20 قرنا تشهد حفظ مكة إرثها الحضاري.. والجنادرية تعيده إلى الواجهة

جولة في أقدم بيوت العالم.. للتعرف على أهم ما يتميز به بيت أم القرى

العمدة في حديث باسم مع عدد من زوار الجنادرية 26 وقد احتفظ بمهنة الإشراف على أهل حارته (تصوير: مسفر الدوسري)
TT

من أجمل البيوت في القرية التراثية بأرض الجنادرية، في المملكة العربية السعودية، «بيت مكة المكرمة» الذي يتميز باستعادته تاريخا ممتدا لآلاف السنين، وجمعه في ذاته عددا من الثقافات، لا سيما أن مكة المكرمة تعتبر، بفضل فريضة الحج، بجانب العمرة والتجارة، من أكثر مدن العالم استقبالا لمواطني مختلف دول العالم، الذين يأتونها من كل حدب وصوب.

وعند زيارتك جناح منطقة مكة المكرمة في القرية التراثية بـ«الجنادرية 26»، يستقبلك أهل مكة بماء زمزم، الذي يخرج من البئر الواقعة في البيت الحرام بالعاصمة المقدسة، ويوضع في إناء من الفخار. ومن ثم يقدم ماء زمزم عن طريق إناء حديدي يسمى «غضارة».

أهل «أم القرى» يمتازون باللباس التقليدي لأهل المنطقة، الذي يتميز بـ«العمة»، ورداء باللون الأبيض يسمى «السديري»، وحزام يلف على الخصر، وذلك لشد الجسم.

«الشرق الأوسط» تجولت في الجناح يرافقها المهندس مران فطاني، رئيس قسم الثقافة والفنون بأمانة العاصمة المقدسة، وكان بدوره يرتدي الزي المكاوي القديم. وركز المهندس فطاني في سياق شرحه لموجودات «بيت مكة» في جناح مكة المكرمة بـ«القرية التراثية»، على أن «الثقافات المتداخلة ساهمت في إثراء الثقافة في منطقة مكة، وذلك بفضل الحجيج، ومرور عدد من العلماء على مكة عبر العصور».

وضم الجناح ما عرف بـ«بيت مكة» الذي كان منظره مألوفا قبل نحو قرن من الزمان، وهو مكون من طوب من التراب، وفي السقف التقليدي «السعف» – أي أوراق النخيل - وجذوع من الخشب. ويتميز «بيت مكة» عن مساكن المناطق السعودية الأخرى بوجود ما يسميه أهل المنطقة بـ«الرواشين»، وهو الجزء البارز المكون من الخشب، الذي يكفل لساكن البيت الخصوصية التامة، بينما يتيح له في المقابل مشاهدة من هم في الخارج، وهذا يؤمن التهوية الكافية، وبخاصة في المناطق التي تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة.

وعند تجول الزائر في «البيت» الذي صمم خصيصا لزوار «القرية التراثية»، يلحظ جلسة لكبير البيت، يجري خلالها تعليم الأطفال وأهل البيت تعاليم القرآن الكريم، والواقع أن التعليم لا يقتصر على أهل البيت، بل يشمل من هم في الحارة.

ثم إن «بيت مكة» يحوي «المركب» وهو المكان الذي يجري فيه تحضير الأطعمة، والذي يعرف هذه الأيام بـ«المطبخ»، ويوجد المطبخ عند الممر الذي يسير فيه الضيوف، ليسهل معرفة ما إذا كان أهل البيت حضروا الأطعمة أم لا.

واشتهر أهل مكة بالخياطة قديما، ولذا يوجد في كل منزل من منازل أهل العاصمة المقدسة «ماكينة (آلة) الخياطة» التي تخاط بها ملابس أهل البيت، وكذلك ما يعطى من ملابس لأهل الحارة المحتاجين. وبجانب «الماكينة» هناك «المكواة» التقليدية التي يسخن الجمر معدنها لاستخدامها في كي الملابس. ويحوي كل منزل عادة ما يعرف بـ«سيسم» وهو صندوق لحفظ الملابس اليومية، إضافة إلى وجود «الكوبر»، وهو صندوق لحفظ الملابس السنوية، وكذلك حفظ الملابس خلال القيام برحلات أو سفر. وكان من عادة نساء مكة وضع رداء على الرأس، يسمى «المدورة» وطرحة، وهي التي تصنع في داخل المنزل وبإشراف من قبل ربة المنزل، وإذا اعتزمت النسوة الذهاب خارج البيت، فإنهن يضعن «الغطوة»، وهي الجزء العلوي للعباءة، وتجلب أقمشتها من الهند، التي عرفت بجودة الأقمشة، ونشاطها التجاري مع مكة المكرمة.

عودة إلى الغرف، تضم غرفة النوم في «بيت مكة» ما يعرف بـ«الناموسية» وهي عبارة عن رداء فضفاف رقيق يغطي سرير النوم. ثم هناك «نصبة الشاي» في غرفة المعيشة، حيث يجتمع أهل البيت بعد تناولهم طعام الغداء لاحتساء الشاي.

وفي الغالب، يحتوي بيت مكة على 3 أدوار (طوابق) مكونة من الدور الأرضي، حيث توجد غرفة الضيافة والجلسة العائلية، ثم الدور الثاني حيث توجد غرف النوم. ثم الدور الثالث في أعلى المنزل، ويشتمل على مضجع آخر للنوم، يخلد أهل مكة إليه في وقت الصيف، إضافة إلى احتوائه على قفص طيور.

ويعرض جناح منطقة مكة المكرمة جلسات تعرف بـ«المركاز»، ويوجد في الحارة القديمة «مركاز العمدة» الذي يشتهر بنقل الحكاوي والقصص، ويتولى «العمدة» الإشراف على الحارة والقيام بمتابعة شؤون الأسر القاطنة في الحارة التابعة للعمدة، ومتابعة أوضاعهم المالية والمعيشية. وتحتفظ بعض حارات مكة بأعداد قليلة ممن يتولى دور «عمدة الحارة»، وهم ما زالوا يؤدون المهام التي كانوا يمارسونها من قبل، وقد ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.

ويحوي جناح مكة المكرمة، كذلك، على عدد من الأركان التي ضمت المنتجات والمصنوعات التي اشتهرت بها المنطقة، إضافة إلى عدد من المأكولات التقليدية التي عرفت فيها قديما.

وبين الصناعات الحرفية اليدوية الأبرز اشتهرت مكة بصناعة السبح والفخار والسيوف والخناجر، والصناعات الحجرية والصناعات الزخرفية بجانب الرسم والنقش، وكذلك صيانة البنادق. هذا، بالإضافة إلى صناعة المأكولات المحلية التي اشتهرت بها المنطقة، ومنها «البليلة» و«الكباب» و«السمبوسة» و«شراب التوت» و«الفول المكاوي».

أما على صعيد الألعاب، فقد عرف أهل مكة بممارسة عدد من الألعاب، منها «النبيلة» وهي أداة تصنع من أغصان الشجر وتوضع فيها الحجارة لممارسة هواية الصيد أو التصويب، وكذلك لعبة «المشعاب».