أبو لبن.. هجر الرياضة والتدريس وعاد إلى مهنة أبيه في تصنيع الفخار

كان حارسا لفريق الشباب لكرة القدم.. ثم حكما ومراقبا دوليا لكرة اليد

أبو لبن يعود إلى ركوب دولابه في عامه الـ63 كما كان عليه قبل أكثر من 50 عاما (تصوير: مسفر الدوسري)
TT

على الرغم من مرور عشرات الأعوام أمضاها محمد أبو لبن في الساحة الرياضية، فإنه لم يتخل عن مهنته الأولى في صناعة الفخار، حيث يشارك شقيقه الأكبر حسين في إدارة مصنعهما الخاص بإنتاج الفخار والخزف في مكة المكرمة، بعد أو ورثا هذه المهنة عن أبيهما الذي أسس المصنع منذ أكثر من 70 عاما.

وأشار أبو لبن، صاحب الـ63 عاما، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه بدأ تعلم المهنة مع والده منذ أن كان عمره 6 أعوام، حيث كان يساعده في نقل وترتيب مواد العمل، قبل أن يبدأ العمل بيديه وينطلق في عملية الإنتاج في سن مبكرة، حيث لم يتجاوز عمره حينها 12 عاما.

ابن مكة المكرمة، التحق بالسلكين التعليمي والرياضي، حيث عمل مدرسا للتربية الرياضية، قبل أن يتقاعد منها مؤخرا، إلى جانب عمله في الساحة الرياضية، التي ابتدأت بممارسة لعبة كرة القدم، واختتمها منذ 3 أعوام مراقبا دوليا لكرة اليد.

وزاول أبو لبن، ممارسة كرة القدم حارسا لفريق الكفاح في مكة المكرمة، قبل أن ينتقل إلى الرياض ويرافق الرعيل الأول من لاعبي نادي الشباب، أمثال إبراهيم تحسين والصاروخ، كحارس لفريق كرة القدم بنادي الشباب، ليتحول بعد ذلك إلى كرة اليد، حيث مارس التحكيم ونال الشارة الدولية في تحكيم مباريات كرة اليد، قبل أن يصبح مراقبا دوليا لهذه اللعبة التي تركها مؤخرا، بعد 25 عاما أمضاها في ساحة التحكيم الرياضي. المثل الشعبي القديم القائل «قديمك نديمك، ولو جديدك أغناك»، ينطبق على حال أبو لبن الذي استقر أخيرا على مهنته الأصلية التي أجادتها أنامله منذ نعومتها، بعد أن أحيل إلى التقاعد، وترك العمل كمراقب دولي لكرة اليد.

وفي الوقت الذي تندثر فيه الكثير من المهن الشعبية في السعودية، يؤكد محمد أبو لبن أن تطوير أي مهنة والارتقاء بها، هو من يضمن استمراريتها وبقاءها، مع توفير عوائد مادية مجزية، مشيرا في الوقت ذاته، إلى وجود إقبال كبير في الطلب على الفخاريات من قبل الناس، حيث لا تزال تستخدم حتى الآن في وسائل متعددة.

وتتنوع استخدامات الأواني الفخارية، حيث تستخدم كأواني حفظ للأغذية، مثل الجرة والخرس والحلول، إلى جانب أوان للطهي مثل الطنجرة والدلة الفخارية والبرمة والأكواب والصحون، وكذلك أوان خاصة بحفظ المياه وتبريدها، مثل الزير أو الحجلة، إضافة إلى استخدامها كأوان ومنتجات مختلفة كالمزهريات وأدوات لوضع المنتجات الزراعية، كما تستخدم كذلك لإنتاج المنتجات الفنية وأدوات الزينة.

وتعد صناعة الفخار، من أقدم الصناعات التي عرفتها البشرية منذ القدم، حيث استخدم لآلاف السنين بطرق مختلفة، وفي أنحاء مختلفة من العالم، كآنية للشرب والطبخ والزينة، كما كانت بعض شعوب العالم تستخدمه في صناعة التماثيل الصغيرة.

ويشير أبو لبن، إلى أن شقيقه الأكبر، عمل جاهدا في سبيل تطوير المهنة التي قامت عليها أسرة أبو لبن منذ أكثر من 70 عاما، حيث سافر إلى عدد من البلدان التي تستخدم الأواني الفخارية في مختلف أنحاء العالم، في أوروبا ومصر والمغرب وتونس وباكستان.

ويستخدم الفخار لأغراض عدة، يذكر منها أبو لبن آنية الشرب، والمزهريات، والمباخر، وأواني الطبخ المختلفة، وصناعة «الزير»، وهي الأداة المستخدمة لحفظ مياه الشرب.

وحول طريقة تحضير المواد الخام، يشير أبو لبن، إلى أنهم يستوردون الطين من مناطق خارج منطقة مكة المكرمة، وتحديدا من مناطق الرياض وحائل والقصيم، نظرا لجودة الطين المتوافر في هذه المناطق وملاءمته لصناعة الفخار، ليتم بعد ذلك خلط الطين بالماء وتركه في أحواض خاصة بعد إضافة بعض المركبات الكيميائية، لتدخل المكونات في مرحلة التخمير التي تستغرق يوما كاملا إلى ثلاثة أيام.

وبعد انتهاء مرحلة التخمير، يتم استخدام عجينة الفخار لتشكيل عدد من الأواني بشكلها النهائي، وذلك إما بالطريقة اليدوية القديمة، التي يجيدها كثيرا أبو لبن، وإما عبر الطريقة الآلية التي تختصر الكثير من الوقت والجهد. وفي هذه المرحلة، التي يكون فيها تشكيل الآنية الفخارية، تتم العملية اليدوية عبر استخدام ما يعرف بـ«الدولاب»، وهو أداة يجلس عليها صانع الفخار، بحيث يستخدم ساقيه في تحريك عجلة مرتبطة بالقاعدة التي توضع عليها الآنية الفخارية، ويربط فيما بين العجلة والقاعدة بحزام دائري متحرك، على أن تتحرك الآنية الفخارية على مستوى أفقي بناء على حركة القاعدة المرتبطة بالعجلة. هذه الحركة الدائرية، تعطي الصانع الذي يستخدم الدولاب، القدرة على تشكيل الآنية الفخارية بالطريقة الملائمة، إلى جانب تزيينها وزخرفتها بعد الانتهاء من تشكيلها.

وبعد انتهاء مرحلة التشكيل والزخرفة، تبقى هذه المنتجات فترة تتراوح ما بين 24 إلى 48 ساعة، لضمان جفافها قبل أن تدخل الفرن الذي يعد المرحلة الأخيرة من مراحل صناعة الفخار، حيث تأتي أهمية الفرن في أنه يمنح منتجات الفخار القوة والصلابة لضمان جودته للاستخدامات المتعددة التي تستخدم فيها الفخاريات.

ويشير أبو لبن إلى أن طريقة تشغيل الفرن القديمة، كانت تعتمد على حرق الأخشاب ونشارتها، قبل أن تدخل الأفران الكهربائية في هذا الحيز، إلى جانب الأفران التي تعمل على «الديزل»، مما أعطى الأفران كفاءة أعلى، حيث منحت التقنيات الحديثة تحكما تاما في ضبط درجات الحرارة، الأمر الذي ضمن جودة أكبر للمنتجات الفخارية.