مشروع لبناني لتعليم اللهجة العامية

يستقطب الأجانب العاملين في لبنان وأبرزهم من الدبلوماسيين وموظفي السفارات

الهدف من المشروع هو إفساح المجال أمام الأجنبي للتأقلم مع المجتمع اللبناني والتكلم بلغته
TT

لأن اللغة هي نبض المجتمع وحياة أبنائه بثقافتها وتقاليدها، كان إيمان الشابة اللبنانية رنا ديراني بأن افتتاح مدرسة خاصة مهمتها تعليم اللغة المحكية لتكون محطة أساسية للأجانب المقيمين في لبنان أو الزائرين منهم لأهداف عدة أهمها العمل، كفيلة بتوسيع دائرة الناطقين بهذه اللهجة ونشرها قدر الإمكان مع ما يرافقها من اطلاع وتعلم تفاصيل طبيعة الحياة اللبنانية وخصوصيتها مع نظرة مستقبلية تهدف إلى أن يصبح لبنان مركزا لتعليم اللغة العربية. هذه المدرسة التي تحمل اسم «معهد الصيفي للغة العربية»، هي وليدة تجربة خاصة خاضتها ديراني من ألفها إلى يائها في مسيرتها التعليمية التي بدأت قبل نحو عشر سنوات. إذ كانت وإلى جانب مهنتها الأساسية تعليم اللغة العربية في إحدى المدارس اللبنانية، تتولى مهمة تعليم أجانب مقيمين في لبنان يسعون إلى إتقان اللهجة المحكية لتسهل عملية التواصل بينهم وبين اللبنانيين بعيدا عن قواعد اللغة العربية الفصحى التي لا تمت إلى طبيعة حياتهم وعملهم وتواصلهم مع من حولهم بصلة.

وبعد نجاح هذه التجربة من جهة وما لمسته ديراني من زيادة في الطلب على تعلم هذه اللهجة بين الأجانب في لبنان من جهة أخرى، بدأت تتبلور فكرة إطلاق مشروع يهدف بالدرجة الأولى إلى تعليم هذه اللغة المحكية وذلك بدعم وتشجيع من زوجها الذي كان أحد تلاميذها. في بداية عام 2008 كانت الانطلاقة مع صف واحد لا يزيد تلاميذه عن عدد أصابع اليد لتتوسع يوما بعد يوم وتصل إلى ما بين 15 و20 صفا في كل فصل تعليمي يتراوح عدد التلاميذ في كل منها ما بين 3 و10 تلاميذ.

المهمة التأسيسية لم تكن سهلة بالنسبة إلى ديراني التي بذلت جهدا شخصيا في وضع منهج خاص لتعليم اللهجة المحكية ورصد قواعدها لتدرجها في مراحل متعددة تناسب المستوى اللغوي لكل تلميذ، في غياب أي كتب متخصصة لها. وعن هذه التجربة تقول ديراني لـ«الشرق الأوسط»: «الهدف من تعليم اللهجة اللبنانية لا يقتصر فقط على القدرة على التكلم بها بل الهدف منه هو تأقلم التلميذ مع هذا المجتمع من خلال تعلمه اللغة التي يتمكن من خلالها على العيش في وسطه والتواصل مع أبنائه وحياتهم»، لافتة إلى أن اللهجة اللبنانية هي لغة محببة بالنسبة ليس فقط إلى دول الشرق الأوسط بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، بل إن إتقانها يفسح المجال أمام متكلمها للتواصل مع مواطنين عرب من دول أخرى بسهولة نظرا إلى انتشار هذه اللهجة التي صارت معروفة في إطار واسع. وعن أهم المهتمين بتعلمها، تشير ديراني إلى أن أبرز هؤلاء هم من الوسط السياسي والدبلوماسي، لا سيما منهم السفراء الأجانب المعتمدون لدى لبنان، وكان من بينهم رئيس بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان باتريك لوران، حتى إن المعهد صار وجهة معروفة بالنسبة إلى العاملين في السفارات الذين يبحثون عن وسيلة لتعلم اللهجة اللبنانية، إضافة إلى أسماء مهمة في عالم الصحافة والإعلام ومتطوعين في جمعيات اجتماعية ومدنية.

أما فيما يتعلق بالمنهج المتبع الذي تحرص ديراني على تطويره باستمرار، فتشرحه «هناك 4 مراحل أساسية كل منها تحتاج إلى ما بين 65 و70 ساعة تحتوي على قواعد شاملة بدءا من الأحرف الأبجدية مرورا بقراءة اللغة وكتابتها وصولا إلى طرق التخاطب اللبناني الخاصة وأساليبها التي قد يظن البعض أنها لا تخضع لأي أسس أو حصرها في قواعد معينة لكن هي على العكس من ذلك، وعلى سبيل المثال استخدام اللبناني كلمة (عم) التي تسبق دائما أي فعل في صيغة الحاضر كأن يقال (عم يدرس) أو (عم ياكل) والتي يقابلها في اللغة الإنجليزية (ing). ومن يتخطى هذه المراحل بإمكانه إكمال مسيرته التعليمية وصولا إلى المرحلة الخامسة التي تتضمن مجموعة أنشطة ثقافية لبنانية من قراءة التقارير الصحافية ومشاهدة الأفلام اللبنانية وغيرها من النشاطات التي تدعم التلميذ لغويا وتشكل في الوقت نفسه منفذا مهما للتعرف على الثقافة اللبنانية». وتعتبر ديراني في هذا الإطار، أن التقدم يتوقف على نشاط التلميذ ورغبته في إتقان اللغة بشكل جيد وهذا ما يبدو واضحا بين تلميذ وآخر.

كذلك ومن جهة أخرى، تلفت إلى أن لعادات المجتمع اللبناني كما كل المجتمعات أصولها التي لا تغيب عن دروس اللغة المحكية ومن ضمنها ما يعرف بـ«اللياقات الاجتماعية» على سبيل المثال «يعطيك العافية» و«عقبالك» التي تستعمل للتهنئة في الأفراح أو «الله يخلي ولادك».. وغيرها من المصطلحات اللبنانية التي يدخل ضمنها الشتائم والتي يحرص التلاميذ على تعلمها والإلمام بتفاصيلها كي يتمكنوا من فهمها في حال التعرض لها، والأمر نفسه ينسحب على ما يعرف في لبنان بالـ«تلطيش» أو المعاكسات التي تتعرض لها الفتاة وكيفية الرد أو التصرف في حالة كهذه.

وانطلاقا من هذا المنهج التعليمي الذي يعتمد على وسائل إيضاحية متطورة تؤكد ديراني أن مشروع «معهد الصيفي» الذي تعترف بأنها لم تكن تتوقع له النجاح الذي حققه، يهدف إضافة إلى نشر اللغة العربية بشكل عام واللهجة اللبنانية بشكل خاص، إلى حث المجتمع العربي واللبناني بالتحديد على المحافظة على لغته في مواجهة الهجمة اللغوية الأجنبية، لا سيما أن التواصل بين العرب والأجانب يعتمد على اللغة الأجنبية التي يسعى العرب إلى إلمامها والتكلم بها واستبدالها بلغتهم الأم في وقت نجد فيه عدم رغبة مماثلة لدى الأجانب لتعلم لغتنا.