«الفاليه باركينغ».. خدمة يمتاز بها لبنان عن الدول المجاورة

هدفها تأمين الرفاهية والدلال للزبائن

المنافسة بين أصحاب المحلات لا تقتصر فقط على نوعية العمل التي تقدمهما بل أيضا على الرفاهية التي تؤمنها للزبون («الشرق الأوسط»)
TT

«انتبه على السيارة» هي العبارة الشهيرة التي يتلفظ بها المواطن اللبناني لا شعوريا لـ«الفاليه باركينغ»، أو الشخص الذي يقدم خدمة ركن السيارة، عندما يترجل من سيارته ويسلمه مفاتيحها كي يؤمن لها الموقف. فعلى الرغم من أن السيارة تعتبر من الممتلكات الحميمة عند اللبناني، فإنه يتنازل عنها بكل طيب خاطر لشاب «الفاليه باركينغ» من دون معرفة سابقة، توفيرا للوقت ورغبة بالتمتع ببعض الدلال والرفاهية بعد يوم عمل طويل وشاق.

هذه الخدمة التي انتشرت في لبنان منذ نحو 10 سنوات تعتبر - على الأرجح - الوحيدة من نوعها في العالم العربي، كونها لا تقتصر على الفنادق والمطاعم فقط، بل تشمل مجالات أخرى كالمحلات التجارية على أنواعها، وكذلك المقاهي وصالات السينما وأندية الرياضة ومراكز السباحة على طول الشاطئ اللبناني وغيرها.

يقول جان شديد، صاحب أحد صالونات الحلاقة في حي الأشرفية، بشرق بيروت، إنه اضطر للجوء لهذه الخدمة عندما لاحظ تذمر زبائنه من صعوبة إيجاد موقف لركن سياراتهم بسهولة في هذه المنطقة المزدحمة. ورأى شديد أن «المنافسة اليوم بين أصحاب المحلات المشابهة لمحله لا تقتصر فقط على نوعية وجودة العمل التي تقدمهما بل أيضا على الرفاهية التي تؤمنها للزبون، بدءا من تأمين مواقف السيارات، وصولا إلى توفير الهدوء وكل ما يسهم في استرخائه، من موسيقى كلاسيكية أو كوب «كابوتشينو» أو «تدليك الأكتاف».

أما غالب يعقوب، وهو صاحب مقهى القزاز في ضاحية انطلياس، شمال شرقي بيروت، فيوضح أن «الفاليه باركينغ» راجت في لبنان «بعدما غدا متعذرا على الناس إيجاد مواقف يركنون فيها سياراتهم عندما يقصدون مكانا يمضون فيه سهرتهم.. فجاءت هذه الخدمة لتوفر عليهم حرق الأعصاب والوقت».

ويتباهى اليوم بعض أصحاب المقاهي والمطاعم في ركن السيارات الفخمة أمام مداخلها للدلالة على المستوى الرفيع للزبائن الذين يقصدونهم، وبالتالي، يجذبون، حسب رأيهم، نسبة أكبر من هذه الشريحة الثرية.

هذا، ويعتبر محمد مزيد، المعروف بـ«أبو إبراهيم»، أحد اللبنانيين الأوائل الذين أسهموا في انتشار خدمة «الفاليه باركينغ» في البلاد، وذلك عندما كان يافعا في الـ18 من عمره، ويعمل لدى مصطفى يونس، الذي كان بدوره يعمل لدى آل نادر في مسبح السان جورج عام 1989 ويهتم بركن سيارات رواده. ويتذكر أبو إبراهيم تلك الحقبة قائلا: «كنت أحمل لافتة من كرتون كتب عليها (باركينغ) وأنقلها من سيارة إلى أخرى أمام المسبح وأحصل بالمقابل على 1000 ليرة كأجر لي على كل سيارة أركنها». ويضيف: «عندما أحيل مديري إلى التقاعد تسلمت إدارة هذا العمل وقمت بأعمال أخرى إلى جانبه، منها ناطور بناية وعامل في محطة وقود. لكن عام 1991 قررت أن أوسع عملي هذا، فتسلمت موقف سيارات لمربع (كاراكاس إن) بغرب بيروت، وبعدها كرت السبحة.. وصرت مشرفا على موقف (الهارد روك كافيه) في منطقة الرملة البيضاء عام 1995. ومن ثم صرت أؤمن مواقف السيارات لبعض المطاعم المحيطة به مثل (لابلاج) و(الماك دو)، وكان ذلك بمثابة تحدٍّ جديد لي، لا سيما أن هذا الأخير كان يشهد زحمة سير خانقة من قبل رواده الذين كان بعضهم لا يتردد في إلغاء طلبيته بسبب ذلك».

وعام 1999 دخل أبو إبراهيم عمل «الفاليه باركينغ» من بابه العريض، عندما اختار شارع مونو، بشرق وسط العاصمة، ليكون انطلاقته الحقيقية في هذا النوع من العمل من خلال الـ«سيركوس»، أحد أشهر مراكز السهر في تلك الحقبة. ولأنه يؤمن بأن الأرزاق تأتي وفق العتبات ما زال أبو إبراهيم، حتى اليوم، يدير موقف «الهارد روك كافيه»، مع أن عدد زبائنه قل بالمقارنة مع الماضي، بسبب المنافسة الشديدة التي يواجهها من مطاعم أخرى. أما مكتبه، الذي يقع في منطقة البسطة، غرب وسط العاصمة، فقد رفض أيضا التخلي عنه على الرغم من بساطة الحي الذي يقع فيه؛ لأنه، كما يقول «يمثل بالنسبة لي محطة من أهم محطات حياتي.. فقد ولدت وتربيت فيه، ويعود هذا العقار لأهلي منذ 103 سنوات».

حاليا يعتبر أبو إبراهيم أحد أبرز أصحاب الشركات التي تؤمن خدمة «الفاليه باركينغ»(VPS) وقد نظمها بشكل لافت، خوله الحصول على شهادة «الأيزو» التي تعطى حسب معايير عالمية للمؤسسات والشركات تنويها بمستوى الجودة والكفاءة اللتين تتميز بهما في تنفيذ العمل. ويعلق أبو إبراهيم على الشهادة قائلا: «أفتخر بهذه الشهادة، خاصة لأنني شخص غير متعلم، بالكاد دخلت المدرسة، وعندما خضعت للامتحان الخاص بها رفضت إلا أن أتكلم بالعربية؛ لأنها لغتي الأم.. ولأنني في الحقيقة لا أجيد غيرها». لكن في المقابل، حصن محمد مزيد نفسه بأولاده المتعلمين، فجعل كلا منهم صاحب اختصاص معين، فدرست زينب إدارة الأعمال وإبراهيم المحاسبة، بينما تتخصص مريم في المحاماة.

اليوم توسعت أعمال أبو إبراهيم لتشمل أكثر من 40 نقطة تجارية في بيروت. ومن أحدث انشغالاته: تأمين «الفاليه باركينغ» لحفل المغنية العالمية شاكيرا التي شاهدها نحو 20 ألف شخص في مركز «البيال»، بوسط بيروت، وتطلب منه ذلك تحضيرات مسبقة استغرقت 20 يوما، وجند لها 50 موظفا.

وحسب أبو إبراهيم، فإن الصدق والنظافة والهدوء وتقبل الآخر هي أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها شاب «الفاليه باركينغ». ويخضع الشخص المتقدم للحصول على هذه المهنة لفترة تدريب تصل إلى 3 أيام تجري خلالها مراقبة قيادته للسيارة وتصرفاته ومدى أمانته، ولا بد أن يكون حاصلا على رخصة قيادة ويتمتع بسجل عدلي نظيف، فلا يكون صاحب أي سوابق مخالفة للقانون. ويتلقى «الفاليه» أجرا شهريا ثابتا يتراوح بين 600 و700 دولار أميركي، علما بأن معظم هؤلاء الشبان يمارسون مهنة أخرى أساسية، فتكون خدمة «الفاليه باركينغ» مهنة إضافية إلى جانبها. أما الأرباح التي تحصدها شركات «الفاليه باركينغ» فيجري الاتفاق عليها بينها وبين أصحاب المؤسسات العاملة معها، وتتمثل في اقتسامها بنسبة تتراوح بين 40% و60%. وعادة ما تقع مسؤولية إيجاد الموقف لركن السيارات على شركة الخدمات التي تبلغ تكلفتها نحو 3000 دولار في اليوم. أما التسعيرة المتبعة حاليا كأجرة السائق «الفاليه» فهي 5000 ليرة لبنانية، بينما ترتفع في الفنادق لتصل إلى 10 آلاف ليرة لبنانية. كما يتم تقديم ضمانات رسمية وقانونية من قبل شركة الفاليه إلى المؤسسة المعنية بالخدمة حول أعمال السرقة وحوادث السير، بحيث تلتزم بتكبد تكلفة أي خسارة تقع في هذا الإطار.

وحاليا، يصل عدد الشركات التي تؤمن هذه الخدمة في لبنان إلى 20 شركة تتنافس على حصد أكبر عدد من الزبائن، على الرغم من أن بعض الاتفاقات الضمنية تحصل أحيانا فيما بينها لتحاشي تعدي إحداها على عمل منافستها، فيتم الإعلان عن تقاسمها المناطق المحددة في نطاق عملها.