معرض الزهور الأشهر في العاصمة التونسية تونس، الذي انطلق يوم 28 مايو (أيار) الماضي ويختتم بعد غد، كان هذا العام مختلفا عن كل المعارض السابقة، ولم يكن أفضل من الزهور للاحتفال بدخول البلاد عصرا جديدا، وما بالعهد من قدم. فالزهور التي كانت تتكلّم وترحب بالزائرين، ألوانها باتت مختلفة عن المألوف، وفي هذه الحالة العين تعشق قبل الأذن، بل إن ملامح الزائرين ونظراتهم إلى الزهور أضحت كذلك متباينة عن السنوات الماضية.
في السابق كانت المشاركة عبارة عن تسجيل حضور يكاد يكون إجباريا، أما الآن فإن عرض الزهور يكتسب علاقة أخرى أكثر حميمية بنباتات أبدع الخالق في تصويرها. لون بنفسجي تكاد تعجز ريشة الفنانين عن رسمه، وشموخ يبدو على بعض الزهور تحتار في مأتاه، ولكن الأكيد أن معرض الزهور لمدينة تونس جاء مختلفا تماما عن دوراته السابقة: حبق، قرنفل، مسك الليل، وعنبر... كانت معروضة على أنظار التونسيين والسياح يكتشفون ما توارى عن مخيلتهم لسنوات.
حول هذا المعرض قالت صفاء رمضان، إحدى المشاركات: «العائلة التونسية أصبحت تهتم بحديقتها الخلفية وتقتني لها أفضل أنواع الزهور والورود والنباتات، المتسلق منها والعاكف على وجه الأرض. وباتت بعض الأنشطة المنزلية تتكرّر لدى أفراد العائلة، وهو ما يعطي انطباعا بأن مستقبل الزهور لا يمكن أن تعترضه عراقيل».
صفاء عرّفتنا على النبتة العجيبة التي تضمنها معرض الزهور لمدينة تونس، والتي يطلق عليها اسم «عصفور الجنة»، فقالت: «إنها قادمة علينا من أفريقيا الجنوبية، وهي تفرز زهرة عجيبة تتوزّع بين اللون الأبيض واللون الأسود». وأردفت: «إن التونسيين، وخصوصا من مالكي الحدائق المنزلية الكبرى، يحبّذون شجرة (عصفور الجنة)، صاحبة الزهرة التي تتواصل متفتحة طوال فصلي الربيع والصيف، إذ تضفي هذه النبتة رونقا خاصا على الحديقة بزهراتها الأربع أو الخمس في بعض الحالات». هذه الشجرة «العجيبة»، كما تقول صفاء، تعيش طويلا وسعرها مقدر بنحو 450 دينارا تونسيا (نحو 321 دولارا أميركيا).
وحين مررنا بالمشارك عادل البلحي وجدناه منهمكا بزهوره، يقلب التربة على واحدة منها ويحاول تسوية زهرة أخرى، بحيث تغري طريقة عرض الزهور الزائر بالشراء. سألناه عما إذا كانت طريقة تعامله مع الزهور تتسم بالعدل والقسطاس أم أنه يخير البعض منها على الآخر؟ كان السؤال مفاجئا لعادل، ولعله تعود لسنوات على سؤال: «بكم هذا المحبس؟ وما سعر تلك النبتة؟»، أما أن يُسأل عن النبتة المحببة لديه فذاك باغته. مع ذلك أجاب أنه يحب نبتة الفلّ «لأنها صعبة المراس منذ بداية الإنبات وإلى غاية أن تستوي واقفة على ساقيها»، كما قال. وتابع عادل البلحي شارحا: «إنها تتأثر بالطقس ويؤثر عليها الهواء، وهي لا تحتمل الهواء البارد، تماما مثل البشر. إنها قريبة مني لكن هذا لا يعني أنني لا أهتم ببقية زهوري». واستطرد مازحا: «أتريدهم أن يثوروا علي ويطيحوا بي من أعلى عرشي؟»، قال ذلك وهو يغمز بطرف عينه في إشارة إلى علاقة ما قاله بمواضيع سياسية لم يكن يجرؤ في السابق على مجرد التفكير في الخوض فيها.
وقدم لنا عادل البلحي ملحوظة بدت لنا غريبة بعض الشيء، فقد أكد لـ«الشرق الأوسط» أن النباتات التي تستخدم كحواجز بين الجيران ازداد عليها الطلب خلال الدورة الجديدة من المعرض. وفسّر ذلك، على ما يبدو، بما «أفرزته الثورة من مشكلات بين الناس، وهو ما جعل الكثير منهم يميلون إلى غراسة نباتات تعزلهم عن أعين الجيران وعن كل عين تودّ أن تعرف ما يدور هناك وراء الحيطان والأسيجة». وعن مدى إقبال الزائرين على الشراء قال عادل إن الأسعار في متناول كل الناس، وكل واحد يشتري ما يناسب جيبه، والأسعار تبدأ من دينار تونسي واحد وتبلغ حدود 1500 دينار.
وفي ركن آخر من المعرض قابلنا بسام الملولي، الذي عرض علينا مجموعة من النباتات المستوردة من هولندا، وأكد لنا أن مهنة بيع الزهور «لا يمكن أن تكون مهنة فقط، وإلا فإنها تفقد الكثير من رونقها». وأعطى الملولي بُعدا فلسفيا لمسألة غراسة النباتات والإكثار منها قائلا: «إننا نخدم الطبيعة ونحافظ على النسل... من زهور وورد ونباتات حتى لا تضمحل وتنقرض، ولكم أن تتصورا العالم دون زهور». وعرّفنا الملولي بزهرة اسمها «دراسان دراكانيا»، وهي من النباتات الزينة الداخلية، وقال إنها شجرة معمّرة قد تعيش ربع قرن إذا ما لقيت العناية الكافية، أما سعرها فهو يتماشى مع عمرها، وتبدأ التسعيرة من 5 دنانير تونسية (نحو 3.5 دولار) لتصل إلى حدود 250 دينارا تونسيا (قرابة 178 دولارا).
أما ساسي الضعيفي، وهو عون بلدي يسهر على المعرض، إن كثرة من الزائرين اشتروا النباتات الطاردة للناموس والحشرات من قبيل القرنفل والعبق، وأسعارها لا تزيد عن دينار تونسي ونصف (نحو دولار أميركي واحد)، وأرجع السبب إلى كثرة الأمطار في تونس خلال فصل الربيع، «وهو ما سيؤثر على درجة وجود مثل تلك الحشرات التي تقلق راحة التونسيين خلال فصل الصيف».