عربات الأطعمة المصرية.. نكهة قاهرية بامتياز

رافقت الثوار في ميدان التحرير ويرتادها زبائن من كل الطبقات

عربة الفشار.. رافقت الثوار في ميدان التحرير وازدانت بشعارات الثورة
TT

يطلق المصريون على كل مركبة لها 4 إطارات لفظة «عربية»، ولا تستثنى المركبات الصغيرة التي تباع عليها الأطعمة من هذا اللقب، لكن هذه النوعية من العربات تتميز بها القاهرة أكثر من أي محافظة مصرية أخرى، وذلك لسرعة إيقاع الحياة في هذه المدينة التي تعتبر المحافظة الأكبر أو «الأم»، فضلا عن أنها عاصمة البلاد. وعلى العكس من ذلك لا يزال الريف المصري يقدس تناول الطعام في البيوت، ونادرا ما نجد هذه النوعية من العربات في المحافظات ذات الطابع الريفي، حيث إن أغلب أهلها ما زالوا يرون أن تناول الطعام منها يعتبر عيبا، وخروجا على الأعراف والتقاليد الاجتماعية.

تباع على هذه العربات كل أنواع الطعام تقريبا، بل أنواع المسليات أيضا، ولعل أشهر هذه الأطعمة هي الفول المدمس الذي يستقبل به معظم المصريين يومهم، وفيما مضى كانت عربات الفول هذه تنهي خدماتها في الصباح، أما الآن فمن الطبيعي أن تجدها متاحة طوال اليوم وساعات من الليل أيضا.

وحول نوعية الزبائن يقول محمد جمعة صاحب «عربية فول»: «إن زبائني من كل الطبقات، فتجد الموظف، والعامل، والطالب، فالطعام الشعبي لا يفرق بين إنسان وآخر، فهناك من يرتدي من زبائني الجلباب، وهناك من يرتدي البدلة، لكن الجميع يستمتع بطبق الفول، وبجانبه الباذنجان المخلل، والبصل والجرجير الأخضر الطازج».

يضيف جمعة: «لقد تعودت على زبائني وأفرح بهم، وأحرص على راحتهم، وأن يكون كل شيء نظيفا، يفتح النفس».

وعلى الرغم من أن وجبة الإفطار الشعبية في مصر تقترن فيها الطعمية (الفلافل) بالفول المدمس، فإن هذه النوعية من «العربات» لا تقدم سوى الفول فقط، سواء في أطباق معدنية صغيرة أو في ساندويتشات، ونادرا ما توجد بها الطعمية، لكونها تحتاج إلى معدات وتجهيزات خاصة.

وليس الفول وحده صاحب الشهرة على عربات الطعام في القاهرة، بل تنافسه ساندويتشات الكبدة والسجق التي تنتشر في جميع الأحياء القاهرية تقريبا، ويتذكر سمير السيد، موظف بهيئة حكومية، أنه حتى أواسط التسعينات من القرن الماضي كانت هذه العربات تقدم الكبدة والمخ لا السجق، وكان من المعتاد أن ندخل السينما ونحن نحمل هذه النوعية من الساندويتشات، قبل أن يتم منع دخول الأطعمة، وكانت هذه النوعية من المأكولات ذات شعبية كبيرة في ذلك الزمان.

على استحياء، وفي بعض الأحياء يزاحم «طبق الكشري»، وهو طبق شعبي بامتياز، طبق الفول، ويقدم الكشري من خلال عربة خصصت له أيضا، هذا على الرغم من انتشار المحلات سواء الكبرى الشهيرة أو تلك التي تنتشر في المناطق الشعبية التي تقدم هذه النوعية من الطعام حيث تعد وجبة متكاملة في عناصرها الغذائية التي تحتوي على الأرز والمكرونة والعدس والبصل والحمص، ويتساوى في تناولها أيضا الغني والفقير، لما تتميز به من مذاق فريد، خاصة عندما يضاف إليها قليل من الشطة، وخليط من الخل والثوم الذي يطلق عليه اسم «الدقة»، خاصة أن أغلب المصريين يميلون إلى تناول الأطعمة الحريفة.

يذكر أن العديد من أصحاب محلات الكشري الكبيرة في القاهرة بدأوا حياتهم بعربة يتم دفعها باليد، ويتجول صاحبها بها في العديد من الأحياء وينطبق الأمر ذاته على بعض أصحاب محلات الفول الشهيرة أيضا.

ولا يقتصر أمر هذه العربات على الأطعمة وحدها، وإنما امتد أيضا إلى المسليات الشعبية الشهيرة، فهناك «عربية اللب والفول السوداني» ذات المدخنة الشهيرة التي يتصاعد منها الدخان حاملا رائحة اللب والفول السوداني، حتى تحتفظ المسليات بدفئها وكأنها في عملية «تحميص» باستمرار، وتعد هذه النوعية من أخف عربات المسليات وأصغرها حجما، ونجدها منتشرة في جميع الأحياء الشعبية والراقية.

ومن المعروف عن المصريين ميلهم إلى تناول هذه النوعية من المسليات، خاصة أثناء التنزه أو مشاهدة الأفلام في البيوت أو في دور السينما.

وفي الشتاء تنتشر في القاهرة عربة «البطاطا» التي تقدم طعاما يجمع بين متعة التغذية والتسلية معا، ويعين على تحمل لسعات البرد، حيث تقدم ساخنة يتصاعد منها البخار الدافئ دائما، فتصبح أشبه بوجبة صغيرة بين الوجبات أو كما يسميها المصريون «تصبيرة».

أما «غزل البنات» فليس اسم فيلم شهير للمخرج والممثل الراحل أنور وجدي وحسب، لكنه نوع من المسليات ذات الطعم الحلو، وهو عبارة عن سكر يتم معالجته في ماكينة صغيرة ليصبح كتلة هشة تبدو كبيرة الحجم، إلا أنها تذوب بسرعة في الفم، ويقبل عليها الكبار والصغار على حد سواء، ولا يقتصر بيعه على «عربية غزل البنات» وحدها، وإنما نراه بشكل اعتيادي في أيدي باعة متجولين يوضع داخل أكياس بلاستيكية شفافة وتربط جميعها في عصا خشبية يرفعها البائع في الهواء ليلفت إليه الأنظار، خاصة الصغار، الذين يعرفون هذه النوعية من الحلوى باسم آخر هو «شعر البنات».

أما «الفشار»، فهو عبارة عن حبوب ذرة يتم تسويتها بشكل معين لتقدم في أكياس شفافة مضافا إليها القليل من الملح، ولها عربة خاصة بها أيضا، ذلك أنها تعد أحد أشهر المسليات التي يقبل عليها المصريون الذين يرفضون شراءها باردة، ولذلك تجد «عربية الفشار» مجهزة بمشعل وإناء معدني لتسوية الطلبات أولا بأول.

هناك أيضا عربة «الترمس»، وهي من أشهر عربات الطعام الجوالة في مصر، نظرا لطعمه اللذيذ المضاف إليه عصير الليمون، والشطة الحارة، بحسب طلب الزبون، وغالبا ما تزين عربة الترمس بعدد من القلل الفخارية المملوءة بالماء، وفي فتحاتها أعواد من النعناع الأخضر ذي الرائحة الفواحة الزكية، يروي عطش الزبائن، خاصة في أيام الصيف.

الطريف أن معظم هذه العربات رافقت الثورة المصرية في ميدان التحرير، بقلب العاصمة القاهرة، وكانت زادا مهما للثوار، والمترددين على الميدان.