«الأركان».. شجرة مدهشة تعمر مئات السنين لا توجد إلا في جنوب المغرب

زيوتها مرغوبة للأكل والتجميل.. والآن للعلاج

مزارع يلتقط بعض ثمار شجرة الأركان (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

ما زالت شجرة «الأركان» (تلفظ «ارغان») المعروفة في المغرب تثير الدهشة داخل البلاد وخارجها. فهي شجرة بريّة حاولت عدة بلدان زراعتها لكن التجربة لم تنجح. بل إن إسرائيل حاولت ادعاء ملكيتها في التسعينات، ووصل الأمر قبل نحو عشر سنوات إلى البرلمان المغربي، فتحوّل إلى قضية ساخنة، لكن السلطات المغربية سارعت إلى تثبيت حق البلاد دوليا في ملكية هذه الشجرة العجيبة. واتضح الآن أن الزيوت المستخرجة من نواتها، إلى جانب استعمالات الأكل والزينة تصلح أيضا للأدوية، وفي هذا السياق وصل فريق صيدلاني ألماني أخيرا إلى المنطقة لأخذ عينات من الشجرة وفحصها في مختبرات لصناعة الأدوية.

تنمو شجرة الأركان على الطبيعة في منطقة سوس، بجنوب المغرب. وهي شجرة معمّرة يصل عمرها أحيانا إلى أكثر من قرنين من الزمن، ثم إنها أيضا من الأشجار النادرة. وتتوافر هذه الشجرة على أغصان شوكية وطولها ما بين 8 إلى 10 أمتار، ولها أوراق صغيرة، كما أنها لها قدرة كبيرة على مقاومة الجفاف والصمود في وجه التصحر. ويعتبر خشبها قويا جدا وله رائحة طيبة.

ثمار شجرة الأركان بحجم ثمار الجوز، وهي تتكون من قشرة ليفية خارجية تحيط بنواة صلبة للغاية، لونها بني جذاب وقشرتها ناعمة، وبداخلها لوزة بحجم اللوز العادي. ويصعب كسر النواة ويحتاج استخراج اللوزة جهدا شاقا.

هذا، وحين تكسر النواة ترمى القشور الخشبية وتسخّن اللوزة، ثم تطحن برحى يدوية مصنوعة خصيصا لطحن نواة الأركان، ومن ثم تؤخذ العجينة المطحونة وتُعصر باليد لاستخراج الزيت. ويستعمل هذا الزيت للطهو أو الأكل مباشرة، ولا سيما في وجبة الإفطار. ومن خصائصه المذاقية أن له طعما يجمع بين طعمي اللوز والبندق. وعموما يكون زيت الأركان أحمر اللون يميل إلى الأصفر الذهبي، وهو الزيت الذي يستعمل للأكل ويُعرف بـ«زيت أركان العادي».

وفي حالات أخرى يستعمل في التزيين وصناعة بعض المواد التجميلية. ولقد استخدمته النساء الأمازيغيات (البربريات) منذ القدم لترطيب البشرة الجافة وكعلاج ضد التجاعيد، لاحتواء هذا الزيت على الأحماض الدهنية الأساسية. وفي مستحضرات التجميل المصنعة يستعمل زيت الأركان كمغذ للشعر وفروة الرأس إذ إنه يعطي الشعر لمعانا وبريقا وملمسا حريريا ناعما، كما تستعمله النسوة اللواتي يعانين مشكلة تساقط الشعر. وبالتالي، دخل في صناعة الشامبوهات والكريمات ذات الماركات العالمية. بل وجد استعمال مشتقات حبة الأركان طريقه إلى أفخم صالونات التجميل بالعاصمة الروسية موسكو، بعد ازدياد الطلب عليه هناك في الآونة الأخيرة بشكل لافت. وبالإضافة إلى ما سبق، يستعمل هذا الزيت أيضا في تدليك العضلات، ومن فوائده الأخرى تنظيف وتزيين الأظافر. ثم، بما أن زيت الأركان يحتوي على مركّبات تحفظ تجانس الخلايا الجلدية، فإن التشققات الجلدية التي تقع عادة للنساء أثناء الحمل على مستوى البطن لا تظهر مع استعمالهن زيت الأركان. ويكفي أن تدهن إحداهن هذا الزيت البطن يوميا لتحصل بعد مدة قصيرة على نتيجة جيدة. وفي الفترة الأخيرة، اكتشف لزيت هذه الشجرة استعمال جديد في مجال العلاجات الطبية.

فاطمة الشاوي، وهي صاحبة محل تجاري في حي أكدال بالعاصمة المغربية الرباط متخصص بتسويق مواد التجميل الطبيعية، قالت خلال لقاء لـ«الشرق الأوسط» معها: «النساء المغربيات يقبلن كثيرا على شراء مواد التجميل الطبيعية المشتقة من زيت الأركان، ذلك أن فوائده معروفة منذ القدم، وكانت أمهاتنا يستعملن فقط المواد الطبيعية ولذا تميزن ببشرة طبيعية وجميلة». وتابعت: «إن البقاء للأصلح والأفيد، ولن يدوم إلا استعمال المواد الطبيعية الأصيلة، على الرغم من مبتكرات شركات التجميل التي تستعمل المواد المصنعة، وعلى الرغم من الأموال والاعتمادات الكبيرة التي تنفق على عمليات التعريف بهذه المنتجات من خلال الإعلانات لجذب المستهلكين».

وأضافت فاطمة الشاوي القول إن «شجرة الأركان حقا شجرة لا مثيل لها في العالم، وهو ما يحتم أن تخصص لها حماية، فنصونها ونحفظها كأيقونة فريدة. ومنافعها الكثيرة قد تبرز أكثر فأكثر مع المتغيرات السلبية التي يعرفها العالم، ومن ذلك، تراجع دور الطبيعة في حياتنا اليومية، وتدهور هذه الطبيعة التي شكلت على الدوام داعما أساسيا للإنسان ومنقذا له من تقلبات الزمن».

وفي الواقع، توجد اليوم عدة متاجر في الرباط، كما في باقي المدن المغربية، أضحت متخصصة في زيوت الأركان سواء للأكل، أو للزينة. ولقد أضافت بعض المحلات التي تقدم وجبة الإفطار إليها في السنوات الأخيرة مادة «أملو» التي يغمس فيها الخبز، وتحولت إلى مادة شهية في وجبة الإفطار. والـ«أملو» الذي لم يكن معروفا إلا في جنوب المغرب، وبالذات في منطقة سوس، عبارة عن لوز مطحون يجري خلطه بزيت الأركان والعسل الطبيعي، ويُقال إن من فوائده تنشيط الغدد لدى الذكور. ويبقى من أسرار شجرة الأركان الغريبة أن جميع محاولات غرسها، حتى في مناطقها الأصلية أخفقت، وهذا على الرغم من أنها تنمو باستمرار وتنبت طبيعيا في المنطقة نفسها.