«ألوان مصرية».. مشروع يهدف إلى إعادة الجمال للبيوت القديمة

يستوحي رسومه من التراث الشعبي وسير الأبطال والشهداء

من الفنانين الشباب الذين يعيدون الجمال إلى البيوت القديمة في أحياء القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

«الرسم على البيوت».. مبادرة جديدة أطلقها مجموعة من الفنانين المصريين الشباب لإعادة الحس الجمالي للشارع المصري. تأتي هذه المبادرة في إطار مشروع «ألوان مصرية»، الذي يهدف إلى بعث روح الفن عبر تجميل واجهات البنايات القديمة والمتهالكة والأسوار الممتدة لمسافات طويلة، بما في ذلك تغيير ألوانها الباهتة إلى ألوان حضارية مشرقة تبث عند المشاهدين الإحساس باللون والجمال.

حول المشروع يقول بهاء حافظ، أحد المنظمين والمشاركين، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن المبادرة: «جاءت الفكرة عن طريق بعض المواقع على الإنترنت، كنا قد شاهدنا فيها مثل هذه النوعية من الرسوم على المباني. وأعجبتنا الفكرة جدا، وقررنا أن نباشر تنفيذها هنا في مصر باعتبارها فكرة جديدة تماما علينا».

وتابع بهاء: «هناك الكثير من المباني، سواء داخل القاهرة أو في المحافظات، تحتاج إلى أن تبدو بصورة أفضل مما هي عليه؛ فالمباني ذات الواجهات القديمة أو المتهالكة ليست بالضرورة حكرا على الأحياء الشعبية أو المناطق العشوائية بل يمكن أن نجدها في أرقى الأحياء. ثم إن تحسين وجه هذه المباني ومنحها صورة حضارية جميلة من الأمور السهلة، وليست أبدا بالصعوبة التي يتخيلها كثيرون. أضف إلى ذلك أن عملنا لا ينصب فقط على واجهات المباني، بل يشمل أيضا الأسوار والجدران الممتدة لمسافات كبيرة في الشوارع، ولقد أنجزنا - على سبيل المثال - رسوما على سور محطة مترو كوبري القبة، فاختلف شكله كثيرا عن السابق؛ إذ أضفت الرسوم والألوان الجديدة بهجة وجمالا على المكان لاحظه المترددون عليه».

واستطرد بهاء حافظ، شارحا: «لا يقتصر نطاق العمل على العاصمة، القاهرة، فقط، بل يشمل محافظات أخرى، كالإسكندرية والغربية، ونحن نسعى الآن لمد نشاطنا إلى كل محافظات الجمهورية. المشروع لا يزال في بدايته، وهو سيحتاج إلى جهد كبير لنشر الفكرة أولا ودعمها عن طريق إشراك متطوعين، علما بأن ما نفعله يعتبر عملا تطوعيا يهدف إلى تجميل مصر وإظهارها بصورة مشرقة وجذابة. حتى الآن لدينا مجموعة جيدة جدا من المشاركين في المشروع، وهم يتنوعون بين مهندسين وطلبة وخريجين في تخصصات مختلفة، وبالطبع نهدف إلى وجود أشخاص وكفاءات متعددة معنا.. إننا لا نشترط عمرا معينا أو صفات خاصة في المشاركين، كل ما نطلبه هو أن يكون لديهم الرغبة والقدرة والحماس للمشاركة، والإيمان بفكرة أن الجمال سينعكس على الجميع حينما نسعى لأن يكون في كل مكان».

بعدها أوضح بهاء أنه «من أجل تحقيق هذا الهدف، ولزيادة التواصل ونشر الفكرة بين الناس، حاولنا نشر الفكرة على الإنترنت. حقا، لاقت تفاعلا كبيرا وتقبلا لدى كثيرين، حتى إن بعضهم أصبح يمدنا بالرسوم ويقترح علينا تصاميم معينة لتنفيذها». وأردف: «كثيرون تكون لديهم الرغبة في التغيير، غير أنهم يحتاجون إلى من يشجعهم ويدفعهم نحو اتخاذ الخطوة الأولى».

وحول تمويل المشروع، أوضح بهاء أن «تمويل المشروع سيكون عن طريق التبرعات من الأشخاص المهتمين بالموضوع، وبالجهود الذاتية في المرحلة الأولى»، مضيفا: «إلا أننا نتمنى، بمرور الوقت، أن يتم دعم هذا المشروع باعتبار أنه مشروع قومي جمالي عام وليس خاصا، فنحن نرسم في أماكن يراها الناس كلهم لنشر ثقافة الجمال وتعميمها بينهم. وعندما تتعود العين على الجمال فلن ترضى عنه بديلا، وسينعكس هذا التطور الذوقي على سلوكيات الناس في الحفاظ على الأشياء والممتلكات والأماكن حولهم».

أما عن طبيعة الرسوم وكيفية اختيارها، فقد أشار بهاء حافظ إلى أنها «تعكس الثقافة والشخصية المصريتين.. فمثلا نحن نرسم معالم ومظاهر من الحضارة المصرية، وشخصيات مصرية عظيمة أثرت في التاريخ، وهذا أقل تكريم لهم حتى يظلوا في أذهان الناس. أيضا من وحي ثورة (25 يناير) نهدف إلى رسم صور شهداء الثورة، أو أبطال من (حرب أكتوبر). ونفكر في أن نرسم هؤلاء الأشخاص في المنطقة التي كانوا يسكنون فيها أو الحي الذي تربوا وعاشوا فيه، بحيث يظل سكان هذا الحي، أو هذه المنطقة، يتذكرون هذا البطل أو هذا الشهيد وفخورين به».

وعن الخصائص الجمالية للمشروع، قال بهاء: «إننا نسعى إلى مراعاة طبيعة المكان أو بيئته وثقافته عندما يتوسع المشروع؛ فالثقافة المصرية والتراث المصري غنيان جدا، ويمكن أن نقتبس منهما الشيء الكثير ليساعدنا في مشروعنا ويعكس طبيعة المكان وثقافته التي تميزه عن باقي أنحاء مصر.. فالقاهرة تختلف عن الإسكندرية، وكذلك عن المناطق الريفية، ومدن الدلتا تختلف عن صعيد مصر؛ إذ لكل منها ثقافة شعبية وحضارية متفردة عن غيرها».

من جهة أخرى، تعرب نهى، وهي طالبة في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، عن سعادتها بالمشاركة في المشروع، وتقول: «أعجبتني الفكرة؛ لأنها ببساطة تعيد الفن إلى الشارع. ثم إنني معجبة بفكرة أن يرسم الفنان في الهواء الطلق ووسط جمهور متنوع من الناس، يترقب خطوط فرشاته وألوانه بشغف عفوي جميل. صدقني لقد فرحت بكلمة سيدة عجوز قالتها لي بعدما أنهيت أحد رسومي على واجهة بيت قديم.. قالت السيدة العجوز، بعدما قبلتني: (تسلم إيديك.. دي حاجة تشرح النفس)».

نهى تقول، بفرح: إن هذه الكلمة وسام تعتز به، وتعتبرها «حافزا لمزيد من العمل، وتحدي صعوبات الرسم على جدران (مخربشة) غير مستوية، مليئة بالشقوق وفجوات الزمن».