تونس: موسم هجرة الطيور.. إلى أوروبا

يوجد 368 نوعا من الطيور من بينها 176 نوعا مقيما وقرابة 121 نوعا مهاجرا

مجموعة من الشبان يراقبون هجرة الطيور («الشرق الأوسط»)
TT

خلال هذه الفترة من السنة تحزم الطيور أجنحتها وتخضع لأعسر امتحان كل سنة، فهي مطالبة بمرور المتوسط في اتجاه أوروبا وهي قادمة من الجنوب الصحراوي بعد أن قضت فترة الدفء في أفريقيا على أن تتوجه إلى أوروبا خلال الفترة الصيفية تتنعم هناك بلطف المناخ وتبتعد لفترات عن لهيب حرارة الصحراء.

آلاف مؤلفة من مختلف الطيور تفهم بالسليقة أن منطقة الهوارية التابعة لولاية (نابل) الواقعة على بعد 60 كلم من العاصمة هي أقرب نقطة إلى إيطاليا لذلك تحط في منطقة نابل المعروفة أيضا باسم الرأس الطيب لدفء مناخها وحلاوة العيش فيها سواء للبشر أو للطير. هناك تجد الطيور ما يكفيها من الغذاء وتسعى إلى تسمين أنفسها لفترة قد تصل الشهر قبل أن تقرر في غفلة من الناس المغامرة بالارتماء بين أحضان التيارات الهوائية على مسافة مقدرة بنحو 160 كلم عليها أن تطيرها دفعة واحدة ولا تفكر البتة في الراحة إلا على أراضي جزيرة صقلية الإيطالية من الجانب الآخر من ضفتي المتوسط.

في مثل هذه الفترة من السنة تخرج جمعيات أحباء الطيور في تونس مناظيرها وتصعد قمم الجبال المحاذية للمتوسط تستمتع بمشاهد هجرة الطيور وتحصي أنواعها وأعدادها وتحاول المقارنة بين هجرة الطيور خلال سنوات متتالية، وبعض تلك المعلومات تم تجميعها منذ عشرين سنة خلت. وتجد من بين هؤلاء من يعرف أنواع الطيور وأصنافها وطرق عيشها وتفاصيل طيرها وتعشيشها وألوانها وهم كلهم شغف لرؤية بعض الطيور النادرة التي تمر بالمنطقة كل سنة دون أن تتخلف عن موعدها المنتظر من مئات الشغوفين بالطيور.

حول هذه الظاهرة الطبيعية التي ينتظرها أحباء الطيور مطلع كل ربيع، يقول هشام الزفزاف (جمعية أحباء الطيور بالهوارية) إن قمة جبل سيدي عبيد بالمنطقة تعتبر مرصدا طبيعيا لمراقبة الطيور وهي من بين أهم المناطق التي تشهد تدفق مئات الآلاف من الطيور البديعة الأشكال والألوان. ويضيف: يمكن بداية من شهر مارس (آذار) حتى شهر مايو (أيار) من كل سنة مشاهدة تلك الأصناف العديدة من الطيور المهاجرة التي من بينها على وجه الخصوص اللقلق الأبيض والجوارح المختلفة (الساف والصقور...) والخطاف وطائر الغرنوق، وهي تسافر محلقة نحو الشمال مستفيدة من أدنى مسافة تربط بين ضفتي المتوسط. إنه مشهد بديع تتزاحم خلاله الطيور من أجل تجاوز مشقة البحر المتوسط، لذلك تعمل خلال إقامتها في جبل سيدي عبيد على ادخار أكثر ما يمكنها من الغذاء وهي تدرك أنها لن تستطيع الهبوط فوق سطح البحر أو وجود أي مصدر من الغذاء، لذلك عليها أن تتحضر جيدا لما سماه «حرب العبور»، فهي تتدرب يوميا وبشكل متواصل ربما بعد راحة في مناطق التعشيش والتوالد، وعليها أن تسترجع لياقتها البدنية استعدادا لامتحان عسير.

وتستغل جمعية أحباء الطيور جمال هذه الظاهرة الطبيعية خلال الفترة المتراوحة بين 15 و30 أبريل (نيسان) من كل سنة، لتنظم مخيما لمتابعة الهجرة الربيعية للطيور. وتضمن البرنامج لهذه السنة مراقبة حركة عبور الطيور المهاجرة وذلك من خلال متابعة يومية لفترة العبور من أعلى جبل سيدي عبيد بالهوارية. ويعمل أعضاء جمعيات أحباء الطيور على الإمساك بالبعض منها ووضع علامات هي عبارة عن خواتم في سيقان تلك العصافير وتنظيم زيارات ميدانية لبعض المناطق الرطبة وقضاء بعض الوقت في غابة دار شيشو.

ويذكر أن سكان الهوارية يقضي البعض منهم من هواة طائر الساف المعروف في المنطقة، في غابات جبل سيدي عبيد للقبض على الصقور مباشرة بعد خروجها من الكهوف وعدم اكتمال نموها بهدف تدريبها لبضعة أشهر على اصطياد العصافير المهاجرة التي تحط هي الأخرى رحالها بالآلاف. ويطلق السكان سراح تلك الطيور الجارحة بعد استعراض مهاراتها في الصيد خلال مهرجان الساف الذي يعقد سنويا خلال نهاية فصل الربيع.

وفي هذا الإطار قال علي الحيلي رئيس جمعية أحباء الطيور بالوطن القبلي (نابل) إن على سكان مناطق هجرة الطيور ملازمة الحيطة ومقاومة كل أشكال الصيد العشوائي للطيور، إلى جانب دعوة الفلاحين إلى مراجعة طرق الري الحديثة التي تستخدم فيها المبيدات وهو ما يشكل، حسب رأيه، خطرا على حياة الطيور المهاجرة التي تعبر تونس بالآلاف خلال كل فصل ربيع.

في تونس لا يسجل الملاحظون هجرة البشر فقط إلى الضفة الشمالية للمتوسط فيما يعرف بـ«قوارب الموت»، ولكن الهجرة تشمل كذلك الطيور التي ترفرف بأجنحة قوية في اتجاه الضفة الشمالية للمتوسط، وفي ذلك يتساوى الطير مع البشر في احتمال الوصول سالما أو لفظ الأنفاس بين الأمواج.

يذكر أن أنواع الطيور التي أحصيت في تونس لا يقل عددها 368 نوعا من بينها 176 نوعا من الطيور المعششة أو المقيمة، وقرابة 121 نوعا مهاجرا. ويقضي البعض منها الشتاء في تونس أو أنها تستخدم الأراضي التونسية محطة للعبور فحسب. ويذكر كذلك أن أنشطة مراقبة هجرة الطيور بشكل علمي وعملي قد انطلقت منذ أكثر من 20 سنة على أن جمعية أحباء الطيور قد تكونت في تونس منذ سنة 1975 وهي الآن تبلغ من العمر 36 سنة.