المصالحة بين فتح وحماس تحسن العلاقات بين الغزيين

على الرغم من بعض الرواسب النفسية عند البعض

حدث تغيير جوهري أيضا على طابع الخطب التي يلقيها الوعاظ والخطباء فمعظم هذه الخطب بات يتحدث الآن عن الآثار الإيجابية للمصالحة
TT

منذ أسبوع دأب ماجد وجاره حسن يوميا على الركض معا على الطريق الزراعي الذي يربط مخيمي البريج والمغازي، وسط قطاع غزة..

السبب أن كلا من الرجلين الأربعينيين قد شرع في برنامج للتخسيس (خفض الوزن)، غير أن المفارقة تكمن في أن الجارين لم يعتادا المشي معا، من قبل، سيما أمام الناس. فحسن الذي يعمل في إحدى مؤسسات السلطة الفلسطينية كان يخشى طوال السنوات الخمس الماضية أن يراه أحد برفقة جاره «الحمساوي»، فيكلفه ذلك راتبه الشهري الذي يتقاضاه من السلطة الفلسطينية في رام الله بالضفة الغربية. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال حسن وهو يحتضن ماجد قبل أن يفترقا في أعقاب مشوار ركض آخر: «لقد أصبح بإمكاننا الآن أن نمشي معا وأن نتبادل الزيارات، لأنه ما عاد هناك خوف على الراتب».

في الواقع، بات من الواضح أن تغيرا كبيرا قد طرأ على العلاقات الاجتماعية بين الفلسطينيين إثر التوقيع على اتفاق المصالحة المنتظرة، بعد سنوات الانقسام، الذي نجم عن صراع مرير بين أكبر تنظيمين فلسطينيين، وقد انعكس إيجابا على الحياة اليومية العادية لقطاعات جماهيرية واسعة من الغزيين تتأثر بذلك الانقسام المؤلم.

بداية، سمح التوقيع على اتفاق المصالحة لكثير من العائلات الفلسطينية باستئناف علاقاتها الاجتماعية، لا سيما على شكل تبادل الزيارات والمشاركة في المناسبات الاجتماعية. ومما لا شك فيه أن المساجد كانت من الأماكن التي تأثرت إيجابا بتوقيع اتفاق المصالحة. فحتى قبل توقيع الاتفاق، كان كثيرون من العاملين في مؤسسات السلطة لا يتوجهون للصلاة في المساجد التابعة لوزارة الأوقاف التي تسيطر عليها حركة حماس، بل يفضلون قطع مسافات طويلة من أجل الصلاة في مساجد تقع أحيانا خارج نطاق تجمعاتهم السكانية، في المدن والضواحي والمخيمات.

على سبيل المثال، كان خليل، الموظف في إحدى دوائر السلطة الفلسطينية الذي يقطن في الطرف الغربي من مخيم المغازي للاجئين، مضطرا لقطع مسافة 2 كلم من أجل أداء الصلوات في مسجد يقع في شرق المخيم، وهذا حتى لا يضطر للصلاة في مسجد الحي، الذي لا يبعد بأكثر 100 متر عن منزله. أما الآن، فقد عاد خليل للصلاة في المسجد القريب، وسط احتفاء حار من جيرانه، الذين كانوا يعذرونه.

من ناحية ثانية، حدث تغيير جوهري أيضا على طابع الخطب التي يلقيها الوعاظ والخطباء. فمعظم هذه الخطب بات يتحدث الآن عن الآثار الإيجابية للمصالحة، وتدعو الفرقاء السياسيين إلى الحرص على أن لا تضيع هذه الفرصة لتعميق التفاهم، بكل ما أوتوا من قوة. وعلى مستوى آخر، يلحظ المتابعون أن التوقيع على اتفاق المصالحة ترك أيضا تأثيرات إيجابية على العلاقات بين النخب السياسية في حركتي فتح وحماس. فبعدما كانت اللقاءات الثنائية ذات الطابع الشخصي تجري في الخفاء، فإنها الآن تجري في العلن. ولأول مرة منذ تفجر الانقسام، وسيطرة حماس على أراضي قطاع غزة، حضر ممثلو حركة فتح مناسبة خطابية لرئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية.

وكل هذه تطورات يرى كثيرون في القطاع إيجابياتها العظيمة، غير أنهم في المقابل، يشيرون إلى أنها لا تعني بالضرورة أن العلاقات الاجتماعية عادت إلى سابق عهدها تماما. ويذكرون هنا، بالتحديد، أن الصدامات المسلحة التي خلفها الانقسام أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. وهذا يعني أنه ما زالت لدى عائلات الضحايا والمتضررين جروحا نفسية تحتاج إلى وقت طويل لكي تندمل. ومن هذا المنطلق، فإن المراقبين يرون أن على الحكومة الانتقالية معالجة هذا الجانب بسرعة، كما قرر اتفاق المصالحة.