صيد السمك في الرباط: متعة وصبر.. والقليل من المال

الهواة يفضلون البقاء على الشاطئ لساعات طوال بدلا من ثرثرة المقاهي

صياد بالقصبة والصنارة على شاطئ الرباط (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

مع بدايات فصل الصيف، يعود صيادو السمك بالصنارة إلى شواطئ العاصمة المغربية الرباط التي تمتد من حي المحيط شمالا وحتى شاطئ تمارة جنوبا.

ينقسم هؤلاء الصيادون إلى فئتين: الأولى تسعى جاهدة لصيد أكبر كمية من أنواع محددة من الأسماك لبيعها طرية طازجة على الشاطئ لأصحاب السيارات والمارة لقاء مبالغ زهيدة من المال وهم قانعون، والفئة الثانية هم الهواة الذين يتعلمون الصبر ويجدون متعة في مذاق السكينة، من خلال البقاء ساعات طوال بانتظار التقاط سمكة.

يقول العارفون بهذه الهواية إن المنطقة من مصب نهر أبو رقراق في المحيط الأطلسي وحتى شاطئ الهرهورة تعيش فيها أسماك يطلق عليها محليا مسميات «البوري» و«الشرغو» و«الدرعي» و«القرفوح» و«الشيليا» و«الكحيلة» و«البردع» و«الزنجور» و«الفرخ الأسود» و«الصندر». ويستعمل الصياد من هؤلاء الهواة عصى أو قَصَبة طويلة من الخيزران مع خيط طويل في رأسه صنّارة مصنوعة من الألمونيوم أو من معدن مشابه، وتجري عملية الصيد بإلقاء الخيط في الماء وفي رأسه الصنارة، وهي من أكثر الطرق انتشارا.

يقول أمين مرسة، وهو شاب في العشرينات من العمر، في لقاء معه: «أزاول صيد السمك منذ الصغر، وأشعر عند كل مرة أصطاد فيها سمكة بنشوة ومتعة حقيقية. إنني أفضل أن أمضي أوقات الفراغ مع (الصنارة) والأسماك بدلا من الجلوس في المقاهي». وحول كمية الأسماك التي يصطادها، قال مرسة: «أحصل أحيانا على عدد من الأسماك تزن بضعة كيلوغرامات، وأحيانا لا أفلح في اصطياد ولو سمكة واحدة، غير أن المتعة تبقى دائما هي الهدف، وهي ما يجعلني أمارس هذه الهواية ثلاث مرات كل أسبوع».

وعن طرق صيد الأسماك بـ«القَصَبَة» يوضح أمين مرسة: «هناك طرق وأدوات متعددة لصيد الأسماك، منها: الصيد بالشباك، وهي الأكثر انتشارا خاصة عند الصيادين المحترفين.. أو باستخدام قصبات الصيد. وبالنسبة للطعم هناك الطعوم الطبيعية الحية مثل الأسماك الصغيرة، أو الميتة مثل سمك السردين، وهناك أيضا أنواع متنوعة من الديدان التي تستخدم للصيد في الأنهار والبحيرات».

وتابع: «مثلما تختلف طرق الصيد والطعم المستعمل، تتعدد طرق التهام الأسماك للطعم، لأنه مع تعدد أنواع الأسماك، سواء تلك التي تعيش في البحار والمحيطات أو التي تعيش في الأنهار والبحيرات، تختلف وتتباين طرق الصيد والطعوم المستعملة لجذب الأسماك. وثمة قواعد متعارف عليها للصيد بالقصبة والصنارة، منها حسن اختيار الخيوط التي تربط في رأس القصبة. وكذلك الحال بالنسبة للطعم الطبيعي أو الصناعي، وكل ذلك يعتمد على نوع السمك الذي يرغب الصياد في صيده. وعادة ما يستخدم الصيادون المحترفون، وحتى هواة الصيد، أنواعا مختلفة من الطعوم، وذلك لجذب جميع أنواع الأسماك، سواء تمثّلت هذه الطعوم في الأسماك الحية أو الميتة أو الطعم الصناعي، ومن أشهر ما يستعمله الصيادون على شواطئ الرباط سمك «العومة» الذي يمتاز بألوانه الذهبية والفضية اللامعة ورائحته القوية التي تجذب الأسماك، وثمة خيار استعمال سمكة كاملة كطعم لصيد الأسماك الكبيرة أو تقطيعها إلى قطع صغيرة لصيد السمك الصغير».

والواقع أن هواية الصيد بالصنارة تتطلب عدة مهارات حتى يمكن استعمال القصبة بكفاءة تضمن الحصول على نتيجة إيجابية. وفي حال صيد بعض أنواع الأسماك ذات الحجم الكبير نسبيا، يحتاج الصياد أيضا إلى قوة بدنية وتركيز ومهارة لكي يستطيع جر السمكة وانتشالها من الماء بعد إرهاقها بحركات يجيدها الصيادون وتغيب عن غيرهم، وخاصة أن الأسماك معروفة بسرعة حركتها وقدرتها على الانسياب، فضلا عن وجود مادة مخاطية تجعلها قادرة على الانزلاق، مع زعانف شائكة، الأمر الذي يزيد من صعوبة الإمساك بها.

وتعد معرفة أنواع الأسماك وأماكن وجودها، ونوع الطعم المستخدم المناسبة لكل منها، من أساسيات صيد الأسماك. وطبقا للصيادين على شاطئ الرباط، توجد أدوات كل منها مخصص لصيد نوع معين من الأسماك، أو الصيد في مكان معين من الشاطئ.

أما أبرز مكونات الأدوات فهي «البوصة» - أو «القَصَبَة» - و«البَكَرة» - أو «الماكينة» - و«الخيط» و«الخطّاف».

«البوصة» نبات من نباتات المستنقعات المعمرة مثل القصب، وهي تتميز بالمرونة والمتانة، وكان هذا النوع يستخدم في السابق بكثرة لسهولة الحصول عليه، لكن بعد اكتشاف أدوات صناعية أخرى أصبحت «البوصة» تطلق اليوم على جميع أدوات صيد الأسماك. أما «الماكينة»، أو «بكرة الصيد»، فهي التي تساعد في رمي خيط الصيد واستعادته، وتحتوي على رافعة معدنية تعمل على انسياب الخيط من «الماكينة» عند إلقاء الطعم في الماء. وأما خيوط الصيد فخيوط ملفوفة من ألياف صناعية كمثل النايلون، وعموما تصنع هذه الخيوط بقوات تحمل مختلفة، في حين أن «الخطاف» هو القطعة الصغيرة المصنوعة من المعدن التي تخترق فم السمكة عند اصطيادها.

يقول أنس العماري، وهو صياد في عقده الثالث: «الفترة التي تكثر فيها الأمطار تكون عائقا بالنسبة للصياد، نظرا لهبوب رياح قوية وهيجان البحر، بالإضافة للبرد القارس. أما الأسماك فهي دائما موجودة، وحتى عندما تهاجر من أجل وضع بيضها، تظهر أسماك أخرى». ويضيف العماري: «الأمر كله يتعلق بدرجة حرارة المياه ورغبة الأسماك في الأكل على الرغم من الأمطار. وسبق لي الاصطياد في هذه الظروف خلال فصل الشتاء».

ويرى العماري أن أفضل أمكنة الصيد هي الأماكن المرتفعة، «تجنبا للأمواج العاتية ومصبات الأنهار، لأن السدود تفرغ المياه الزائدة، وتحمل معها الطين فيصبح معها البحر أحمر اللون يصعب معه في غالب الأحيان اصطياد أي شيء». ويفضل العماري الصيد في الأيام المشمسة حين تكون أمواج البحر هادئة. وحول أسعار الصنارات يقول إنها تتراوح حاليا بين 100 درهم (12 دولارا أميركيا) إلى 2000 درهم (250 دولارا)، «وهناك من (الصنارات) ما يصل سعره إلى عشرة آلاف درهم (1200 دولار) وغالبا ما يقتني هذا النوع الغالي من يمارسون صيد السمك كنوع من الترف».