والمثبتة في زوايا مختلفة من حديقة سماها أهالي بيروت بـ«حديقة أرانب الفصح» تيمنا بعيد الفصح المجيد لدى الطائفة المسيحية، إلى أصدقاء أليفين لأطفال أدمنوا زيارة الوسط التجاري لوجود حركة غير اعتيادية في زواياه تلحظ اهتمامهم وطفولتهم. تركوا التسوق وهربوا إلى الحديقة الصغيرة ليمتزجوا بينها ويصبحوا أبطالها. فليس للأرانب دور هنا سوى تسليتهم. أما هم فقد نصبوا أنفسهم ملوكا في مساحة ضيقة.

ففي مكان غارق بالفرح تستريح أجساد الأطفال من تعب التسوق والتجوال بين المحال التي لا تستكين حركة الشراء والبيع فيها. هناك حيث يحلو لهم أن يستمتعوا باللعب قرب الحديقة وحولها التي أقامتها شركة «سوليدير» احتفالا بالعيد المجيد، الذي تكون أيامه للتسلية بعيدا من الدرس وجو التعليم. في تلك الحديقة يجد هؤلاء مرتعهم بين أبنية وأسواق مفتوحة ليل نهار للمتسوقين والمتفرجين والمارة من لبنانيين وسياح عرب وأجانب.

الأضواء تبهرهم وحركة المارة والشارين وعدسات الكاميرات التي لا تنتهي من التقاط مشاهد تضج بالحياة رغم التشنج السياسي الذي تشهده بيروت بعد تأخر ولادة الحكومة العتيدة. فرغم هذا التأخير ومع وجود حكومة تصريف للأعمال، يبدو أن الأهالي ومعهم مجتمع المال والأعمال في العاصمة المركزية غير آبهين لهذا الفراغ الحكومي ومشغولون بضخ الحيوية في أسواق بيروت الضخمة، عبر حملات سياحية وإعلانية ليس آخرها إقامة هذه الحديقة الملونة بألوان ربيعية وأزهار وشجر نبتت أغصانها وسط ضجيج طفولي يعيد البسمة إلى وسط بيروت. ويحقق زيادة ولو خجولة في نسبة السياحة التي تراجعت بعد خطف الاستونيين السبعة وأحداث التمرد في السجن المركزي وبعض الحوادث الأمنية التي أقلقت السياح. لكن رغم ذلك بقيت بيروت وجهة سياحية نشطة لما للمجتمع الأهلي فيها من دور في بث الطمأنينة بزوار البلد.

وحدها تلك الحديقة تكون مكانا للهوهم وعبثهم وضحكهم الذي يعيد إلى «ساحة العجمي» ومحيطها بهجة خاصة. هناك يتوزع 20 أرنبا إلكترونيا يتحركون وتتوسطهم شجرة ناطقة تروي قصصا ممتعة من عالم الأطفال وأفلامهم الكرتونية المفضلة من عالم «ديزني» و«باكس باني» وغيرهما، ومستوحاة من حداثة ينشغلون بها في يومياتهم حيث يخطون في عوالمها الافتراضية إلى ما يزيدهم شغفا.

فادي طفل في التاسعة من عمره أحب أن يرقص بين الأرانب المتنقلة بهدوء في جنبات الحديقة. يتجمع حوله أطفال يجايلونه. يبدأون بالرقص جماعيا بلا أي وجل وكأنهم في بيوتهم. وجدوا أن الحديقة متاحة لحريتهم وصراخهم الذي لا ينتهي. يقول فادي: «كتير تسليت بين الأرانب. كنت أشعر أنني أطير». كلام فادي ليس خيالا، بل هو حقيقة يحاول هؤلاء أن يترجموها بين زوايا شجر وزهور موزعة بطريقة مميزة في الحديقة. تعرف فادي إلى مجموعة من الأطفال من مناطق لبنانية لم يكن يتصور أنه سيلتقي بهم يوما.

أما رامي (10 سنوات) الذي بقي خجولا لبعض الوقت قبل أن يضحك لقصة روتها الشجرة له فقال: «حبيت اللعب هون. في جو كتير مهضوم». فيما انشغلت صديقته ميرا (8 سنوات) باللهو قرب أرنب متحرك وهي فرحة بألوانه وصوته والأغاني التي يبثها من ذنبه، وهذا ما كان يضحك الأطفال كثيرا.

الحديقة لا تزال تحتضن نشاطات ترفيهية وموسيقية مختلفة منذ أسبوعين وستمتد إلى أول شهر مايو (أيار). فأقيمت حفلات موسيقية للأطفال عزفتها فرق عالمية ومحلية وعربية في أجواء احتفالية غلب عليها طابع الطفولة والتسلية. فيما خصصت بعض الجمعيات أنشطة متعلقة بالرقص والرسم فتوزعت فتيات ورحن يرسمن على وجوه الأطفال شخصيات كرتونية يحبونها وخطوطا ملونة تزيدهم شغفا. ماري طنب والدة أحد الأطفال قالت: «فرحت جدا أن في أسواق بيروت أقيمت هذه الحديقة صار يتسنى لنا أن نترك أولادنا يلهون بفرح ونذهب للتسوق». أما عبير عيتاني فقالت: «وأخيرا صار للأطفال مكان يتسلون به لو كان مؤقتا لكن على الأقل أتاح لهم أن يفرحوا فرحة العيد ويشعروا بالاندماج ويتشاركون مع أبناء جيلهم وحدة لا مثيل لها. فهذا العيد يتحول إلى مساحة مشتركة للتسلية والفرح».

روميو خليفة، أحد تجار أسواق بيروت قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الجو ممتع إذ تحولت الأسواق إلى مكان مفتوح لضجيج الأطفال وعفويتهم. ولقد أضافت هذه الحديقة جمالا وسحرا إلى الأسواق وحركتها. حقا إن بيروت مميزة وأطفالها يستحقون الأفضل والأجمل».