التكية السليمانية.. أحد أبرز المعالم المعمارية العثمانية في دمشق

صممها المهندس التركي الشهير سنان ونفذها نظيره الإيراني ملا آغا

من مباني التكية السليمانية بدمشق («الشرق الأوسط»)
TT

من أجمل المعالم المعمارية التاريخية في العاصمة السورية دمشق.. مبنى التكية السليمانية.

هذا المبنى العريق اتفق في الآونة الأخيرة على مشروع إصلاحه وترميمه بالتعاون مع تركيا. وخلال لقاء لـ«الشرق الأوسط» ذكر المهندس خالد علبي، المشرف على المشروع من جانب مديرية أوقاف دمشق، فإن المخططات الفنية والمعمارية والهندسية لأعمال الترميم جاهزة منذ فترة، وكذلك الحال فيما يتعلق بكادر الترميم الذي كان خلال الأسابيع الأخيرة ينتظر إشارة الانطلاق. والهدف هو إعادة مباني التكية الواسعة والكبيرة إلى ما كانت عليه قبل مئات السنين عندما شيدت في بداية العصر العثماني ببلاد الشام بأمر من السلطان سليمان القانوني، الذي تحمل التكية اسمه.

السلطان سليمان القانوني كان قد كلف المهندس الشهير سنان - أو معمار سنان - بوضع المخطط المعماري للتكية، بينما أشرف على بنائها مهندس إيراني الأصل، اسمه ملا آغا، وساعده عدد من المعاونين والمراقبين الأتراك، وروعي في تشييدها أن تكون كتلة معمارية متميزة تضم مسجدا ومدرسة وسوقا تجارية.

مبنى التكية السليمانية يقوم في منطقة استراتيجية وسياحية بدمشق عند مدخل المدينة الغربي، في الشارع الذي يطلق عليه اسم «شارع بيروت» أو «شارع شكري القوتلي». ويمر من شمالها أحد فروع نهر بردى، وتقع على مقربة منها حاليا مجموعة من المنشآت المهمة منها متحف دمشق الوطني وكذلك جسر فيكتوريا الشهير، كما تطل عليها مباني جامعة دمشق وفندق «الفورسيزونز» وفندق «سميراميس».

ثم إن التكية تجاور منطقة الحلبوني التي عرفت بأنها سوق المكتبات والمطابع الدمشقية. ولذا يلاحظ زائر التكية، وتحديدا على سورها الجنوبي المجاور لسوق الحلبوني، انتشار باعة الكتب والمجلات القديمة على البسطات، حيث يعرضونها على سور التكية في مشهد يومي لجذب هواة قراءة واقتناء هذه الكتب من الذين يقصدون سور التكية والحلبوني.

القسم الغربي من مباني التكية، الذي يضم قاعات بطراز معماري جميل، يشهد منذ فترة إقامة نشاطات ثقافية متنوعة ومنها معارض للكتب والفنون التشكيلية تلقى إقبالا كبيرا لميزة قرب هذه المباني من وسط دمشق، وبالتالي، سهولة الوصول إليها. أما القسم الشرقي منها، الذي يضم عشرات الغرف وباحة كبيرة، فما زال مستثمرا كسوق مهن يدوية دمشقية تضم أكثر من مائة حرفة، كان قد افتتح في منتصف سبعينات القرن الماضي من قبل وزارة السياحة السورية. ويشهد هذا القسم بدوره إقبالا طيبا من السياح والزوار المهتمين بالتعرف على المنتجات الدمشقية اليدوية. وكانت هذه السوق قد شهدت في بداية عهدها وجود الحرفيين اليدويين الذين كانوا يعملون أمام الزوار، غير أن هذا المنظر الحي والجميل اختفى منذ سنوات إلا من عدد قليل منهم كحرفيي نسج البسط وصنع الخزف والزجاج، في حين بقيت منتجاتهم معروضة.

وفيما يتعلق بأعمال الإصلاح والترميم، فإن هذا الجزء بالذات من مباني التكية هو الأكثر حاجة، وبإلحاح، إلى هذه الأعمال، ذلك أن الزائر سيلاحظ فور وصوله اهتراء أرضيته، وتوقف مياه نافورة بحرته عن التدفق - منذ سنوات - وكذلك حالته الإنشائية العامة ووضع جدرانه وأسقفه.

تاريخيا، يشير المؤرخون والباحثون إلى أن التكية السليمانية شيدت مكان «القصر الأبلق»، وهو قصر الملك المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري، الذي هدمه تيمور لنك، وكانت قبل ذلك قصرا لإمارة الفاطميين. وقد أنجز بناء التكية عام 1559م، وأقيمت على رقعة واسعة من الأرض تصل مساحتها إلى نحو 11 ألف متر مربع، أما الهدف من بنائها فكان إيواء الطلبة الغرباء، وكذلك إيجاد مكان فسيح لاستقرار الحجاج الآتين من آسيا الوسطى وتركيا وأوروبا بحيث يستريحون فيها، قبل أن يكملوا طريقهم نحو الديار المقدسة لتأدية فريضة الحج.

ويلاحظ المتجول في مباني التكية تميز عمارتها عن باقي القصور والمباني الدمشقية التاريخية، وخاصة تلك التي تعود إلى العصر العثماني.. فهي، كما يؤكد كثيرون من المهتمين، لا يوجد لها شبيه في دمشق، وبالذات من ناحية البصمات المعمارية التي تركها المهندس الشهير سنان عليها، إذ يلاحظ وجود البساطة في مبانيها مع جماليات وطرز متميزة، وأيضا وجود عدد كبير من القباب على غرفها مع عشرات المنارات الصغيرة التي تشبه أقلام الرصاص فوق الغرف، ولا سيما في قسمها الشرقي حيث سوق المهن اليدوية. أما على صعيد النمط المعماري، فيتألف مجمع التكية من مبنيين غربي وشرقي نفذ الثاني على أسلوب العمارة العثماني الإسطنبولي، بينما يشمل الغربي منهما التكية المحاطة بسور له ثلاثة أبواب رئيسية وصحن سماوي، فيه بحرة ماء واسعة ونافورة جميلة. والصحن مبلط بالحجارة البيضاء والسوداء. أما الأروقة فمسقوفة على شكل قباب صغيرة وخلفها غرف كبيرة مسقوفة بقباب أكبر من القباب الأولى.

وفي الجهة الجنوبية يقع المسجد وله مئذنتان متساويتان في الارتفاع والشكل، وخلفه توجد حديقة تضم قبور عدد من ضباط الجيش العثماني الذين دفنوا في دمشق إبان الحقبة العثمانية. وأما الجهة الشمالية فعبارة عن عدة غرف كبيرة، كل غرفة مسقوفة بعدد من القباب ترتكز على أعمدة داخلية كانت تستخدم لإقامة الطلبة الغرباء.

ويروي المؤرخ والباحث الدكتور قتيبة الشهابي رحلة التكية السليمانية، منذ بنائها، وخاصة ما أقيم بجانبها من منشآت لخدمتها، مع قصص طريفة عن بعضها. ويشرح في أبحاثه وكتبه العديدة عن دمشق تاريخ وصور ما، حيث المدخل الرئيسي للتكية من الباب الشمالي المطل على بردى وأمامه جسر يمتد حتى شارع بيروت. ومن الطبيعي أن هذا الجسر بني في الحقبة الزمنية نفسها التي بنيت فيها التكية على الطراز العثماني، ولم يكن هذا الطراز مألوفا في دمشق حتى تلك الحقبة، وبالأخص، طراز المئذنتين اللتين شبههما البعض بـ«مسلتين» لشدة نحولهما.

وعام 1907 تولى دمشق الوالي شكري باشا، فأمر ببناء جسر جديد يمتد من شارع بيروت حتى الطريق الموصل إلى الثكنة الحميدية (شارع الدكتور رضا سعيد حاليا) الفاصلة بين الواجهة الغربية للتكية وحديقة المتحف الوطني. وسمي هذا الجسر باسم «جسر الحرية»، وإن كان قد اشتهر شعبيا بـ«جسر الخازوق» نسبة للقضيب الحديدي الذي يرتفع فوقه والذي كان يشاع عن استعماله واسطة للإعدام إبان العهد العثماني.

أخيرا، يذكر أن بعض أجزاء مباني التكية تهدمت بسبب الزلزال الكبير الذي أصاب دمشق في القرن الثامن عشر، ولكن أعيد ترميمها إبان الحرب العالمية الأولى. وقد استثمر القسم الشمالي منها في بدايات القرن العشرين ليكون مقرا لمعهد الحقوق، وظل كذلك حتى تأسيس الجامعة السورية، وشغل فيما بعد - وما زال - من قبل وزارة السياحة السورية كمقر لمكاتبها. واستثمر قسم من مبانيها الغربية لتدريس طب الأسنان في الجامعة السورية، وبعد ذلك فتح كمتحف حربي، وظل كذلك حتى قبل أشهر قليلة حين أخليت المباني من أجل البدء في مشروع الترميم.