صباح كل جمعة وبينما أغلب المصريين في سبات عميق في يوم عطلتهم الأسبوعية، ينطلق نحو خمسين شابا من الجنسين على دراجاتهم الهوائية في رحلة عبر شوارع القاهرة الخالية وسط جو هادئ تزينه نسمات الصبح الرقيقة.
«كرنفال الجمعة» كما يسميه المنظمون الذين يشكلون ما يعرف باسم نادي «Cycle Egypt»، وهو نادٍ رياضي يشرف عليه الاتحاد المصري للدراجات بهدف تجميع أكبر عدد ممكن من هواة الدراجات في مصر، يستقطب شبابا من جميع الفئات بينهم طلاب وموظفون.
«الرياضة تساعدني على التخلص من الطاقة السلبية بداخلي، خصوصا ركوب الدراجات، فهي تشعل النشاط بداخلي وتغمرني بالسعادة». هكذا تقول مي إيهاب (23 عاما)، باحثة اقتصادية، وقد نجحت في إقناع تسعة من أصدقائها في مشاركتها هواية ركوب الدراجات كل جمعة.
بالنسبة إلى مي لا تقتصر فوائد المشاركة كل جمعة على الرياضة فحسب، حيث تقول: «أجمل في الأمر أنني أجتمع بأصدقائي وفي جو غير تقليدي»، فمي التي تمنعها ظروف عملها من التواصل بطريقة أكبر مع أصدقائها تجد الفرصة مواتية تماما لذلك في صباح الجمعة حيث تتجمع هي وأصدقاؤها ليمارسوا رياضتهم المفضلة.
رحلة الجمعة تنطلق من ضاحية مصر الجديدة (شرق القاهرة) إلى مطار القاهرة القريب، وتستغرق ساعتين ذهابا وإيابا ويتخللها وقت مستقطع في ساحة المطار يقضيه الشباب في التعارف والتنافس في مسابقات ثقافية وفنية ورياضية يعدها القائمون على الحدث ويغلفها جو جميل من الود والمرح، وهو ما يزيد من تماسك المجموعة التي تسعى أساسا لنشر ثقافة استخدام الدراجات كوسيلة بديلة للمواصلات في مصر، خصوصا أنها لا تسبب التلوث والازدحام.
من جهته أوضح المهندس أحمد إسماعيل (30 عاما)، مهندس طيران، المشرف على الفعالية، أن نادي «Cycle Egypt» يعمل على توفير سيارات متابعة ودراجات احتياطية طوال فترة الكرنفال تحسبا لأي حادث طارئ، مضيفا أن الكرنفال له خط سير محدد يؤمنه منظمو الفعالية.
اللافت أن المشاركة في الفعالية لا تستلزم وجود دراجة شخصية، حيث تمكن المنظمون من توفير دراجات هوائية بأسعار بسيطة لتسهيل عملية المشاركة على أكبر قطاع ممكن من هواة ركوب الدراجات، كما أن الباب مفتوح لكل من يمتلك دراجة هوائية للمشاركة في الحدث دون مقابل.
لكن محمد سامي (25 عاما)، مهندس، وقد اشترى دراجة خصيصا للمشاركة في الكرنفال بصفة مستمرة، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أحرص على المشاركة بصفة دورية لاكتساب لياقة بدنية وصحة سليمة ولتوسيع دائرة أصدقائي»، واصفا المجتمع الذي يجمع محبي هواة الدراجات الهوائية بالراقي والهادئ.
ولا تقتصر المشاركة في الحدث على المصريين فحسب، فمثلا ممادو جونان (24 عاما)، طالب غاني، تحمس للفكرة بمجرد رؤيته للشباب على دراجاتهم من شرفة مسكنه المطلة على نقطة تجمعهم، ما دفعه للمشاركة على الفور. ممادو الذي ينتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر لممارسة هوايته الجديدة قال لـ«الشرق الأوسط»: «لم أعتد ركوب الدراجات في بلدي كوماسي في غانا، ولكنني الآن أذهب على دراجتي كل يوم إلى جامعتي». ممادو يدرس في الأزهر الشريف وقرر أن يشتري دراجة ليذهب بها يوميا إلى مقر جامعته البعيد عن مقر مسكنه بنحو عشرة كيلومترات، وعن ذلك يقول بنبرة تتسم بالحيوية: «الذهاب إلى الجامعة على الدراجة يشعل النشاط في جسدي طوال اليوم». بخلاف ممادو هناك العشرات من الأجانب تحمسوا كثيرا للفكرة وشاركوا الشباب رحلتهم الأسبوعية التي يصفونها جميعا بالممتعة.
أما محمد جمال (24 عاما)، طالب، وهو يأتي من ضاحية الهرم (غرب القاهرة) على دراجته قاطعا مسافة ثلاثين كيلومترا صباح كل جمعة خصيصا لمشاركة أصدقائه هواية ركوب الدراجات، فيقول: «أستمتع بالهواء وهو يضربني برقة أثناء ركوب دراجتي»، ويستدرك قائلا: «المشكلة أن القاهرة غير مهيأة أصلا لركوب الدراجات»، مشيرا إلى عدم وجود ممرات مخصصة للدراجات وهو ما يعرض محبي ركوب الدراجات لمخاطر جمة جراء اختلاطهم بالسيارات المسرعة، عكس ألمانيا التي زارها جمال والتي يصف قيادة الدراجات فيها قائلا: «قيادة الدراجات في ألمانيا هواية ممتعة جدا، فالممرات المخصصة للدراجات تسهل من الأمر كثيرا».
منظمو الفعالية يخصصون مسابقات أخرى خصيصا لمحترفي ركوب الدراجات، فبجانب رحلتهم الأسبوعية للهواة في ضاحية مصر الجديدة هناك رحلات أخرى بمسافات أطول وفي أماكن أخطر لا يتحملها إلا المحترفون والمتمرسون على ركوب الدراجات الاحترافية مثل الرحلات الطويلة عبر الطرق السريعة التي تربط القاهرة بالمحافظات الأخرى كالإسكندرية (شمال القاهرة) والفيوم وبني سويف (جنوب القاهرة)، كما أن هناك رحلة طويلة جدا لأسوان (1000 كيلو جنوب القاهرة) حيث يذهب الفريق على الدراجات ويعودون أدراجهم في سيارات المتابعة، البعض من المتمرسين ينظمون رحلة لا تقل خطورة إلى حي جبل المقطم الكائن على ارتفاع 800 متر عبر طريق ضيق مليء بالمنحنيات والتعرجات الخطيرة، والذي درج سائقو السيارات من قاطني الحي الهادئ في قلب القاهرة على توخي شديد الحذر فيه. ولكنّ محترفي ركوب الدراجات من مجموعة «سايكل إيجيبت» يصعدون الطريق المصنف في القاهرة تحت اسم «خطر للغاية» بسلاسة ويسر، إلا أن الهبوط دائما ما يكون المهمة الأصعب، حيث إن الطريق مائل بدرجة كبيرة وخطيرة ما يجعل من عملية التحكم في الدراجة مهمة شاقة وتحتاج إلى تركيز عالٍ.
فعاليات الدراجات في مصر لا تقتصر على القاهرة، فهناك فرع آخر لـ«Cycle Egypt» ينشط في الإسكندرية على شاطئ البحر المتوسط، حيث يتجمع عشرات الشباب صباح الجمعة أيضا للمشاركة في فعالية مماثلة لفعالية القاهرة، ينطلقون كل جمعة من نقطة تجمعهم المعتادة أمام فندق «شيراتون المنتزه»، ليقضوا فترة الصباح فوق دراجاتهم الهوائية بطول الكورنيش مستمتعين بهواء الإسكندرية المنعش.
ليلى عطا الله (24 عاما)، طالبة بكلية الحقوق، تنظر إلى الفعالية من منظور مختلف حيث تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنظر إلى الموضوع برمته من منظور بيئي، حلمي أن أرى الإسكندرية مدينة نظيفة وخالية من التلوث»، وهو ما تراه قابلا للتحقيق إذا استخدم الأهالي الدراجات على نطاق واسع. المثير أن ليلى بادرت من قبل بالذهاب إلى جامعتها راكبة دراجاتها البخارية، وهو ما لم يتحمس له زملاؤها، ولكنها لا تزال مصممة على إلهامهم أن الدراجة يمكن أن تكون وسيلة مواصلات خفيفة وسريعة وصديقة للبيئة.
وتتميز فعالية الإسكندرية بأن شوارعها شهدت أكبر عدد ممكن من المشاركين حين تجمع ما يقرب من سبعمائة شاب في أبريل (نيسان) 2010، وهو الرقم الذي لم تنجح أي فعالية أخرى في تحطيمه حتى اللحظة.
من جانبه يقول أحمد الهيطي (21 عاما)، طالب جامعي، أحد منظمي فعالية الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»: «أتمنى أن يبدأ المصريون في شراء دراجات شخصية ليصبح الأمر ليس فقط هواية أسبوعية ولكن أسلوب حياة». ويحلم أحمد أن ينتشر الوعي المتبادل بين قائد الدراجة وقائد السيارة ليعي الطرفان وجودهما وحقوقهما على الطريق. واختتم حديثه قائلا: «مدينة نيويورك لا يوجد بها ممرات للدراجة ولكن هناك تفاهم كبير بين سائقي الدراجة والسيارة، وهو ما ييسر الأمر على الطرفين».