مهرجانات الموسيقى في الصويرة تنعش مصنوعات خشب العرعار

مهنة مغربية توارثها الصناع التقليديون منذ قرن

داخل محل لبيع منتجات العرعار في الصويرة («الشرق الأوسط»)
TT

بفضل الموسيقى، التي غدت مدينة الصويرة المغربية، الواقعة جنوب غربي الدار البيضاء، عاصمة لمهرجاناتها، انتعش في الصويرة قطاعان مهمان هما السياحة والصناعة التقليدية أو الحرفية.

ومثلما أخذت المدينة الساحلية الجذابة تستقطب أعدادا كبيرة من السياح والزوار وعشاق الموسيقى، نشطت فيها المصنوعات المنزلية، وبالذات، التي تصنع من خشب العرعار (أو العرعر)، وصارت جزءا مهما من الديكورات المنزلية في المغرب.

أول ما يثير انتباه زوار الصويرة كثرة المحلات التي تبيع منتجات خشب العرعار، والتي تحتل مساحة واسعة وسط الأزقة الضيقة داخل المدينة. وحاليا تشكل منتجات الصناعة التقليدية الخشبية مصدرا أساسيا لازدهار الحركة التجارية، فيها، ولا سيما في مجال النقش على خشب العرعار. وتشير أحدث الإحصاءات إلى وجود ما يزيد على 14 ألف صانع وصانعة يعملون في مختلف الحرف التقليدية، وهذا العدد في تزايد مستمر، وبالأخص، في مجالات النقش على خشب العرعار وصياغة الحلي الفضية والمنتوجات النباتية.

في الحقيقة، يعود تاريخ تصنيع خشب العرعار في الصويرة إلى ما يربو على مائة سنة، وكان ذلك في أواخر عهد الملك الحسن الأول الذي اهتم بالصناعة التقليدية. فقد جاءت إلى الصويرة مجموعة من الحرفيين من مختلف جهات المغرب ليتعلموا من سكانها فنون صناعتهم المحلية. واشتهر الصناع الصويريون ببراعتهم في النجارة، وإتقانهم العمل بكل أصناف الخشب، غير أنهم ما كانوا - وهنا المفارقة - يعرفون شيئا عن إمكانيات خشب العرعار الفنية، الذي كان أغلب سكان إقليم الصويرة يستهلكونه كحطب للوقود أو يستعملونه في بناء سقوف المنازل ويتداوون بأوراق شجره.

ويقال إن الملك الحسن الأول أوفد بعض صناع القصر إلى الصويرة، واستعمل أحد أبرع هؤلاء الصناع خشب العرعار عن طريق المصادفة بينما كان يتجول في أزقة الصويرة. ففي حينه لاحظ كومة من خشب العرعار المتآكلة أطرافه من شدة الاحتكاك وبدت الأطراف شديدة اللمعان، وعندها فكر في استعمال هذا الخشب في النجارة. وهكذا جاءت الانطلاقة الأولى لفن تصنيع خشب العرعار، وجربها بنجاح الصناع الصويريون، رغم صعوبة معالجة هذا النوع من الخشب وتعقيد طرقها.

تختلف منتوجات خشب العرعار من حيث الحجم والشكل وطريقة التزيين، إذ تصنع منه صناديق متنوعة ذات تلوين بعرق الليمون، وتماثيل للديكور، وآلات موسيقية مثل آلة العود والرباب، وخزائن للكتب والملابس، وموائد يطلق عليها اسم «الشايلا» أكسبت صناعة النقش على خشب العرعار شهرة عالمية.

ومن يرغب في تعلم هذه الصناعة لا بد أن يمر بثلاث مراحل حتى يتقنها:

المرحلة الأولى هي مرحلة الملاحظة، ويقتصر فيها دور المتلقن - أو المتدرب - في بداية الأمر على الملاحظة والمشاهدة لمدة سنة كاملة، يراقب ويتتبع فيها طرق عمل المعلم، ومن ثم يتعلم فيها المبادئ الأولى للحرفة ويحفظ الأدوات المستعملة في صناعة النقش على خشب العرعار.

ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة الصقل. وفيها يتسلم المتلقن بعض النماذج من المنتوجات لصقلها، ويشرف خلالها «المعلم» على تدريبه على كيفية الإمساك بأداة الصقل، وكيف ومتى يتوقف أو يستمر في الصقل. وتعد هذه المرحلة مرحلة إرشاد وتوجيه.

وبعد أن ينال المتلقن رضا «المعلم» ينتقل إلى المرحلة الثالثة، وهي مرحلة وضع الرسوم على المصنوعات. هذه مرحلة مهمة وحاسمة في حياة المتلقن تتطلب الانضباط والحيوية، لأنها تقتضي نقل الرسوم بشكل دقيق، ويجري ذلك على ألواح وضعت خصيصا لأجل التلقين. وعلى المتلقن - أو المتدرب - أن يكرر العملية مرات كثيرة حتى يصل إلى درجة الإتقان، وتسمى هذه العملية عند صناع العرعار بالصويرة «التدقاق ثم النزول»، التي يصبح المتلقن بعدها «صانعا».

وفي أعقاب تمضية الصانع فترة طويلة يظهر فيها كفاءته ومقدرته، عندها يحق له أن يطمح إلى الارتقاء إلى درجة «معلم». وعليه حينذاك أن يخبر بذلك «معلمه» عن طريق وسيط، غالبا ما يكون أحد أقربائه، وذلك احتراما لمعلمه وتقديرا له. فإذا شهد له «المعلم» بالكفاءة والمقدرة ودقة الصنع، يؤذن له بفتح دكان بعدما يكون «المعلم» قد أبلغ عن قدراته أمين غرفة الصناعة التقليدية، ليضم إلى طائفة «المعلمين».

ثمة نوعان من الرسوم يستعملها حرفيو النقش على خشب العرعار في الصويرة، منذ نشأت هذه الصنعة، هما الرسوم المعروفة بـ«الخطة». وهي عبارة عن أشكال هندسية متنوعة عرفت في الصناعة العربية منذ القدم، والرسوم التي تعرف بـ«التشجير» - ويقال لها أيضا «العرق» - وهي عبارة عن أشكال تشبه أغصان الأشجار. ولقد تطور هذا الرسم العربي على يد الصناع المغاربة على مر العصور.

أما المواد المستعملة في هذه «الصنعة» فهي «الكايزة»، وهي عبارة عن جذر شجرة العرعار، ثم هناك «الجدر» الذي لم يستعمل في الصنعة إلا في بداية القرن الماضي، وأول ما ظهر كان على يد فرنسي اسمه «بروس» كان يملك وحدة إنتاجية بالصويرة. وهناك أيضا «عود الطلح»، وهو شجرة تشبه «السدرة» لكن ساقها قصيرة وجذورها طويلة، ويسمى أيضا «تادوة» (تادوت) وهو اسم أمازيغي شائع بين صناع النقش على خشب العرعار، هذا العود الشديد الصلابة، الأسود اللون، وقد يكون بنيا غامقا، يجلب من منطقة حاحا في إقليم الصويرة. ثم «العاج»، الذي كان يؤخذ من أنياب الفيلة ويستورد من جنوب أفريقيا، قبل أن يستعاض عنه فيما بعد بالعظم. ثم عود «الليم» وهو جذع شجرة البرتقال. وأخيرا «صدف البحر» الذي يلتقط من الشواطئ، ويكون على هيئة الكف ملتصقا بالصخور، ومن فصيلة بلح البحر، وتستعمل قوقعته للتزيين.