سكان مصر الجديدة يرفعون شعار «احم نفسك بنفسك»

تحسبا للصوص.. وللفوز بساعات نوم هانئة ليلا

حالة من الصمت تخيم على ميدان روكسي أشهر ميادين مصر الجديدة، ويبدو خاليا من المارة على غير عادته («الشرق الأوسط»)
TT

«احمِ نفسك.. بنفسك».. شعار رفعه سكان ضاحية مصر الجديدة الراقية بالعاصمة المصرية القاهرة، من أجل ساعات من النوم الليلي الهانئ، أصبحوا يفتقدونها، خاصة بعد تفاقم ظاهرة «البلطجة» وحوادث السطو التي ضربت أحياء كثيرة عقب قيام الثورة المصرية في 25 يناير (كانون الثاني)، وحالة الانفلات الأمني التي تلت انسحاب الشرطة من الشوارع، وهروب آلاف المسجونين، وتدمير عدد من المخافر.

سكان الضاحية كانوا يتباهون بالأمس القريب بأنها إحدى أكثر بقاع مصر أمانا، نظرا لوقوع قصر العروبة - مقر الرئيس السابق - في محيطها ضمن عدد من القصور الفاخرة لمسؤولين كبار بالسلطة. لكن بعدما كان الزحام المروري لمواكب الرؤساء هو ما يقلقهم أحيانا، أصبح جل ما يقلقهم الآن البحث عن بدائل لأمان مفتقد، أو صار مهددا.

هاجس الخلل الأمني لا يرتبط في نفوس ساكني مصر الجديدة بالنظرات الطبقية، التي تتمثل أبسط تغيراتها في طبيعة شوارعها، حيث كان المرور يقتصر دوما على السيارات الخاصة الفاخرة والحافلات السياحية القادمة من وإلى المطار نحو قلب العاصمة، هذا مع أنها تحولت إلى مرتع لسيارات النقل وربما العربات التي تجرها الدواب.. كذلك تبدلت وسائل النقل الرئيسة في شوارع مصر الجديدة من سيارات التاكسي الحديثة إلى الميكروباص، بل حتى «التوك توك» لم تسلم منه الشوارع الخلفية.

الدكتور سليمان عبد العزيز (47 سنة)، أحد قاطني مصر الجديدة، يبرر قلق سكانها فيقول إنه «نظرا لطبيعتها السكانية الميسورة غدت مطمعا لهجمات البلطجية، وهذا ما جعل السكان لا ينامون الليل أثناء ذروة أحداث الانفلات الأمني وما تلاها، وما دعا بعض أحياء الضاحية مؤخرا إلى ممارسة تجاربهم الأمنية الخاصة تحت شعار (احم نفسك بنفسك.. كي تقر عينك)».

كذلك قال المهندس محمد حازم (32 سنة)، القاطن في حي النزهة الجديدة الواقع على أطراف مصر الجديدة - حيث طبقت إحدى التجارب الأمنية «بعد عدة أسابيع من الانخراط في اللجان الشعبية مساء والعمل في أشغالنا صباحا، شارفت قوانا على الانهيار.. وعندها قررنا الاستعانة ببعض الشباب كحراس للمربعات السكنية نظير أجر». وأضاف حازم في حديثه لـ«الشرق الأوسط» شارحا «في البداية فكرنا في شركات الحراسة المتخصصة، لكننا اكتشفنا أنها بدأت تغالي في أسعارها بعد زيادة الطلب عليها، لدرجة أنها ضاعفت من أسعارها نحو 3 مرات مقارنة بما قبل الثورة. عندها اقترح أحد الجيران، وهو من العاملين بمجال الصناعة، الاستعانة ببعض العمالة التي اضطر لتسريحها من مصنعه نتيجة الكساد.. وهكذا وجدنا أننا بذلك نضرب عدة عصافير بحجر واحد: أمّنّا أنفسنا، ودعمنا بعض المتعطلين عن العمل، ووفرنا الكثير من المال».

وأوضح حازم أن الحراس يعملون بدءا من الساعة العاشرة مساء وحتى الثامنة صباحا، إذ توفر الحركة الطبيعية في الشوارع والمحال التجارية، بجانب حراس العقارات، نوعا من الأمن النسبي على مدار اليوم. وأردف بأنه يجري جمع مبلغ 5 جنيهات (نحو دولار أميركي واحد) من كل شقة سكنية و50 جنيها من كل متجر شهريا نظير التأمين.

وعن آلية عمل الحراس الجدد، قال عادل الصاوي (50 سنة)، وهو صاحب أحد المتاجر وساكن في المربع السكني نفسه «لقد وفرنا أجهزة اتصال لاسلكية (ووكي توكي) لأفراد الأمن الخاص، وهم غير مسلحين بأي شكل، على أن يتمركز اثنان منهم على رأس كل شارع، وفي حال دخول أي سيارة غريبة يقوم أحدهما بمرافقتها سيرا حتى تصل إلى وجهتها. أما في حال وجود أي ريبة أمنية، فيلجأ الحارس إلى الاتصال بالنقطة المركزية في المسجد الرئيسي، حيث يستخدم الحارس الموجود هناك مكبر الصوت لإيقاظ السكان. وعندها ننزل إلى الشارع ونتكفل نحن بالباقي، فلدى كثيرين من السكان أسلحة شخصية مرخصة، والبقية أصبحت متآلفة مع استخدام الأسلحة المنزلية بعد طول تدريب في فترة اللجان الشعبية!».

وعبر حسن الشريف (22 سنة)، وهو طالب جامعي، عن اقتناعه بهذه التجربة، مع أنه لم يشهد أي محاولات اقتحام فعلية طوال الشهور الماضية. ثم قال «رغم مشاركتي في اللجان الشعبية، فإنني لم أواجه حتى الآن أي بلطجية. كل ما كنا نسمعه هو أقوال عن ضبط مجموعة هنا أو هناك.. وأصوات رصاصات تنطلق من بعيد.. ولكن، في مطلق الأحوال، الحذر واجب، وهذا هو رأي الغالبية من السكان».

أما إيهاب عبد الفتاح، صديق حسن وزميله في الجامعة، فيرى أن «الريبة لا تزال تساور المصريين من جهة الشرطة، حتى بعد التأكيدات المتكررة حول عودتها إلى الشارع المصري»، إذ قال «لست مطمئنا بعد لمصداقية الشرطة المصرية رغم تغير وجوه كوادرها.. حوادث الصدام بين الشرطة والمواطنين تكررت مرارا في الفترة الماضية، ولعل أبرزها المصادمات أمام قسم الأزبكية (بوسط القاهرة) مطلع الشهر الحالي بعد وفاة مواطن موقوف. كذلك فإن محاكمات الضباط الذين تسببوا في مقتل شهداء الثورة ما زالت تشهد رعونة وتسويفا من جانب السلطات، رغم أن الحكومة تدعي أنها تسير قدما في الإجراءات. ولذا من الأفضل أن نتخذ الحيطة في تأمين أنفسنا بأنفسنا إلى أن تتضح الأمور».

ورغم ما أشار إليه عبد الفتاح، فإن القائمين على التجربة أوضحوا أنهم قاموا بالتنسيق مع مسؤولين شرطيين بالأقسام القريبة منهم، وأنهم على اتصال دائم لمتابعة أي تحركات مريبة للمجرمين أو اللصوص.

لكن التخوف من مردودات التجربة ما زال يؤرق البعض، ومنهم الحقوقي الشاب عاطف الشامي (35 سنة)، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» معلقا «أخشى في حال شيوع التجربة، وتطورها في بعض المناطق إلى حمل الحراس أسلحة، أن تتحول الأمور إلى ما يشبه ما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي، حين انقلبت الحراسات وأفراد الأمن الخاصة إلى ميليشيات تهاجم المواطنين. وأخشى كثيرا أن يتحالف الحراس مع بعض المجرمين، نظرا لدرايتهم بخطة الحماية وطبيعة المكان».