الأحذية التراثية تستعيد رونقها ورواجها في السوق السعودية

تباع للجنسين بأصناف متعددة وألوان ناعمة

داخل أحد محال بيع الأحذية «النجدية» في الرياض (تصوير: خالد الخميس)
TT

ربما يحرص كثيرون من الجنسين على اقتناء حذاء من الأنواع التراثية التي تُصنّع يدويا في المملكة العربية السعودية، وتعرف تقليديا بـ«المداسات» (جمع «مداس») أو الأحذية «النجدية» أو«الزبيرية»، نسبة إلى وسط الجزيرة العربية وجنوب العراق، وغالبا ما تصنع من الجلد الطبيعي الخاص.

والواقع أن «الحذاء النجدي» لا يزال يحافظ على سعره منذ عقود من الزمان، وهو ما يعطي دلالة واضحة على وجود ملايين يحرصون على شرائها وانتعالها. غير أن ما يلفت أكثر هو أن هذا النوع من الأحذية التي اعتبرت منذ وقت بعيد من خصوصيات الرجل السعودي، بل قل الخليجي بشكل عام، أخذت منذ فترة غير قصيرة تشهد إقبالا واسعا جدا من السيدات، وذلك بعد تطوير تصاميمها وزيادة ألوانها وزخرفتها. وبالتالي، غدت هذه الأحذية المريحة والجذابة، مع اختلاف تفاصيلها التصميمية، تحظى برواج كبير وشبه متواز في أوساط الجنسين.

وحقا، يلاحظ في السوق السعودية، خلال الفترة الأخيرة، أن بعض المحال المتخصصة في بيع وتفصيل الأحذية «النجدية» - أو «الزبيرية» - بأشكالها المتنوعة وللجنسين، أخذت تقدم ضمانا ربما يتجاوز سنة كاملة على أي نوع من الأنواع المعروضة للزبائن، ويكفل ذلك الضمان عدم تغير اللون والأرضية الخاصة بالحذاء، ويتيح في الوقت نفسه أمام المشتري أو المشترية فرصة تبديل الحذاء في حال تعرضه لما يخالف بنود الضمان المقدم.

ويدخل «الحذاء النجدي» عن جدارة في تراث الملابس الشعبية السعودية، لا سيما أن الفكرة الأساسية من تصميمه وكذلك شكله التقليدي لم يتغيرا منذ عقود كثيرة، حتى بات بعضهم يعتبره أشبه ما يكون بـ«ماركة مسجلة».

وعلى صعيد الإنتاج، وكما سبقت الإشارة، تُصنع الأحذية «النجدية» من الجلود الطبيعية الأصلية، وهي عموما جلود الإبل والبقر والأغنام والتماسيح. وحسب الخبراء في المهنة، يتميز جلد الإبل بشيوع استخدامه لقاعدة النعال - أو «الدعسة» - لما يتمتع به هذا الجلد من صلابة ومتانة تختلفان عن أصناف أخرى من الجلود، في حين تصنع باقي أجزاء الحذاء من جلود الأغنام.

وعلى صعيد التصميم، فإن هذه الأحذية قد تُرغب خالية من الزخارف تماما، ومنها ما يتميز بزخارف رسومية وهندسية متنوعة. وفي ما يخص الأسعار تتراوح أسعار هذه الأحذية بين 50 ريالا، وهو أدناها عموما، إلى 1200 ريال للزوج الواحد.

وخلال جولة ميدانية قامت بها «الشرق الأوسط» حول محال الأحذية المنتشرة في أروقة سوق الزل بالعاصمة السعودية الرياض، قال لنا أحمد محمد، وهو أحد العاملين في محل متخصص في بيع وتفصيل الأحذية «النجدية» في وسط الرياض، شارحا «الفارق بين الأحذية النجدية المصنعة يدويا من جلد طبيعي، وتلك المصنعة من جلد صناعي يكمن في السعر والشكل.. لكن، بطبيعة الحال، لكل صنف مشتروه».

وحدد محمد أسعار هذه الأحذية طبقا لنوع جلدها وجودتها ومعدل الإقبال عليها، فقال «سعر الأحذية المصنعة يدويا من الجلد الطبيعي يتراوح بين 200 ريال و1200 ريال، أما تلك المصنعة من الجلد الصناعي فتتراوح أسعارها بين 35 ريالا و120 ريالا».

وفي رجعة تاريخية، يفيد الخبراء بهذه الصناعة التقليدية بأن مسمى «الزبيرية»، الذي يطلق أيضا على هذا النوع من الأحذية في بعض الأماكن، يتصل بمدينة الزبير القريبة من البصرة، في جنوب العراق، التي هاجر إليها كثير من السعوديين قديما، وكان هؤلاء يشتهرون بصنع هذا النوع من الأحذية، وبعد توحيد البلاد عادوا إلى السعودية مرة أخرى. وأوضح أحد الخبراء في لقاء معه أنه توجد مسميات كثيرة لهذه الأحذية، منها «النجدية» و«القصيمية» و«سجادي» و«المداس الشرقي» و«النعال»، لكن المسمى الأكثر انتشارا هو «النجدية» نسبة لصناعها الأوائل في إقليم نجد بوسط المملكة العربية السعودية.

أما على صعيد توسع رواج هذه الأحذية، فكان العامل الأبرز بلا شك هو «سقوط» احتكار الرجال لها، فهي اليوم تجتذب السيدات بنسبة تكاد تكون مماثلة، ولا سيما بعدما صارت تصنع نماذج منها خصيصا لـ«الجنس الناعم».

وحسب متابعي السوق فإن الاحتكار الرجالي لاقتناء هذه الأحذية كُسر تقريبا منذ نحو أربع سنوات، حين بات شراء هذه الأحذية «موضة» بين أوساط السعوديات، وانتشرت بالأخص وبشكل ملحوظ منذ انطلاقة «موديل الفتيات» عبر إحدى الشركات الخاصة التي قدمته خلال معرض للأزياء. وقد لاقى الموديل النسائي هذا قبول واستحسان الشابات رغم سعره الباهظ نسبيا، مع أنه لم يتجاوز في حينه 100ريال، ومن ثم اكتسح الأسواق بألوان كثيرة وطرازات وزخارف مختلفة خاصة بالسيدات، وبأسعار رخيصة.

يبقى أن نشير إلى أن وراء رواج الحذاء «النجدي» عند السعوديين والسعوديات تميزه بالملمس الناعم، بجانب سلاسة المشي لدى انتعاله. غير أن هذه السلاسة قد تسبب في بعض الأحيان حوادث انزلاق تؤدي إلى الإحراج، وأحيانا إلى المستشفى. وبناء عليه على مشتري هذه الأحذية التعود عليها لفترة ما.

كذلك، لا يفوتنا أن نشير إلى أن هذا النوع من الأحذية يحوز اليوم نصيب الأسد من حجم الاستثمار في هذه السوق، إذ تبلغ نسبته قرابة 6 ملايين دولار (22.5 مليون ريال) من حجم سوق الأحذية في السعودية.