إسطنبول باتت مصدر رزق ووجهة تجارة للنساء في لبنان

يقصدنها للتجارة في الألبسة الجاهزة ورؤية مهند.. ولو مصادفة

ملابس تركية بانتظار تجار لبنان
TT

مهنة جديدة تجتاح المجتمع النسائي اللبناني هذه الأيام هي التجارة في الملابس الجاهزة المستوردة من تركيا.. وإذا ما التقيت بصديقة قديمة أو بقريبة عزيزة أو بزميلة عمل قد تفاجأ بأنهن يعملن في المهنة ذاتها، وكأنهن في شركة تجارية واحدة اسمها «إسطنبول مصدر رزقنا».

لقد أصبحت إسطنبول، العاصمة الاقتصادية لتركيا، خلال السنتين الماضيتين وجهة سفر اللبنانيات المفضلة - وربما الوحيدة - لكسب الرزق ومقاومة البطالة الزائدة في لبنان – اليوم. فبعدما صارت فرص العمل ضئيلة، لأصحاب الشهادات العالية، ما عاد أمام النساء في لبنان سوى الاتجار في الملابس الجاهزة المصنعة في تركيا كوسيلة لتخطي هذه المرحلة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تكلفة شراء هذه البضاعة يمكن أن تتحملها ميزانيتهن المرتكزة على الدولار الأميركي، فتفي بالهدف مقابل أي بضاعة أجنبية أوروبية أخرى تتطلب التعامل باليورو، وهي العملة الصعبة جدا بالنسبة إلى المتعامل بها في لبنان.. أي الليرة اللبنانية، وحقا، تجد اللبنانيات سهولة في استعمال الليرة التركية وحساباتها، لا سيما أن تصريفها إلى الدولار مشابه لعملة بلادهن، فالدولار يوازي تقريبا 150 مليون ليرة تركية. فهناك يعدون مالهم بالمليون وليس بالألف - كما الحال في لبنان - إنما القيمة الشرائية هي نفسها لأن الدولار في لبنان يساوي أيضا 150 مليون ليرة لبنانية.

المهندسة ريتا سركيس، التي تحولت إلى العمل في هذا المجال منذ فترة بسبب تراجع عملها كمهندسة، قالت إنها اضطرت للجوء إلى تجارة الملابس الجاهزة النسائية، وكذلك فتح محل لهذه الغاية، بعدما وجدت فيها «مصدر رزق معقولا» بإمكانه أن يعيلها ويساهم في تسديد مصاريفها اليومية مع عائلتها. ورأت ريتا أن «الاتفاق الذي وقع أخيرا بين لبنان وتركيا، والذي أسفر عن السماح للبنانيين بدخول تركيا من دون تأشيرة، ساهم في انتشار هذه الظاهرة وتسهيل العمل التجاري فيها، وبخاصة أن أسواق إسطنبول بالجملة تتكل اتكالا مباشرا على التجار اللبنانيين». وكان ثمة انفتاح تجاري قد ولد بين البلدين بحيث صارت البضاعة التركية تغزو أسواق لبنان في مجال المنتوجات الاستهلاكية، ولا سيما مشتقات الحليب والحلويات المصنعة والمعلبات وغيرها.

أما نايلة سماحة، فقد اختارت هذه التجارة بالمصادفة، كما قالت لـ«الشرق الأوسط»، وذلك عندما رافقت صديقة لها قصدت إسطنبول لشراء الملابس النسائية والإكسسوارات الأخرى لمحل تملكه في منطقة الحازمية. ولأن ميزانيتها لا تسمح لها باستئجار محل لبيع البضاعة التي تحملها معها من هناك، حولت نايلة إحدى غرف منزلها إلى مكان للبيع، خصوصا أن الكميات التي تستوردها من الملابس ليست كبيرة. وبالتالي، فهي تبيعها بسرعة قبل أن تتململ بناتها الثلاث من «عجقة» النسوة اللاتي يقصدنها بهدف الشراء، مع العلم أن أسعارها عموما أقل من أسعار غيرها لأنها لا تتكلف عناء مصاريف الإيجار والموظفات بل كل ما تتكبده تكلفة الشحن. وأردفت نايلة معلقة «لا شك أنها تجارة مربحة.. وهي على الأقل ليست مخسرة، لأننا في أسوأ الأحوال نحقق تعادلا بين الربح والخسارة وهذا الأمر تتحمله جيوبنا».

أما ماريز دفوني فتتباهى بالزبائن الذين يقصدونها من جميع المناطق اللبنانية «وغالبيتهن متزوجات، وعادة ما يوصين مسبقا على الأغراض التي يرغبن فيها من تركيا». مضيفة «أصبحت أعرف مقاسات غالبية زبوناتي، وأحيانا عندما أكون في السوق لاختيار البضاعة التي تلزمني يتراءى أمامي وجه هذه الزبونة أو تلك.. وأشتري ما يناسب خط الأزياء الذي ترتديه».

الأسواق التي تقصدها اللبنانيات، تقع شمال إسطنبول، ولا تبعد عنها أكثر من ساعة في السيارة، وأبرزها «لالالي» «وميرتر» و«عثمان بيه» و«سيمكا»، وفي هذه الأسواق كل ما يخطر على البال من جلديات وأحذية وإكسسوارات وملابس نسائية وغيرها. وبسبب الأحداث السياسية والاحتجاجات الميدانية التي تعيشها بعض الدول العربية في الفترة الأخيرة، ظل التجار اللبنانيون وحدهم تقريبا مواظبين على السفر إلى تركيا لمزاولة تجارتهم، الأمر الذي جعل شركات الشحن هناك تقدم لهم عروضا مغرية.. تسهل إيصال البضاعة التركية إلى مستورديها من التجار اللبنانيين في وقتها المحدد. ولقد تراجع سعر الشحن للكيلوغرام الواحد من 6 دولارات إلى 4.5 دولار عن طريق الجو و3.5 دولار عن طريق البر.

أيضا، بلغ التنافس أشده بين أصحاب شركات الشحن بحيث صاروا يرسلون موظفيهم إلى أرض المطار لاستقبال زبائنهم أو لاجتذاب الجدد منهم من خلال تقديم التسهيلات الضرورية لهم. ثم إنهم وضعوا في تصرفهم أشخاصا يجيدون الترجمة من التركية إلى العربية، وبالعكس، للتفاهم بسرعة معهم على الأسعار والعروض المقدمة لاستقطاب أكبر عدد ممكن منهم.

من ناحية أخرى، قالت مريم الرفاعي، وهي صاحبة محل لبيع الألبسة والإكسسوارات التركية: «إن المسلسلات التركية المدبلجة إلى العربية ساهمت، من دون شك، في جذب التجار إلى إسطنبول، وبالأخص النساء منهم. فهؤلاء صاروا يمارسون السياحة إلى جانب عملهم، ويقصدون الأماكن حيث يوجد أبطال هذه المسلسلات وفي مقدمهم Kivanc Tatlitug المعروف بـ(مهند) في مسلسلي (نور) و(العشق الممنوع) وSongol Oudan المعروفة بـ(نور) وشاركته البطولة، إضافة إلى (يحيى) و(إدريس) اللذين تابعهما اللبنانيون في مسلسلي (سنوات الضياع) و(الوعد)..». وأضافت مريم «..ثم إن اللافتات الإعلانية المنتشرة على طول الطرقات الموصلة إلى المطار ومنه تذكر المرء بهم حتى لو نسيهم لبرهة في خضم ضغوط العمل». وأردفت أن عددا من زميلاتها في المهنة أصبحن يتكلمن بعض الكلمات التركية، وخاصة تلك المشابهة للكلمات اللبنانية الموروثة من العهد العثماني، قبل عهد الانتداب الفرنسي. وحتى الفنادق في إسطنبول خصصت أسعارا مخفضة للتجار اللبنانيين لكي تتلاءم مع ميزانيتهم المحدودة من جهة، ولتشجيعهم على القيام برحلة ثانية إلى إسطنبول والإقامة فيها من جهة أخرى.