مشروع لتحويل بيوت دمشقية تاريخية لفنادق راقية

تحت رعاية مؤسسة «آغا خان»

تختزن دمشق القديمة آثارا فنية تستحق الاهتمام («الشرق الأوسط»)
TT

تتميز مدينة دمشق بوجود عشرات البيوت التقليدية القديمة التي صممت وبنيت قبل مئات السنين على الطراز المعماري المعروف، حيث ينقسم البيت إلى ثلاثة أقسام، وهي الحرملك والسلاملك والخدملك مع باحات وفسحات سماوية وبحرات وفسقيات ماء.

وقد عملت محافظة المدينة على استملاك أهم وأكبر هذه البيوت بغية ترميمها وتحويلها لمشاريع سياحية وثقافية، حيث يأتي في مقدمة هذه البيوت الضخمة ثلاث بيوت أشبه ما تكون بقصور واسعة وهي: «بيوت السباعي ونظام والقوتلي» الموجودة جميعها بشكل متجاور، مع وجود بناء حديث بينها قام على أنقاض بيت قديم واستثمر كمدرسة ابتدائية في حي مئذنة الشحم ما بين الشارع المستقيم وحي الأمين في المدينة القديمة.

وكانت محافظة المدينة قد عملت على ترميم بيتي نظام والسباعي قبل عدة سنوات، واستفيد منهما لبعض النشاطات والمناسبات الثقافية والاجتماعية وتصوير بعض المسلسلات التلفزيونية، بينما وضع بيت القوتلي ضمن مشروع الترميم والإصلاح.

في صيف عام 2008 خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الأمير آغا خان رئيس مؤسسة «آغا خان» العالمية لسوريا، حيث قام برفقة المسؤولين عن السياحة ومحافظة دمشق بزيارة البيوت الثلاثة، وتم الاتفاق فيما بعد على أن تتولى مؤسسة «آغا خان» تنفيذ مشروع سياحي ثقافي كبير في هذه البيوت وتحويلها لفنادق راقية بمعايير عالمية، بعد ترميمها وصيانتها مع تحويل بناء المدرسة الحديث بينها إلى مجمع تخديمي لهذه البيوت الفنادق، ومن المقرر أن ينتهي في العامين المقبلين.

وفي هذا الصدد، يشرح محمد مفضي سيفو، الممثل المقيم لمؤسسة «آغا خان» في سوريا، في تصريح صحافي له قائلا: «إن دمشق القديمة تختزن آثارا غنية تستحق الاهتمام، وقد استجابت شبكة (آغا خان) لمبادرة الحكومة السورية لدخول الشبكة لدمشق القديمة كجهة متخصصة لتعتني بالأوابد الأثرية فيها». ويوضح سيفو قائلا: «أخذنا بالاتفاق مع الحكومة السورية على ثلاثة بيوت في دمشق (نظام وسباعي والقوتلي) وكل منها له طابعه الخاص، وتم وضع دراسة فنية راقية جدا واستقدام خيرة الخبراء في العالم الذين قاموا بمشروع التوثيق، الذي شكل معلما من المعالم الحضارية في الاعتناء بالتوثيق في مدينة دمشق».

ويختتم سيفو تصريحه قائلا: «إن نية الشبكة بتقديم هذه البيوت لوضعها في الاستخدام الثقافي السياحي كمشروع رائد» مبينا أن قسما منها سيتحول إلى فندق بينما ستستخدم قاعات أخرى كقاعات مفتوحة للجميع ومعلم أثري من الآثار الموجودة في سوريا والعالم. ومن المتوقع أن تكون هذه المواقع جاهزة للعمل خلال عامي 2012 و2013.

كما كان لوزيرة السياحة السورية، لمياء عاصي، التي جالت مؤخرا على هذه البيوت للاطلاع على سير العمل وعلى المخطط التنظيمي لهذا المشروع تصريح صحافي قالت فيه إن الاستثمار في السياحة الثقافية مهم جدا، لأنه يعيد ترميم البيوت الدمشقية القديمة لتصبح قابلة للاستمرار؛ مما يحقق الهدف في الحفاظ على الأثر من أي عوامل خارجية وعوامل من الممكن أن تؤثر على استمراره. وتضيف عاصي: «هذه المواقع الأثرية هي منتجات سياحية تشد السياح من جميع أنحاء العالم».

وفي جولة على البيوت الثلاثة التي من المتوقع أن تكون قاعاتها الأرضية متاحف مفتوحة، بينما القاعات الأخرى ستكون فنادق من فئة النجوم الخمس، نرى أن بيت نظام يعود تاريخ بنائه إلى عام 1172هـ، ويتوضع على مساحة 2000 متر مربع، ويضم البيت الذي ينقسم إلى ثلاثة أقسام 26 غرفة في طابقين، مع بحرات جميلة وأرضيات من الرخام والحجر المتناوب ما بين الأسود والأصفر، ويتفرد بيت نظام بغناه بالزخارف والرسومات، ويضم قاعة تعتبر أجمل قاعة أثرية في سوريا، بسبب غناها بالزخارف والتشكيل الفني يطلق عليها قاعة العنب.

وكانت هذه القاعة مقرا للقنصلية الإنجليزية أيام العهد العثماني سنة 1880، وقد أضاف لها الإنجليز بعض الزخارف والرسومات ما زالت موجودة حتى الآن، وهي زخارف فنية أوروبية حيث نشاهد مزيجا من الفنون العثمانية والأوروبية في هذه القاعة.

وهناك شعار بريطاني أضافه القنصل الإنجليزي كما نشاهد صورة لجامع محفورة على حجر في نفس القاعة، هذا المزيج الفني لا يمكن للزائر إلا مشاهدته في قاعة العنب من كل قاعات بيوتات دمشق الأثرية، وحتى جميع البيوت والقصور التاريخية السورية، لتسمية هنا لها جاءت من الواقع فعلا، حيث تظهر كروم العنب على جدرانها المذهبة والأحجار الرخامية والصخرية المرصعة بالنقوش الرخامية والرخامية المتخمة بالألوان الجذابة التي أخفت من خلفها المرايا الرفيعة لتضفي على البصر الخدع الجمالية.

أما بيت السباعي فيعود تاريخ بنائه إلى عام 1187هـ، ويتوضع على مساحة 1500 متر مربع، ويضم 20 غرفة بطابقين وباحتين سماويتين.

وقد اشتهر في أواخر تسعينات القرن الماضي، حيث سكنه السفير الألماني لدى سوريا طيلة فترة عمله الدبلوماسي فيها، لعشقه للبيوت الدمشقية القديمة، مبتعدا عن البيوت الحديثة في أحياء العاصمة الراقية حيث يسكن السفراء المعتمدون بدمشق.

يتميز هذا البيت بقاعاته الغنية بالنقوش والزخارف والأقواس التزيينية كما كانت عليه عند بنائه قل مئات السنين، ويتميز الطابق الأرضي ببنية إنشائية قوية، لكي يحمل الطابق الثاني، والجدران مكسوة بمداميك حجرية، ويتميز البناء بالأقواس العربية والزخارف الهندسية وفن الأبلق، كما تتميز القاعات بمصبات (بحرات) صغيرة تعطيها شكلا جماليا، وهي عبارة عن مصبات للغسيل في القاعات الرئيسية، كما أن جدران القاعات مكسوة بالخشب المزخرف.

ويشابه بيت القوتلي البيتين السابقين من حيث تصميه ومساحته الواسعة وقاعاته وغناه بالزخارف والفسقيات والبحرات والخطوط العربية.