الأعراس في لبنان: سباق على احتفالات أسطورية

الميزانية تلعب دور الموجّه لها.. والقروض المصرفية تبقى الحل الأمثل

تتجنّد شركات تنظيم الأعراس والفنادق والمنتجعات في لبنان للتحضير لحفلات زفاف أسطورية («الشرق الأوسط»)
TT

هي ليلة العمر التي يصعب المساومة عليها أو على تفاصيل محطاتها بالنسبة إلى كل من قرر دخول القفص الذهبي، لكن مما لا شك فيه أن أمورا عدة تدخل في مجريات التحضيرات ومتطلبات حفلة الزفاف، وأهمها الميزانية و«المنافسة الاجتماعية» اللتان صار لهما دور أساسي في الصورة النهائية التي ستكون عليها هذه الليلة.

في لبنان حيث يتحول فصل الصيف إلى «موسم الأعراس»، إذ يبدأ التحضير للعرس قبل شهور عدة ليتمكن العروسان من اصطياد الزمان والمكان المناسبين، فتتجند فنادق ومنتجعات سياحية للتحضير لهذه الحفلات الأسطورية. وينظم لهذا «الموسم» معرض سنوي خاص يجمع الشركات المتخصصة لتقدم أفضل العروض وتجذب من يبحث عن الرقي والفخامة والتميز.

طبعا لكل شيء ثمنه في غمرة هذه المنافسة، و«الثمن» هذا يكون بأشكال عدة، أهمها الادخار طوال فترة الخطوبة، أو اللجوء إلى القروض المصرفية، بالإضافة إلى الاتكال إلى حد كبير على «لائحة الهدايا» التي تتمثل في ما يُعرف في لبنان بـ«النقطة»، أي المبالغ المالية التي تقدم للعروسين كتهنئة بالزواج، وهي تلعب دورا لا بأس به في تسديد جزء من تكاليف حفلة الزفاف.

ولكن يظل ميسورو الحال خارج سياق هذه «الحسابات الضيقة» التي تتسع دائرتها لتصل إلى مئات آلاف الدولارات، فبمقدور هؤلاء دعوة ما لا يقل عن ألف شخص للاحتفال بـ«ليلة العمر» على وقع سيناريو شبه أسطوري يحييه فنانون من الفئة الأولى، أضف إلى ذلك إلى لائحة الطعام التي تجمع أنواعا مختلفة ومتنوعة مما لذ وطاب... كلها تتطلب ميزانية كبيرة.

التحضير للعرس بات يتطلب شهورا طويلة من الجهود، تبدأ من اختيار الفندق أو المنتجع الذي لا تتخطى تكلفته الـ40 في المائة من تكاليف ليلة الزفاف العامة، وهي تبلغ نحو 6 آلاف دولار لحفل زفاف يجتمع فيه 120 شخصا، وتتدنى أو تزيد بحسب فخامة المكان وشهرته. وهنا تجدر الإشارة إلى ميل اللبنانيين إلى إقامة أعراس ضخمة وتوسيع دائرة المدعوين بحيث يتجاوز عدد هؤلاء في أحيان كثيرة الـ500 مدعو.

أما التكاليف الأخرى فتتوزع بين بذلة العريس وفستان العروس الذي يختلف ثمنه بحسب القدرات المادية، إذ قد يفضل البعض استئجاره بتكلفة تبدأ بـ2000 دولار وترتفع التكلفة تبعا لشهرة المصمم. وتأتي التفاصيل الأخرى التي تبدأ من تحديد «هوية» العرس التي تجهد شركات تنظيم الأعراس في ابتكارها بعدما خرجت عن إطارها المحلي والتقليدي، وتخطت دول العالم. فهي قد تكون مصرية أو مغربية أو مكسيكية أو أندلسية... كما أنها قد تجمع تقاليد متنوعة وتراثات بلدان عدة في ليلة واحدة، أو أنها تأتي تحت عنوان فكرة محددة، كالفروسية والخيل مثلا، أو حفلة أوسكار أو ديكور «أكواريوم»، أو في أجواء تشبه عصر الملك لويس الرابع عشر أو لويس الخامس عشر.

ثم هناك تكاليف سيارة العروسين وزينة الورود وألوانها أيضا، والألعاب النارية والمأكولات المقدمة، وكلها تشكل حصة أساسية في هذه الليلة. ولا ننسى كذلك الموسيقى والأغاني التي سيختارها العروسان. أما الأهم فهو الزفة التي لا يمكن الاستغناء عنها، بل بات وجودها ركنا أساسيا وافتتاحية تعكس ما ستكون عليه حفلة الزفاف التي صار لها نجوم محترفون يتقنون لعبة إضفاء أجواء مميزة خلال 30 دقيقة من الوقت.

في هذا الإطار يقول شربل بعقليني، مدير قسم إعداد موائد الطعام والمشروبات في شركة «بلاتينوم» لتنظيم الأعراس في لبنان، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» شارحا: «لهذه الليلة بالنسبة إلى العروسين قيمة معنوية واجتماعية كبيرة، فالكل يطمح لتكون ليلته مميزة. لكن بالتأكيد تبقى الميزانية هي الموجّه الأساسي لكل ما سيتم اختياره. ففي حين قد لا يمانع البعض بدفع مبالغ طائلة تصل إلى مئات آلاف الدولارات، قد يتقيد البعض الآخر بالعشرات منها».

ويضيف: «عملنا الأساسي يتركز على تأمين لائحة الطعام على اختلاف أنواعها بما يتناسب مع الفكرة العامة التي يقوم عليها العرس، والذي قد تختلف بين العرس التقليدي أو الآسيوي مثلا أو الأوروبي. وعموما تكون مهمة تحضير أنواع الطعام وطريقة تقديمه مرتبطة بشكل مباشر بهوية العرس التي اختارها العروسان والأجواء المرتبطة به من الزفة إلى الزينة والموسيقى وقالب الحلوى وباقي التفاصيل».

ويلفت بعقليني إلى أن لائحة الطعام، كغيرها من محطات العرس، «تخضع للتحضير والنقاش بين الشركة والعروسين، ولا تأتي جاهزة. إذ تكون الفرصة أمامها الدمج بين أنواع مختلفة من المأكولات، وتتراوح تكلفتها للشخص الواحد بين 70 و150 دولارا أميركيا وفقا للأصناف المختارة، ويمكن القول إن المعدل الوسطي لكلفة الطعام في حفلة الزفاف يكون نحو 25 ألف دولار أميركي. أما عدد المدعوين إلى حفلة الزفاف فيرتبط إلى حد كبير بمكان الحفلة، وعادة لا يقل عن 250 أو 300 شخص في حين يمكن أن يصل في بعض الأحيان إلى 1000 أو 1200 شخص».

ولأن أهمية ليلة الزفاف هذه لا تختلف بين طبقة اجتماعية وأخرى، وبما أن كل عروس وعريس يطمحان لأن تكون من أجمل ليالي العمر، كان للعروس دانا تخطيط آخر استطاعت من خلاله أن تحقق حلمها بمبلغ محدد قد لا يكفي للائحة الطعام فقط إذا قررت إقامته في أحد فنادق لبنان أو منتجعاته. وتقول دانا موضحة: «بعد عملية استطلاع دقيقة على الفنادق ومتطلبات العرس وصلنا إلى قرار إقامة الحفلة في حديقة منزل أهلي في الجبل، حيث المساحة تتسع لاستقبال نحو 500 شخص. وبدأنا مهمة تنسيق وتحضير كل المتطلبات اللازمة من دون الاستعانة بشركة لتنظيم الأعراس، الأمر الذي وفر علينا مبلغا معينا استفدنا منه في أمور أخرى. وبعد كل هذه الجهود يمكن القول إن التكلفة النهائية للعرس وصلت إلى نحو 12 ألف دولار». وتضيف: «لكننا منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ونحن ندفع أقساط القرض الذي حصلنا عليه للاحتفال بهذه الليلة، وبناء عليه لن نتخذ قرار الإنجاب قبل تسديده بالكامل».