يشرف موسم حصاد الحبوب، لا سيما القمح والشعير، في تونس على نهايته وسط تقييمات كثيرة حول الكمية والنوعية. فقد توقعت مصادر بوزارة الفلاحة (الزراعة) أن يبلغ إجمالي الإنتاج 20 مليون طن، في حين ذكرت مصادر فلاحية لـ«الشرق الأوسط» أن الكمية «تبلغ ضعفي ما سبق ذكره»، وفي هذه الأثناء تجوب حقول تونس منذ أسبوعين تقريبا 2750 آلة حصاد من مختلف الأنواع، بل بلغت كمية أسلاك الحديد لربط مخلفات الحصاد (علف للحيوانات) 12.3 ألف طن.
أيضا يختلف الفلاحون في تونس حول مسألة تغير لون القمح هذا الموسم، فيقول البعض إنه يميل إلى «البياض»، وذلك بسبب هطول الأمطار بعد دخول موسم الحصاد، بينما يقول آخرون إنه داكن يميل إلى السواد. وأرجع بعضهم سبب تناقض الإفادات إلى تفاوت كمية الأمطار الهاطلة بين منطقة وأخرى.
وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع الخبير الفلاحي محمد الهادي، قال الهادي «عملت طوال حياتي في المجال الفلاحي، وفي السنوات الـ25 الأخيرة أقمت مشاريع فلاحية بصفة شخصية بعدما كانت نشاطاتي في إطار العائلة». وتابع «الإنتاج هذا العام جيد، بيد أن لون القمح تغير من البني إلى الأبيض بسبب كميات الأمطار التي نزلت في المدة الأخيرة». وردا على قول بعض الفلاحين لـ«الشرق الأوسط» من أن «لون القمح مال إلى السواد بسبب تهاطل الأمطار»، وأن «قصر السنابل حال دون حصادها، وبالتالي ضاعت كميات كبيرة من القمح والشعير، وأصبحت من مخلفات الحصاد وطعاما للحيوانات كالأغنام والأبقار»، رد الهادي موضحا «لون القمح وطوله أو قصره أمران يعودان إلى نوعية الحبوب، وما إذا كانت سقوية (أي تسقى بماء الآبار) أو بعلية (تسقى بماء الأمطار فقط).. لكن إنتاج الشعير تأثر حقا بالعوامل المناخية من حيث لاحظنا انحناء السنبلة أكثر من الوضع الطبيعي».
وعن إنتاجه من القمح هذا العام، ذكر محمد الهادي أن «كل هكتار أنتج نحو 4 أطنان من القمح». ثم طالب السلطات بمساعدة الفلاحين لأن «المصاريف كبيرة وكثيرة، وعند مقارنة المصاريف بالمداخيل نجد أن الفائدة لم تزد على عملية التدوير». وبخصوص تأجير بعض المزارعين لمخلفات الحصاد، أكد أن «العائد المادي ليس كبيرا، إذ تم تأجير الهكتار الواحد بـ30 يورو تقريبا، وهناك من يفضل حرث الأرض بعد الحصاد مباشرة على تأجيرها».
في مكان آخر التقينا «العم صالح»، وهو من الفلاحين المخضرمين الذين عايشوا تطور زراعة الحبوب في تونس «عندما كان المنجل آلة الحصاد الوحيدة»، كما قال. وأضاف العم صالح «كان الفلاحون يومذاك يحصدون مزارعهم بالمناجل. وكان القرويون، وبالأخص القرويات، يشاركون في عملية الحصاد مقابل نسبة من الإنتاج، ولم يكن هناك أي مشكلة في طول قامة السنبلة من قصرها، كما هي الحال مع آلات الحصاد الحديثة. فهي لها مزايا ولكنها أيضا تعاني من عيوب». وأردف «اليوم عملية الحصاد أسرع، لكن في بعض الأحيان يبقى نصف المحصول في الأرض بسبب قصر السنابل أو سقوطها على الأرض، وبالتالي، يتعذر على آلة الحصاد طيها بمنجلها العريض».
وتطرق العم صالح لكيفية استخراج القمح في الأيام الخوالي، فقال «كنا نجمع الحصاد في (البيادر) (جمع «بيدر») ونأتي بـ(الجاروشة)، وهي آلة لها عجلات حديدية في شكل أسطوانات يجرها حصان أو حصانان تتولى فصل الحبوب عن التبن أو القشر. وبعدها تبدأ مرحلة الذرّ في الهواء بـ(المذراة) فيبقى القمح في جهة بينما يتكوم التبن بفعل الهواء في مكان آخر». وتابع العم صالح سرده فتناول كيفية تخزين القمح على الطريقة العتيقة، فقال «كنا نحفر المطامير في الأرض، ونجعل بين الجدران الترابية ومحاصيل القمح طبقة من التبن والطين لمنع تسرب الماء، ثم نغطي المطامير. وكنا كلما احتجنا للحبوب نفتح إحداها والتزوّد بحاجتنا ثم نغلق المطمور». ويأخذ العم صالح بعد الشرح نفسا طويلا، ويعلق «آه.. كان ذلك زمان البركة. اليوم كل شيء يعمل بالبنزين، والكهرباء سلبت البركة يا بني».
من جهته، قال سالم الجليدي، المدير المستشار في ديوان الحبوب بوزارة الفلاحة والبيئة التونسية، قبيل بدء الموسم في منتصف يونيو (حزيران) الحالي إن «الوزارة تعمل على توفير كل الظروف الملائمة لإنجاح موسم الحصاد، ولا سيما الكميات التي سيصار إلى تجميعها أي 50 في المائة من مجموع الإنتاج المتوقع». وأردف «تنصب الجهود حاليا على تلافي التأخير على مستوى الإعداد لجمع المحاصيل. لقد جرى فتح 98 في المائة من مراكز تجميع الحبوب للفلاحين.. كما اكتمل إعداد مختلف مختبرات الأوصاف والمعايير».
الجدير بالذكر، أنه إلى جانب القمح، يخصص الفلاحون في تونس مساحات واسعة من الأراضي لزراعة الشعير، ولا سيما في ولاية (محافظة) المهدية، حيث يجري زرع 12 ألف هكتار بالشعير، تليها من حيث الكمية كل من ولايات القصرين بـ6500 هكتار، وقفصة بـ3200 هكتار، ومنوبة بـ36.450 هكتار ويشمل الإنتاج بولاية منوبة القمع والشعير معا.
ولكن يبقى القول إنه على الرغم من أن تونس بلد فلاحي، لا يعد الإنتاج الحالي من الحبوب كافيا لسد حاجة الاستهلاك الداخلي، بل لا يفي إلا بنصف الطلب فقط، وهذا ما يجعل الأمن الغذائي في تونس ضمن دائرة الخطر.