مكتبة في فاس متخصصة في بيع الأرشيفات للطلاب والباحثين

قصاصات متنوعة.. من تقارير البنك الدولي إلى المخدرات والتهريب والسجون

محمد تيتو يعمل داخل مكتبته في فاس (تصوير: أحمد العلوي المراني)
TT

يقول محمد تيتو (56 سنة)، صاحب مكتبة «آيت باعمران»، في مدينة فاس، في المغرب، إن انتشار الإنترنت لم يؤثر على مبيعات مكتبته، التي تخصصت منذ 17 سنة في بيع نسخ قصاصات لمواد أرشيفية سبق لها أن نُشرت في مختلف الصحف والمجلات المغربية والعربية والأجنبية، باللغتين العربية والفرنسية وبسعر بخس. ويتابع صاحب هذه المكتبة الفريدة من نوعها: «إن المواضيع التي لها علاقة بالفقر والبطالة والعمل هي الأكثر رواجا هذه الأيام».

تقع مكتبة «آيت باعمران» في حي «الليدو»، القريب من كليتي العلوم والآداب في فاس، وتعد سوق «الليدو» أكبر سوق لبيع الكتب المستعملة في المدينة، كما تعد هذه المكتبة الفريدة من نوعها المكتبة الوحيدة في المغرب التي تبيع نسخ مواد صحافية.

تيتو، الملقب بـ«آيت باعمران»، وهو الاسم الذي تحمله المكتبة، قال لـ«الشرق الأوسط»، خلال لقائها معه: «وردت إلى ذهني فكرة بيع نسخ المواد المنشورة في كل الصحف عام 1994، حين طلب مني أحد الزبائن معطيات حول (اتفاقية الجات) التي وقعت في مراكش وأسست بموجبها منظمة التجارة العالمية. يومذاك لم يكن لديّ أي مقال أو وثيقة حول ذلك الموضوع، فحاولت البحث عنه، إلى أن حصلت على تقرير مفصل نشر حول ذلك المؤتمر في مجلة (جون أفريك)، التي تصدر بالفرنسية من باريس، ومنذ ذلك الوقت بدأت في جمع مثل هذه المواد وتصنيفها تبعا للمواضيع وبيع نسخ منها للطلبة والباحثين».

وأضاف محمد تيتو: «المواضيع التي أجمعها تعرف إقبالا لافتا من طرف الطلبة والباحثين، ولقد لاحظت أن المواضيع الأكثر رواجا هي تلك التي تتعلق بقضايا اجتماعية. وأنا أتولى شخصيا تصنيف المواضيع، إما بمبادرة مني أو استنادا إلى استفسارات الزبائن»، واستطرد قائلا: «وتتنوع مواضيع المواد بحيث تشمل جميع الميادين والتخصصات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية. وتبيع المكتب الصفحة الواحدة المنسوخة (فوتوكوبي) من أي مادة بسعر يقل عن درهم واحد (الدولار الأميركي يساوي ثمانية دراهم)، وهو السعر نفسه بالنسبة لجميع المواضيع مهما كانت أهميتها».

ويصنف تيتو مواضيعه، وهي بالعشرات، على ملفات. ويتراوح عدد المواد التي يتضمنها كل ملف ما بين 50 موضوعا إلى 200 موضوع. ومن بين المواضيع التي تحتفظ المكتبة بمقالات حولها باستمرار: «قانون الصحافة»، و«قضايا المرأة والطفل»، و«الفقر»، و«الجوع»، و«المخدرات»، و«الإنترنت»، و«الجفاف»، و«التسول»، و«التهريب»، و«التغذية»، و«العالم الثالث»، و«تقارير البنك الدولي»، و«المؤتمرات الدولية»، و«الأمية»، و«الاتحاد الأوروبي»، و«اتحاد المغرب العربي»، و«السجون».. إلخ.

وأوضح تيتو أن بعض باعة الصحف والكتب يقومون بهذه العملية، لكنهم لم يتمكنوا بعد من إعداد قصاصات لجميع المواضيع، والبحث عنها في معظم الصحف والمجلات وتصنيفها أرشيفيا بطريقة سليمة.

الجدير بالذكر أن تيتو يتحدر من منطقة سيدي إفني (جنوب المغرب)، وفي سياق كلامه، روى بدء علاقته بمهنته، فقال: «جئت إلى فاس عام 1972، وعملت في البداية بائع مواد غذائية في أحد الدكاكين بحي قزديري، وهو جزء من ثكنة عسكرية في فاس. وبما أنه قريب من كليتي الآداب والعلوم في فاس، كان معظم زبائني طلابا، وبقيت أعمل في ذلك الدكان إلى حدود عام 1993».

وأردف: «بعد 11 سنة في مهنة البقالة قررت أن أغيرها إلى مهنة أخرى، إدراكا مني أن البقالة ستبقيني في دائرة ضيقة ومهمشة معرفيا. وعندها فكرت بفتح مكتبة صغيرة متواضعة لبيع بعض المقررات الدراسية والصحف، واخترت مكانا قريبا من كليتي الآداب والعلوم، وكان هدفي الأساسي الاطلاع على أخبار العالم عبر بيع الصحف والكتب». وحقا استطاع تيتو، بمستواه الدراسي البسيط الذي لا يتعدى السنة الثانية من التعليم الثانوي، أن يجعل من مكتبته الصغيرة في أحد الأحياء الشعبية، التي تشهد حركة دؤوبة للطلبة وباعة الكتب المستعملة - أي حي الليدو - مؤسسة فريدة من نوعها بين المكتبات والقرطاسيات. وبالتالي، بعدما أدخل عليها بعض التغييرات بناء على رغبة الزبائن، غدت مغايرة للمكتبات العادية؛ فقد أخذ يؤمن لزبائنه، بخلاف ما يفعله منافسوه، مواد متنوعة من أرشيفات الصحف العربية والأجنبية وبأسعار جد بخسة، وهو يقول هنا معلقا: «مداخيل المكتبة متواضعة، لكن يبقى الهدف الأسمى لدي هو نشر المعرفة وتوفيرها للجمهور بأسعار مناسبة تشجعهم على المطالعة».

وفي فترات العطل، حين يقل الإقبال على مكتبة «آيت باعمران»، ويتراجع الطلب على المواد الصحافية المنسوخة، يفضل تيتو أن يستغل هذه الفترات في البحث عن مواد من صحف ومجلات مختلفة لتكون جاهزة بعد العطل. وفي هذا السياق يوضح أن لديه زبائن متابعين ومهتمين يطلبون بعض الملفات والمواد الصحافية، ويتصلون به هاتفيا إذا سألوا عنه ولم يجدوه في المكتبة، ويشير إلى أن هؤلاء ليسوا فقط من الطلاب والباحثين بل يشملون أيضا بعض الكتاب والأدباء وآخرين يأتون إليه من مختلف المدن المغربية.

وحول المواضيع الرائجة أكثر من غيرها في هذه الفترة بالذات، قال تيتو: «موضوع الإرهاب هو أحد المواضيع الأكثر مبيعا هذه الفترة، وخاصة المواد التي نشرت حول موضوع تفجيرات 16 مايو (أيار) في الدار البيضاء عام 2003». وهو يعتقد أن ذلك ربما كان له ارتباط بتفجير «مقهى أركانة» في مراكش، الذي يجمع حوله مواد صحافية لتدخل ضمن الأرشيف في الأشهر والسنوات المقبلة.