عدنان سعد.. ثمانيني لبناني جعل من منزله معرضا تراثيا

بين المقتنيات بندقية «مارتيني» حارب بها عام 1948 في فلسطين

سعد أمام جهاز الراديو وإلى جانبه شجرة الزيتون («الشرق الأوسط»)
TT

خارجا عن العرف، وحتما عن المألوف المحلي، استنسخ عدنان سعد، الثمانيني اللبناني، نفسه بتمثال نحته بنفسه. ويستقبل هذا التمثالُ الزائرَ قبل صاحبه الملقب بـ«ساكن سينيق»، عند منزل عدنان (82 سنة)، الكائن في محلة سينيق عند المدخل الجنوبي لمدينة صيدا، عاصمة جنوب لبنان.

خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال عدنان سعد، أو أبو جهاد: «لقد أردت أن أترك ذكرى لعائلتي وأحبائي بعد مماتي.. لم يكن هدفي إطلاقا تكريم ذاتي أو تمجيدها، لكن من لم يكُن وفيا لنفسه لن يكون وفيا لأي قضية، كبيرة كانت أم صغيرة». وتابع أبو جهاد كلامه، مؤكدا أن التمثال، الذي يرتكز على قاعدة رخامية بارتفاع متر و60 سم وبوزن يبلغ 70 كغ، كان «مجرد فكرة تمكنت من تحقيقها خلال 5 أشهر.. وأنا سعيد بها». ولقد نحت أبو جهاد تحته بطاقة تعريف خاصة به وبتاريخ عائلته مصرية الجذور. وفي إحدى زواياه كتب «إن من أولادكم وأموالكم عدوا لكم فاحذروهم».

لدى دخول الزائر منزل عدنان سعد، لا بد أن تعيده مضختا ماء يدويتان، إحداهما كبيرة الحجم والثانية صغيرة، لا تزالان تعملان، إلى زمن استعمالهما منذ عشرات السنين. وتحمل عشرات القطع الأثرية، المنتشرة في غرفة الاستقبال، في ثناياها قصصا لا تغيب عن ذاكرته.

وبين الأحب إلى قلبه: بندقية «مارتيني» حربية يفتخر أبو جهاد بها كثيرا، مشيرا إليها في استعراض سريع لجانب من حياته: «لقد حاربت الإسرائيليين في فلسطين، كجندي مع المجاهد معروف سعد والنقيب محمد زغيب، الذي استشهد على رأس ثلة من جنود الجيش اللبناني في معركة المالكية، بعد سقوط قذيفة سيلابند على الدشمة التي كان يتمركز بها، موصيا: (إياكم أن تسمحوا بسقوط المالكية)، أما أنا فقد أصبت في عيني اليسرى وقدمي اليمنى».

الكثير من الوقت والتعب والمال قدمه أبو جهاد، هاوي التراث القديم، في سبيل الحصول على مقتنياته القديمة، وأحيانا حالفه الحظ والمصادفة في جمعها، إلا أن الدهشة سرعان ما تتمالك الزائر عندما يرى شجرة زيتون زرعها سعد داخل زاوية من زوايا غرفة الاستقبال، بانيا لها حوضا خاصا، وواضعا لها مواعيد تزويدها بالماء، كذلك قام بتزيينها بشريط يحتوي على لمبات يعمد إلى إنارتها ليلا، للاستمتاع بتأمل الشجرة المضيئة وتفقدها قبل الذهاب إلى النوم.

إلى جانب شجرة الزيتون، هناك جهاز راديو قديم جدا ما زال يعمل بوظائفه الثلاث: الراديو والتسجيل والاستماع إلى الأسطوانات، خاصة القديمة منها. ثم على مسافة مترين من الراديو، ينتصب الفونوغراف (يعود إلى زمن ما قبل اختراع الكهرباء) جاهزا للعب أغانٍ نادرة لكبار الملحنين والمطربين، وهو يدار بواسطة اليد، وإلى جانبه آلة تصوير قديمة صنعت عام 1937.

ومن التحف القديمة أيضا، مجموعة خناجر من فلسطين، وأختام تعود لأيام الحكم العثماني للبنان وسورية، وآلة خياطة، وآلة طباعة تطبع باللغة اللاتينية، ومنظار ليلي قديم استعمل في الحرب العالمية الثانية، وفرش مصنوع من ورق النخيل يستعمل لوضع الطعام عليه، ومطرة ماء كان يستعملها الجمالون.

ثم تستوقف الزائر معروضات على الجدران بينها لوحة ثمينة وكبيرة يحتفظ بها أبو جهاد منذ نحو 60 سنة، حالها حال المرايا المنوعة، قبل الانتقال إلى أطقم الضيافة الصينية المحفورة باليد الأوروبية منها والتركية، وقنديل للإنارة يعود إلى الفترة التي سبقت وصول الكهرباء إلى صيدا.

ويشرح الصيداوي الثمانيني: «هذه مسدسات وبنادق قديمة لم تعد صالحة للاستخدام، لكنها عزيزة على قلبي، نظرا لرمزيتها في نضالي الطويل»، مشددا على حرصه على الاحتفاظ بهذه القطع والمحافظة عليها، مشيرا إلى صورة الجد سعد أبو راضي الذي أتى إلى لبنان مع حملة إبراهيم باشا عام 1811، بعدما عينه الأخير في منصب رفيع في صيدا آنذاك. ولا تتوقف مجموعة المقتنيات هنا؛ فلديه مجموعة صور للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بينها صورته التاريخية مع الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب في اللقاء الشهير الذي عُرف بـ«لقاء الخيمة» على الحدود اللبنانية - السورية عام 1958 أيام وحدة مصر وسوريا، وأخرى للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تعود لانطلاقة الثورة الفلسطينية، تراها تحتل قسما من الجدران. وانتقالا إلى المكتبة، هنا العملات القديمة والمتنوعة بالعشرات، منها المعدني، ومنها الورقي، وتأخذ العملات المستخدمة أيام عبد الناصر ومن قبله أيام الحكم العثماني مكانا خاصا، ثم يأتي دور الصحف، التي لا تقف أحوال صفحاتها حائلا أمام إمكانية قراءتها، ومنها جريدة «لبنان الكبير» الرسمية المؤرخة في 7 ديسمبر (كانون الأول) 1923 - وكان ثمنها يومذاك قرشين - و«الشرق» المؤرخة 12 يناير (كانون الثاني) 1950، و«النهار» 10 يناير 1950 وغيرها. وينسحب ولع أبو جهاد بالصحف على دفاتر جمع الضرائب إبان العهد العثماني، وكذلك بمحضر جلسة لمجلس النواب اللبناني تعود لعام 1963.

ثم لدى أبو جهاد ولع بالساحات العامة في لبنان، لا سيما ساحة الشهداء، التي يحتفظ برموز منها هي أحجار سوداء مربعة كانت توضع كـ«بلوكاج» (حجارة رصف) بدل الإسمنت إبان عقد السبعينات من القرن الماضي. وفي مكان آخر من «المتحف» الخاص فنجان شاي كان يشرب منه الملك فاروق شخصيا، أصبح من مقتنيات ابن صيدا، منذ عدة سنوات. كذلك ذهب خيال أبو جهاد إلى عصر «كان الناس فيه يتخذون من الخيام بيوتا لهم، وكان من يمتلك بيتا يعتبر من أغنياء القوم» - حسب تعبيره.

جولات عدنان سعد في الأسواق والبيوت ومع هواة هذه التحف كانت طويلة، ولا يتردد في إبداء استعداده لشراء قطعة معينة يبحث عنها، لكنه في المقابل يرفض بيع أي من مقتنياته على الرغم من العروض المغرية التي يقول إنها قُدمت له.