«القطف المستدام».. مشروع لبناني يهدف إلى تنظيم قطاف النباتات البرية

يهدف إلى توعية المزارعين وبيع محاصيلهم إلى الجهات المتخصصة لإدخالها في منتوجاتها

جمع «الزعتر» و«القصعين» في أرياف لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد السوق اللبنانية منذ سنوات عدة حملات ترويجية لاستخدام النباتات - والأعشاب بشكل عام – ويقف خلف هذه الحملات الشركات الخاصة التي يعمل عدد كبير منها خارج الأطر القانونية والطبية أو العلاجية المسموح بها. ولقد حولت بعض هذه الشركات النباتات إلى تجارة مربحة وغير منظمة تدر عليها أموالا طائلة على حساب صحة المواطن، وأيضا على حساب المحافظة على الثروة النباتية التي يبدو أنها في طريقها إلى الانقراض ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من عشوائية عملية قطافها.

في هذا السياق جاء مشروع «القطف المستدام»، ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ليكون الخطوة الأولى في تصحيح هذا الواقع الشاذ في لبنان، عبر العمل مع أهل القرى من جهة، ومع الشركات التي تحرص على الاستفادة من هذه النباتات بطريقة سليمة.

وبالتالي، تحت عدة عناوين وأهداف تتصل بالبيئة والطبيعة والصحة، جاء مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالتعاون مع شركة «كرافت فود» العالمية للأغذية، ليركز على إدخال مفاهيم إدارة التنوع البيولوجي في عملية تصنيع المنتوجات الطبية والعطرية في لبنان، وليتولى مهمة تنظيم قطاف النباتات البرية.

كانت خطوة المشروع الأولى على الأرض مع شركة «خان الصابون» في مدينة طرابلس، عاصمة شمال لبنان، حيث ستعتمد شركة «كرافت فود» على تأمين خبراء في مجال استخراج الزيوت وتصنيع منتوجات صحية، ليساهموا في بناء القدرات البشرية، ولا سيما في المناطق اللبنانية الغنية بهذه النباتات، للشباب الذين يبدون اهتمامهم للاضطلاع بهذه المهمة.

وتشرح مايا عبود، مديرة المشروع لـ«الشرق الأوسط»، قائلة: «بدأنا بمشروع إدخال مفاهيم إدارة التنوع البيولوجي من خلال الشراكة مع مؤسسة (خان الصابون) التي تستخدم النباتات العطرية والطبية في صناعة الصابون ومنتوجات العناية بالبشرة والشعر، بحيث تكون صلة الوصل بين القطافين والمستهلك. وتهدف هذه الشراكة إلى تشجيع المؤسسة على شراء المحاصيل التي تجمع وتقطف بطريقة مستدامة وبناء قدراتها التصنيعية، كما سيجري تسويق المنتج بـ(علامة تجارية) تبين أنه حصيلة عمليات قطف مستدام وأنه طبيعي وعضوي. لكن هذه الشراكة لا تقتصر فقط على هذه المؤسسة، بل إن نشاطنا وترويجنا لهذه النباتات في طور التوسع نحو مؤسسات أخرى في لبنان والخارج لأننا نعمل على تصدير هذه المنتوجات».

وتلفت عبود إلى أن هذا المشروع، التابع - كما سبقت الإشارة - لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي بدأت تنفيذه مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية منذ سنتين، «يهدف بالدرجة الأولى إلى المحافظة على 7 أنواع من الأعشاب ذات أهمية عالمية تعد مهددة بالانقراض، وفي حين أن القطف البري للنباتات الطبية والعطرية يشكل مصدر دخل مهما لعدد كبير من العائلات اللبنانية، فإن هذه النباتات تواجه أخطارا عدة أهمها القطف بطريقة عشوائية مما يؤدي إلى فقدان هذه النباتات سنة بعد سنة».

من ناحية أخرى، لبنان معروف بأنه بلد غني بالتنوع البيولوجي، وهو يضم نحو 2600 نوع من النباتات، منها 365 نوعا ذات أهمية طبية وعطرية لا يزال وجودها ملحوظا في المجتمعات اللبنانية. وهنا تشير عبود إلى «أن الدراسات التي نفذت في نحو 160 قرية لبنانية، أظهرت مدى غنى أرض لبنان بأنواع مختلفة ونادرة من النباتات، إلا أن الخطوة الأولى من مشروعنا سيرتكز على قطاف نوعين من النبات هما (الزعتر/ الصعتر) و(القصعين) - أو (المريمية) - في 4 مناطق فقط هي مجدلا في عكار بشمال لبنان، وأصيا في البترون (أيضا بشمال لبنان)، وحصارات في جبيل بجبل لبنان الشمالي ومرستي في الشوف بجبل لبنان الجنوبي. وسيصار بعد ذلك إلى توسيع الدائرة لتشمل عددا أكبر من المناطق».

وتضيف مايا عبود «وفي أعقاب بيع محصول القطاف إلى (خان الصابون) وبعض المؤسسات اللبنانية الأخرى سيباشر بالاستفادة من الأعشاب المقطوفة من خلال استخراج الزيوت منها لإدخالها في صناعة منتوجات طبية وعطرية مرخصة وبجودة عالية».

وتشير عبود إلى أن «العمل مع وزارة الزراعة، الجهة المسؤولة عن تنظيم هذا القطاع يجري عبر المساهمة في وضع مشاريع قوانين لتنظيم هذا القطاع وما يتصل به، من ضرورة الحصول على التراخيص، والخضوع لمعايير محددة لتأمين حقوق القطافين والحفاظ على الموارد الطبيعية على المدى الطويل»، وتضيف «هذا الأمر سيساعد فيما بعد، ليس فقط في المحافظة على التنوع البيولوجي، بل سيؤثر أيضا إيجابيا على أوضاع القطافين المعيشية، وأساليب الزراعة الجديدة التي تعززها هذه المبادرة المبتكرة، وستحافظ في الوقت نفسه على وجود هذه النباتات المهمة في البرية».

من جهة ثانية، يلفت بدر حسون، صاحب «خان الصابون»، إلى أهمية البرنامج «الذي تستفيد منه كل الأطراف المشاركة، من المزارعين إلى المؤسسات، ولاحقا المستهلك، الذي سيتمكن من الحصول على منتوجات مصنوعة من نباتات ومزروعات خالية من المواد الكيميائية مثل الصابون الطرابلسي التراثي والعطور والمستحضرات والزيوت الطبيعية، وهي ستكون ضمن المنتوجات التي يبلغ عددها 1400 صنف والتي ستعرض وتباع في القرية التابعة لـ(خان الصابون) والمقرر افتتاحها قريبا في طرابلس».