«الشعب يريد...» غزا البيوت اللبنانية

شعار الثورات العربية أصبح متداولا بين العائلات وعلى شاشات التلفزيون

أحد الإعلانات التي رفعها «تكتل شباب الثورة» في لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

أصبح شعار الثورات العربية الأخيرة «الشعب يريد ...»، الذي رددته الجموع المتظاهرة هنا وهناك، بمثابة قول مأثور اقتحم البيوت، وكذلك الإعلانات التجارية والبرامج التلفزيونية في لبنان.

ولعل دخوله في هذا الإطار بشكل لافت وسريع يعبر عن روح الثورة الساكنة في أعماق الناس والتي وجدوا لها منفذا للخروج إلى النور، ولو عن طريق استعمالها في عباراتهم اليومية وفي لغتهم المحكية، إن في المجالس الخاصة أو في مكاتب العمل والصالونات.

فهذا الشعار المذكور صار متداولا داخل البيوت اللبنانية، بحيث صارت الزوجة تتوجه به إلى زوجها قائلة له مثلا: «الشعب يريد زيادة في مصروف البيت»، بينما يتوجه به الأولاد إلى أمهاتهم في حال اشتهوا تناول طبق معين أو الخروج في نزهة أو المطالبة بشراء قطعة ثياب، فيقولون: «الشعب يريد البيتزا، أو الشعب يريد الذهاب إلى الشاطئ، أو الشعب يريد بنطال جينز جديدا». بل حتى العاملات الآسيويات في البيوت، كما يقول أحد الطرفاء، استعملن هذا الشعار قائلات: «الشعب يريد تغيير المدام».

ناتالي أسمر، وهي ربة منزل وأم لثلاثة أولاد تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثالثة عشرة، تقول إنهم فاجأوها في أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع بكتابتهم على ورقة بيضاء من قياس الـA5 عبارة تقول «الشعب يريد تغيير أثاث غرف النوم»، وراحوا يرددونها بصوت عال معا. وكان الأولاد يتحدثون قبلا في هذا الموضوع، غير أن والدتهم أخبرتهم أن لا مجال لذلك بسبب المصاريف الأخرى الكثيرة المترتبة على والدهم. وهكذا، وجدوا في هذه الطريقة تعبيرا مباشرا عن رغبتهم وبـ«وسيلة حضارية» - كما شرحوا لها - ولا سيما، أن الأصغر بينهم يعاني القلق بسبب نومه على الكنبة وليس على السرير كما أخواه الآخران.

أما فارس شعيا، المتزوج منذ أكثر من عشرين سنة، فقد انتابه الضحك عندما وجد زوجته وولديه ينتظرونه في غرفة الجلوس وقد ربطوا عصبا على رؤوسهم وهم يحملون يافطة كتب عليها «الشعب يريد سيارة جديدة»، وذلك بعدما تعطلت سيارتهم القديمة وبات يلزمها أكثر من ألف دولار لتصليحها.

وما يحصل في البيوت مشابه لما يجري في بعض مراكز العمل، التي يعيش فيها موظفوها كأنهم عائلة واحدة. إذ عمدت إحدى السكرتيرات إلى الإعلان عن توقفها عن العمل لساعة واحدة إذا ما رفض مديرها، وهو محام، أن يوافق لها على يوم إجازة من أجل متابعة حفلة زفاف الأمير البريطاني ويليام وعروسه كيت ميدلتون على شاشة التلفزيون. ومن ثم رفعت أمامه ورقة كتبت عليها «الشعب يريد حضور زفاف الأمير»، فما كان منه إلا أن اشترى جهاز تلفزيون وضعه في غرفة الانتظار من أجل هذه الغاية.

ولأن هذا الشعار أصبح رنانا ورائجا في أوساط اللبنانيين، ارتأت بعض شركات الإعلانات التجارية استعماله في حملاتها الترويجية. ولقد بادرت إحدى هذه الشركات إلى الإعلان عن ماركة زيت عبر الكتابة على ملصقاته الإعلانية «الشعب يريد زيت زيتون صاف»، مشيرة بجانب ذلك طبعا إلى اسم المنتج الجديد من زيت الزيتون المنوي إنزاله في الأسواق.

وكذلك عمدت «جمعية الأزرق الكبير» البيئية المهتمة بنظافة الشاطئ اللبناني، إلى تنظيم «اليوم اللبناني لتنظيف الشاطئ» دعت فيه اللبنانيين من مختلف الأعمار للمشاركة فيه تحت شعار «الشعب يريد الشاطئ نظيفا... والشاطئ يريد شعبا نظيفا»، وشملت الحملة الشاطئ اللبناني بطوله من العريضة شمالا حتى رأس الناقورة جنوبا. وتوضح عفت إدريس، رئيسة الجمعية، لـ«الشرق الأوسط»، أن اختيار الشعار «جاء نتيجة لوقعه الإيجابي لدى الناس، وليحقق لفت النظر المطلوب»، موضحة أن «الجمعية أطلقته في البداية تحت عنوان (الشاطئ يريد شعبا نظيفا)، إلا أن رد الفعل كان سلبيا، فارتأينا عندها الاستعاضة عن العبارة بأخرى تقول (الشعب يريد شاطئا نظيفا) ودمجناها مع الأخرى فلاقت تجاوبا أوسع». وذكرت أن أكثر من 10000 متطوع شاركوا في الحملة التي طالت 45000 شاطئ لبناني. وفي إحدى المدارس الخاصة في جنوب لبنان، نظم التلامذة حملة ضد التدخين، مستخدمين أيضا الشعار ولكن بمحتوى آخر يقول: «الشعب يريد إسقاط التدخين»، بمحاولة منهم لمساندة قرار منع التدخين في لبنان الذي يعمل على تطبيقه قريبا. وتقول ندى الريس، إحدى تلامذة المدرسة، إن الفكرة خطرت لهم بعد تأثرهم بالشعار من خلال كثرة ترداده على مسامعهم في نشرات الأخبار التي كانت تنقل بكثافة الأحداث الجارية في بعض الدول العربية، حيث نادى المتظاهرون بهذا الشعار الذي حفظه الكبار والصغار معا، «وهكذا تحول الشعار إلى موضة» فاستعملوه في حملتهم.

حتى الإعلانات التلفزيونية لم تسلم من هذا الشعار بحيث استعمله البرنامج التلفزيوني الناقد «أخبار دوت كوم» للإعلان عن تغيير موعد عرضه من مساء السبت إلى مساء الأربعاء، مستخدما إياه على الشكل التالي «الشعب يريد تغيير التوقيت»، في إشارة إلى نقل موعد العرض بطريقة يتذكرها المشاهد حتما. وكذلك لجأ إليه أحد منظمي المعارض في لبنان والخاص بإيجاد فرص عمل لمن يهمه الأمر، فاستعمله في الحملة الإعلانية المروجة للمعرض تحت عنوان «الشعب يريد فرص عمل».

بل إن الفنانين، أيضا، تطرقوا إلى الشعار في أحاديثهم الإعلامية فذكرت الممثلة ورد الخال في حديث لها تعليقا على وضع الإنتاج الدرامي في لبنان، قائلة «الشعب يريد الدراما اللبنانية»، غامزة من قناة محطات التلفزيون التي تروج لعرض الإنتاجات غير اللبنانية في مجال الدراما.

الاختصاصية الاجتماعية الدكتورة فاطمة بدوي، ترى «أن هذا الشعار تعبير واضح عن الإرادة وعن الرغبة الدفينة الموجودتين في العقل الباطني وتحريرهما من الاستلاب». وتضيف في حديث أجرته معها «الشرق الأوسط» أن هذا الشعار «شكل متنفسا طبيعيا للجماعات، لأن كل فرد فيها أراد التخلص من القمعية والتغييب، فانطلقت من إرادته الحرة». وتستطرد: «لا شك في أن رواج هذه العبارة واستعمالها في الإعلانات التجارية أو في أي مضمار آخر يرتكز على فعل (يريد)، مما يحرك لدى متلقيها إرادة التعبير».