«معبد حوريات الماء» في دمشق.. تحفة أثرية قرب الجامع الأموي

بنى معاوية بن أبي سفيان قصر «الخضراء» على أرضه

جانب من موقع «معبد حوريات الماء» بدمشق القديمة («الشرق الأوسط»)
TT

قد لا يخطر بذهن المتجول في أسواق دمشق القديمة في قلب العاصمة السورية، وتحديدا في سوق الصاغة المجاور لسوق البزورية، أن ثمة خلف واجهة محل يتوسط السوق مَعلما لا علاقة له بالتجارة أو بالذهب أو غيرهما.

صحيح أن الباب الخشبي الواسع يوحي للمتجول بأنه ليس سوى باب دكان كتلك الدكاكين القابعة بجواره. ولكن في حال قرر الدخول من الباب، عندما لا يكون موصدا، فإنه سيرى مكانا واسعا يضج بالحفريات. وسيشاهد من المكان مآذن وقبة الجامع الأموي وواجهته الجنوبية، وسيرى بالتأكيد أناسا يتحركون في كل بقعة من هذا المكان.. منهم من يحفر ومنهم من يرسم خرائط ومخططات، ومنهم من ينظف حجارة في وعاء غسيل. هنا سيصاب بالدهشة متسائلا عما يفعله هؤلاء الأشخاص في هذا المكان؟ وما حقيقته؟

الإجابة بكل بساطة، إنه «معبد حوريات الماء».

هذا الموقع الأثري ظل مغلقا أمام العموم لسنين طويلة منذ اكتشافه قبل عقود. وتعمل فيه حاليا بعثة تنقيب وترميم من مديرية آثار مدينة دمشق، كانت قد باشرت العمل في مستهل شهر أبريل (نيسان) الماضي، ومن المخطط أن تفتتحه محافظة دمشق في أواخر صيف هذا العام، وتفتحه أمام الزوار، وذلك بعد تغطيته بواجهة زجاجية كبيرة تتيح للزائر مشاهدة ما بداخله.

أما الشبان والشابات العاملون في الموقع فليسوا إلا فريق مديرية آثار دمشق، من الخبراء والعمال، العاملين تحت قيادة الخبير صلاح شاكر، رئيس بعثة التنقيب في المعبد.

شاكر، الذي التقته «الشرق الأوسط»، شرح جوانب من تاريخ الموقع وأهميته ومكتشفاته الأثرية، فقال: «لقد أجرينا عمليات سبر تاريخي للمكان ولجميع السويات، ولقد بدأناها بالقرن العشرين، ومن ثم تعاملنا مع السويتين العثمانية والبيزنطية، والآن وصلنا للأرض الحرة أي الصخر».

وأضاف: «جاءت تسمية المعبد من الماء المقدس الذي كان يستخدم، وهو جزء من معبد جوبيتر الروماني الذي بقيت منه أعمدته، وكان مكان الجامع الأموي؟ وأهمية معبد حوريات الماء أنه المكان الأثري الوحيد المفتوح بدمشق القديمة الذي يستطيع المنقبون العمل فيه. وقد بدأت الحفريات فيه بداية سبعينات القرن المنصرم بهمة بعثة سورية - ألمانية مشتركة، وتواصلت فيما بعد بشكل متقطع، وكان آخرها من قبل مديرية آثار دمشق، وجار حاليا تأهيل الموقع تمهيدا لفتحه للزيارة واستثماره سياحيا».

وأردف شاكر: «سيشاهد السائح الأعمال الأثرية التي أنجزت في الموقع، والفترات الزمنية التي تعاقبت عليه، وكيف تحول المكان من معبد إلى مجمع سكني، وسيلحظ التحولات التي طرأت عليه. فمثلا، من الفترة المملوكية سيشاهد السائح والزائر بحرة (بركة) جميلة تعود لذلك العصر، كما سيشاهد الخدمات التي كانت ملحقة بالبيوت، ومنها الأنابيب الفخارية التي تنقل المياه من نهر بانياس الموجود بجانب القلعة، وهو أحد أفرع نهر بردى، وكيف حفرت قنوات لإيصال مياهه إلى المعبد. والمقترح أن يصار إلى تغطية الموقع بالزجاج الشفاف أو البلاستيك المقوى مع إنشاء جسور معدنية يسير عليها الزائر ليشاهد مكونات الموقع، الذي يضم سويتين معماريتين كلاسيكيتين رومانية وبيزنطية، ومعهما يرى المعبد بوضوح».

واستطرد صلاح شاكر شارحا: «ثم هناك السويات الإسلامية، وأهمها الأموية، إذ شيدت في المعبد منشآت معمارية مع بناء الجامع الأموي وبعده. ويعتقد أنه في هذا المكان بالذات كان يقوم قصر (الخضراء) الشهير العائد للخليفة معاوية بن أبي سفيان. كذلك استخدم الموقع في العصر الأيوبي كجزء من سوق الصاغة، بيد أنه ضم بيوتا سكنية ظلت تسكن حتى نهاية العصر العثماني. أما ما تبقى من الموقع حاليا – الموجود على مساحة ألف متر مربع - فأوابد معمارية تعود للفترة الرومانية، وفيها الأعمدة والأحجار المزخرفة».

وفي مجال المكتشفات التي حصلت في موقع المعبد، أوضح شاكر: «لقد اكتشفنا كسرا فخارية تعود لعصور وحضارات مختلفة، بينها لقى، نعكف راهنا على دراستها، وثمة من يعتقد أنها قنبلة ومنهم من يعتقد أنها زجاجة عطر، وهي من الفخار المزخرف. كذلك اكتشفنا لقى يعتقد أنها تظهر لأول مرة في دمشق القديمة وهي قوالب صب الذهب والفضة، كما اكتشفنا أحجارا مزخرفة وعليها نقوش كتابية».

من جهة ثانية، أوضحت فاطمة سليطي، خبيرة الآثار المصرية في جامعة قطر التي تحضر للدكتوراه في دمشق عن حي ساروجة وتشارك فريق التنقيب الأثري بمعبد حوريات الماء أعمالهم: «شاركت في أعمال التنقيب هنا منذ أيام قليلة. ودمشق في الحقيقة تعوم على بحر من الآثار. وعملي ضمن الفريق هو إعداد دراسة تحليلية لإظهار العلاقة والرابط بين معبد حوريات الماء ومعبد جوبيتر. وفي رأيي هناك رابط قوي بينهما سيظهر في دراستي المقبلة، إن شاء الله».

وعودة إلى رئيس بعثة التنقيب صلاح شاكر، فإنه حرص على التذكير بأنه وأعضاء فريقه الأثري يقومون بأعمال توثيق للموقع «عن طريق الرسوم والمخططات الطبوغرافية والهندسية وإظهار المساحات التي كانت محفورة سابقا وردمت، بحيث نحاول أن يظهر معبد حوريات الماء بالشكل الأمثل، لتتسلمه محافظة مدينة دمشق جاهزا للزيارة».