أول مركز تجميل في السعودية يدار بـ«لغة الإشارة»

تمتلكه فتاة صماء في مدينة جدة.. كرمها «صندوق المئوية» مؤخرا

السعودية الصماء منال الأزوري لحظة تكريمها لتميز مشروعها («الشرق الأوسط»)
TT

يلفت نظر الداخل إلى أحد مراكز التجميل النسائية بمدينة جدة، في المملكة العربية السعودية، وجود فتاة سعودية لا يتجاوز عمرها 25 سنة، وهي تتواصل بثقة مع العاملات والزبونات بلغة الإشارة. إنها منال حامد الأزوري، الفتاة الصماء، التي تجاوزت إعاقتها وفتحت أول مركز تجميل من نوعه، تساعدها بإدارته أختها المصابة أيضا بالإعاقة السمعية، إلى جانب والدتها ومجموعة من قريباتها.

لا تجد منال حرجا من الجلوس في واجهة المركز واستقبال الزبونات بأريحية وابتسامة صامتة، وترى في ذلك رأسمال مشروعها الذي جاء نتيجة جهد ودراسة واستشارة ساعدتها فيها مرشدة المشروع التابعة لـ«صندوق المئوية»، فائزة نتو، وتصف فائزة نتو منال بأنها «كانت ستصبح عالة، لكنها الآن أعالت أسرتها»، بعدما استفادت من القرض المقدم لها في إنشاء مشروعها الخاص.

وعن هذه التجربة تحدثت نتو لـ«الشرق الأوسط»، موضحة أن العاملات في المشروع استطعن اكتساب لغة الإشارة من صاحبته، مضيفة: «لغة منال سهلة وواضحة، ونحن نسعى لتأهيل العاملات معها على إجادة استخدامها، خاصة أن أختها الأصغر منها صماء أيضا وتعمل معها في المشروع».

وتحكي نتو قصة البداية، في كون «منال قد دخلت، منذ مدة، في دورة تدريبية شملت نحو 40 فتاة صماء، لتعلُّم فنون التطريز والخياطة، لكن جرى استبعاد 4 فتيات لوجود مشكلات لديهن في النظر، وكانت من ضمنهن منال التي تعاني مشكلة في شبكية العين، وهنا أصيبت بحالة نفسية سيئة، وكان ذلك بمثابة الكارثة عليها».

وتابعت فائزة نتو: «هنا حادثني والد منال لإيجاد حل لمشكلتها، فأخبرته بأنني أفكر بأن يكون لها مشروع خاص، لا يعرضها للماكينات والأدوات والأمور الخطرة. وفعلا اتصلت بـ(صندوق المئوية) وعملت دراسة جدوى مبدئية، ووافق الصندوق على تقديم القرض». وعن النقلة النوعية التي تعيشها منال الآن، تقول نتو: «أصبحت ثقتها بنفسها عالية، وتحسنت معنوياتها كثيرا».

واليوم، بعد مرور 8 أشهر على افتتاح المركز، استطاعت منال أن تحقق الهدف الأول المتمثل في الوصول إلى تغطية أكثر من 50% من نفقات المشروع، الأمر الذي يبشر بالتفاؤل بأن يغطي المشروع كامل تكاليفه في غضون 18 شهرا. إلا أن مشرفة المشروع ترى أن الجودة هي التي حققت هذا النجاح، رافضة ما يمكن أن يقال عن الجانب الإنساني، بقولها: «العميلات لم يتعاملن معها بواقع التعاطف، بل الكل يسعى للحصول على خدمة جيدة. التعاطف لا يصلح إلا في جانب الصدقات، بينما الجانب الخدمي الآخر، المتمثل في التجميل، أعتقد أن الجودة هي السبيل الوحيد لاستمرار المشروع ونجاحه أو فشله».

وتشير نتو إلى أن ما ميز هذا المشروع هو جودة العمل، بالإضافة إلى الموقع المتميز الذي يحتله في جدة. وتضاف إلى هذين العنصرين مهارة الموظفات السعوديات اللاتي بلغ عددهن 5 فتيات، لا يقل راتب الواحدة منهن عن 4 آلاف ريال. وبالتالي، كرس نجاح المشروع في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى وجود فتيات ماهرات في مجال التجميل والحياكة.

تأتي هذه الخطوة لتمثل التجربة الأولى من نوعها التي تجمع بين نادي السيدات للصم بجدة و«صندوق المئوية». وينتظر أن تكون هناك تجارب أخرى مماثلة، كما تكشف نتو خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»، عن أن من ذلك مشروعين لفتاتين من الصم جرى تقديمه مؤخرا لـ«الصندوق»، الأول يتعلق بأجهزة الكومبيوتر والشبكات والتقنية، والآخر عبارة عن مشغل نسائي.

وعودة لمشروع منال، فقد عملت مرشدة المشروع كذلك على تأمين راتب لمنال من خلال شراكة «صندوق المئوية» مع صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» للمشاريع الصغيرة، بواقع 3 آلاف ريال لمدة سنتين. ومع حرص منال على توظيف سعوديات، تقول نتو: «فكرت في أنه يجب أن يتم استيعاب أسرتها، خاصة والدتها وشقيقتها وعمتها، بالإضافة إلى شقيقتها الصماء، ليكنَّ سندا لها في عملها، وهذا بالإضافة إلى حاجة المشروع إلى أصحاء للتعامل مع العملاء».

كانت منال قد خضعت لدورة في الإدارة من قبل «صندوق المئوية» إلى جانب أسرتها، وهنا تقول نتو: «فكرت في أن يكون المشروع أسريا، ليحقق الغرض المطلوب، في ظل حرص أسرة منال على انخراطها ودمجها في المجتمع؛ لذا امتاز العمل بروح التكاتف التكامل، لا سيما أن الأم تتمتع بخبرة في أعمال الحياكة، وكذلك العمة، فضلا عن الأخت المتعلمة، التي تساعد في أعمال التواصل الهاتفي والتجاوب مع الزبائن».

وبحسب بيان تسلمته «الشرق الأوسط» مؤخرا من «صندوق المئوية»، كرم الصندوق منال الأزوري؛ لكونها «أضافت قيمة للمجتمع وأوضحت الوجه المشرق لعمل ذوي الاحتياجات الخاصة، ممثلة في فئة الصم، باعتمادها مشروعا حرا مكنها وأخريات من الفئة ذاتها من الارتقاء بمستوى العمل الحر». وبالفعل، كرمها نائب رئيس مجلس الأمناء رئيس مجلس إدارة «صندوق المئوية» عمرو الدباغ، نيابة عن الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز، مستشار خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس أمناء «صندوق المئوية»، كما جرى تكريم مرشدة المشروع.

يُذكر أن المرشدة فائزة نتو حاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال، وتعتبر رافدا مهما للمشروع، وهي مؤسِّسة نادي الصم بجدة، وسبق لها الفوز بجائزة «المرأة الملهمة» في مسابقة «ألهمي غيرك» من خلال المشروع الإنساني «نادي الصم»، إلى جانب كونها تعمل محاضرة في عدد من الكليات الأكاديمية.