سيارة «أوبل» في شوارع الرباط.. تثير فضول المارة

صاحبها مهندس معماري وعمرها أكثر من نصف قرن

السيارة التحفة التي يعود تاريخ تصنيعها إلى خمسينات القرن الماضي (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

تلفت الانتباه في شارع محمد الخامس في قلب العاصمة المغربية الرباط، سيارة تثير فضول جميع المارة، من طراز أوبل «ريكورد» موديل عام 1958، وهي تشبه كثيرا سيارات العشاق التي يذكرها جمهور السينما العربية في تلك الفترة.

كثيرون من الذين يشاهدون سيارة الـ«أوبل» يتوقفون للتدقيق في شكل هذه «التحفة» وماركتها، وآخرون وعلى رأسهم السياح يلتقطون صورا تذكارية معها، في حين يستفسر المولعون بالسيارات القديمة، من صاحبها، بدافع الفضول عن حكاية هذه السيارة وتاريخها.

ولقد روى لنا صاحب السيارة، وهو المهندس المعماري، قصته مع هذه السيارة الشهيرة. وبدأ بالقول: «قصتي مع هذه السيارة بدأت قبل أربع سنوات، عندما اشتريتها من شخص يعمل في مجال بيع السيارات كان يعيش في ألمانيا، وكان هو الآخر مولعا باقتناء السيارات القديمة وإعادة إصلاحها، غير أنه في حالة هذه السيارة لم يكن لديه الوقت الكافي ولا القدرة على الاحتفاظ بها، ولذا فضل بيعها».

وحقا، اشترى الطاهري السيارة بمبلغ 80 ألف درهم (نحو 10 آلاف دولار أميركي)، مع أن صاحبها كان قد حدد لها سعرا في حدود 120000 درهم (نحو 15 ألف دولار). السيارة، كما سبقت الإشارة من نوع أوبل «ريكورد بي1» موديل 1958، وكان هذا الطراز أنتج في ألمانيا على غرار الطرازات الأميركية في تلك الحقبة، بزجاج خلفي «بانورامي» - ومعلوم أن «أوبل» تملكها شركة جنرال «موتورز» الأميركية، وبالتالي، تتميز السيارة بأن مرآتها الداخلية تتيح مشاهدة كل ما هو خلف السيارة أو في الجانبين، حتى من دون الحاجة إلى مرايات جانبية. ثم إنها صممت للعائلات، وكان ذلك الموديل الأكبر حجما واتساعا من طراز «ريكورد» التي تعد الأكبر حجما لذلك الحين. وكان المقعد الأمامي موحدا يمكن أن يجلس فيه ثلاثة أشخاص، وتصل سرعتها في حدها الأقصى 140 كيلومترا في الساعة. وكانت هذه هي السرعة الأكبر في السيارات العائلية الصغيرة الحجم خلال عقد الخمسينات.

من ناحية ثانية، تسير السيارة بثلاث سرعات مع ناقل يدوي، كذلك تعمل معظم تجهيزاتها يدويا بما فيها الساعة وخزان الماء الذي يساعد في غسل الزجاج الأمامي، إذ يتوجب الضغط على مضخة مرتبطة بكيس هوائي يوجد بالقرب من دواسة الرجل، حيث توجد أجهزة التحكم في السيارة، على المضخة لرش الماء على زجاج السيارة الأمامي.

الطاهري ذكر لـ«الشرق الأوسط» أيضا أنه عندما اشترى السيارة «كانت في حالة مزرية للغاية، وتتطلب إصلاحات كثيرة. كذلك كان لونها أصفر باهتا، والكراسي بنية اللون، وجميع الإكسسوارات مهترئة تماما، والإطارات بحاجة إلى إصلاحات شاملة. وتطلب إصلاحها وتحسين وضعها نحو 30 ألف درهم (نحو 3700 دولار)، بما في ذلك الاضطرار إلى تفكيك عدد من إكسسواراتها الحديدية وإعطائها لمتخصص ليصنع مثلها ويركبها مكانها». أما عن قطع الغيار، فقال الطاهري إنه لم يجد صعوبة في العثور عليها «على الرغم من أن عمر السيارة يزيد على نصف القرن، «إذ توجد محلات لقطع السيارات القديمة، يعود بعض منها للفترة الاستعمارية في المغرب، ولقد استطعت الحصول على قطع أصلية للسيارة على الرغم من أن ثمنها باهظ بعض الشيء». وتابع الطاهري أن سيارته «تعالج عند طبيب مختص» في إشارة إلى ميكانيكي مخضرم، عمل في فترة شبابه كثيرا على هذا النوع من السيارات، وبالتالي لا يجد صعوبة في التعرف على أعطابها وإصلاحها. وذكر أنه يأخذها إلى محل هذه الميكانيكي «كلما استدعى الأمر بعض الإصلاحات، كما أن الميكانيكي بدوره يأخذها إلى محله في بعض الأحيان لإصلاحها».

من جهة أخرى، يحتفظ الطاهري بمحرك إضافي للسيارة في حال حدوث عطل كبير في المحرك الأصلي، وكان قد عثر على هذا المحرك الاحتياطي عند أحد أصحاب محلات قطع الغيار المستعملة، «وكان مهملا، فاشتريته بثمن بخس جدا، وأنوي تركيبه وإعادة إصلاح المحرك الأصلي، لكي أضمن دائما وجود محرك احتياطي للسيارة».

وتفسيرا لاختياره اللونين الأسود والأبيض للسيارة، قال محمد الطاهري إنه أراد المحافظة على شكل السيارة الأصلي «لتعبر عن الحقبة الزمنية التي أنتجت فيها»، إذ إنه اكتشف بعد شرائها وعن طريق البحث أن اللونين اللذين اختارهما لها كانا، بالفعل، من الألوان الأصلية التي أنتجت بها السيارة عام 1958. وأردف الطاهري أن تجواله في شوارع الرباط بالسيارة لا يمكن أن يمر دون أن يسمع تعليقات من المارة وإشاراتهم التي تعبر عن إعجابهم بشكلها. وهو سعيد بذلك لأنه يعتقد أنه «لا توجد سيارة، بما في ذلك السيارات من أحدث الطرازات، تلفت الانتباه مثلها». ثم قال إنه لم يسبق له أن شارك في معارض أو سباقات للسيارات القديمة، ليس لأنه لا يرغب في ذلك بل لقلة درايته بهذه الأمور، إلا أنه أكد أنه إذا أتيحت له الفرصة وكان موديل وعمر سيارته يسمحان بذلك فسيشارك بالتأكيد.

وأخيرا، رجح الطاهري إمكانية بيعه سيارته - التحفة إذا تلقى عرضا مغريا من زبون يقدر قيمتها «التاريخية». وهو يدرك أن هذا النوع من السيارات باهظ الثمن، لكنه يرى أن الشغف الحقيقي باقتناء السيارات القديمة يتمثل في شرائها قديمة وإعادة إصلاحها لتصبح تحفة، وهنا تكن المتعة الحقيقية - من وجهة نظره، ولذا فهو لا يمانع في بيعها وإعادة شراء سيارة أخرى وإصلاحها لأن الأمر أصبح هواية راسخة.

بقي أن نشير إلى أن الطاهري يملك سيارة أخرى جديدة، لكنه فخور باحتفاظه بالـ«أوبل» القديمة لولعه بهذا النوع من السيارات، وهو لا يتجول بها إلا داخل الرباط، أو تستعملها أسرته أحيانا لقضاء مآرب يومية.