الزي الكردي التقليدي للرجال ينحسر تماشيا مع روح العصر

على الرغم من أن الكبار يجدونه مناسبا لبيئتهم

أكراد في مقهى شعبي وسط أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

حتى سنوات قليلة ماضية كان مشهد المدن في إقليم كردستان العراق يزدحم بمنظر الرجال وهم يرتدون أزياءهم التقليدية التي تتكون من غطاء الرأس والقميص الذي يكون تحت جاكيت قصير (الليلك) أو الصديري والسروال وحزام من القماش يلف حول الخصر، إذ كان يعبر المواطن الكردي بالتزامه بهذا الزي عن تأكيده لقوميته.

لكن الحال تغير اليوم، إذ إن هذا الزي التقليدي انحسر من مشهد الشارع الكردي أمام انتشار وطغيان الزي الأوروبي الاعتيادي، السروال الاعتيادي والقميص أو الـ«تي شيرت» والجاكيت، وصار قلة من الرجال مصرين على ارتداء أزيائهم التقليدية، خاصة في مراكز المدن الحظرية، مثل أربيل والسليمانية ودهوك.

ويوضح بشتيوان خوشناو، وهو من أهالي أربيل أن «تغيرات العصر ومتطلبات الحياة العصرية التي تتطلب السرعة وخفة الحركة هي التي فرضت شروطها علينا وجعلتنا نبتعد عن الزي الكردي التقليدي ونتجه إلى الأزياء الأوروبية الاعتيادية»، موضحا بقوله «فأنا مثلا أعمل في مؤسسة حكومية، وهذا يتطلب مني أن أرتدي البذلة الأوروبية والقميص ورابطة العنق، وأنا من اخترت ذلك، إذ لم يقترح علي أحد أن أتجه لارتداء هذا الزي، أو لم يفرض علي من قبل المؤسسة كشرط للعمل بها، لكنني وجدت أن هذه الملابس تتناسب وطبيعة عملي».

وبتفصيل أكثر يصف خوشناو مفردات الزي الكردي التقليدي للرجل قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «غطاء الرأس الذي يتكون من الشماغ يسمى (جامان) وشكل أو طريقة ترتيب هذا الغطاء تختلف من مدينة كردية إلى أخرى، بل من عشيرة إلى عشيرة ثانية، فنحن نستطيع أن نميز انتماء الشخص للمدينة أو العشيرة التي يتحدر منها هذا الكردي أو ذاك استنادا إلى شكل ولون غطاء الرأس، فنقول هذا بارزاني أو من عشيرة خوشناو أو زيباري أو من عشائر الجاف، ومن أسماء غطاء الرأس أيضا (جمدان) و(شدة)، أما الجاكيت الذي يوضع فوق القميص فاسمه (الليلك) بتشديد الكاف، والحزام الذي يتكون من قماش خاص يسمى (تشدين) ويتم اختيار لونه حسب لون البذلة الكردية، أما طوله فيتراوح ما بين خمسة وثمانية أمتار تقريبا ويلف عدة لفات حول الخصر، ونسمي السروال (شروال)».

وفي مقهى شعبي بشارع طيران الذي يقع في منطقة شعبية ومزدحمة تضم أسواقا كبيرة وسط أربيل، كان عدد من الرجال يسترخون في فترة ما بعد الظهر وهم يرتشفون الشاي العراقي المحلى بمزيد من ملاعق السكر، فالمعروف عن الأكراد تفضيلهم لشرب الشاي حلوا، ومن بين أكثر من 15 رجلا في هذا المقهى كان هناك اثنان فقط يرتديان الزي الكردي، أحدهم يدعى ريباز (59 عاما)، قال إن «مسألة الالتزام بالزي الكردي التقليدي لا تعني التشدد بإظهار انتمائنا القومي، ولكن الموضوع يتعلق بأذواق الرجال وطبيعة عملهم ومتطلبات العصر، فأنا مثلا أرتدي الزي الأوروبي الاعتيادي في عملي في أحد المراكز التجارية (مول) الحديثة، لكنني عندما أنتهي من عملي وأجلس هنا مع أصدقائي في المقهى أفضل ارتداء الزي التقليدي لأنه مريح بالنسبة لي ويساعدني على الاسترخاء ويتناسب مع ظروفنا الجوية، كما أن هذا الحزام (تشدين) والذي يسند ظهري بقوة يساعدني على التخلص من آلام الظهر التي تسببها ظروف عملي في المركز التجاري».

لكن مام (العم) عزيز (67 عاما) يؤكد أنه لم يتخل في يوم من الأيام عن زيه التقليدي، ويقول «منذ أن نشأت كفتى وأنا أرتدي هذا الزي، وأعتبر ارتداء الأزياء الحديثة بدعة ومسألة غير صحيحة أدخلها الشباب إلينا، فالزي الكردي صحي ويتناسب مع طبيعة بيئتنا، سواء في الجبل أو الحقل وحتى في المدينة»، مشيرا إلى أن «الزي الأوروبي يفضله البعض لأنه يساعد على الكسل».

أما هه فال (28 عاما) فيخالف رأي مام عزيز، ويقول «أنا ترعرعت وأنا أرتدي الزي الأوروبي الاعتيادي، ووالدي الذي يعمل معلما يرتدي هذا الزي طوال حياته، والنسبة الكبيرة من الشباب والكبار يرتدون الأزياء الاعتيادية لأنها تتماشى وروح العصر والمودة، ولا نشاهد اليوم في الدوائر الحكومية والمحلات التجارية والجامعات من يرتدي الزي التقليدي، وأجد أنه من السهولة ارتداء سروال الجينز والـ(تي شيرت) لأن هذه الملابس أكثر سهولة في الحركة»، مؤكدا في ذات الوقت «أن جميع الرجال الكرد، ومهما تباينت أعمارهم يحتفظون في خزانات ملابسهم بأكثر من طقم للزي الكردي التقليدي لارتدائه في الأعياد وحفلات الأعراس والمناسبات الكردية».