سوق التوابل والمكسرات في تونس ينعشها موسم الزواج

تعج بالمنتجات المحلية والمستوردة

أحد محلات التوابل والمكسرات في تونس («الشرق الأوسط»)
TT

يتسم الصيف في تونس بحفلات الزفاف، حتى أطلق عليه البعض اسم «موسم الزواج». والواقع أن زيجة في تونس لا تتم من دون الحلوى والمكسرات والفواكه والتوابل، بعضها محلي، وبعضها الآخر مستورد من الخارج.

وخلال جولة لـ«الشرق الأوسط» في إحدى أسواق العاصمة التونسية، عثرنا في دكان أحد الباعة على «عسل السدر» من المملكة العربية السعودية، على الرغم من وجود هذه النوعية في تونس إلى جانب عسل الزعتر والإكليل. كذلك اكتشفنا وجود مواد كثيرة مخلوطة بالحبة السوداء، بجانب زيت إكليل الجبل المستورد من باكستان، وزيت الحنظل، وزيوت قد يستغرب البعض استخراجها من مواد سكرية، مثل زيت القمع وزيت البقدونس وزيت القِرفة وزيت الكتان وزيت النخيل من المملكة العربية السعودية، وهناك طيف من الأدوية الشعبية، منها ما يوصف للعقم وغيره.

ثم شيء آخر يشد الانتباه في السوق هو طريقة العرض، فهناك تطور في طريقة العرض بالقفاف والسلال المصنوعة من سعف النخيل بشكليها التقليدي والحديث. ولكن لا يخلو الأمر من شكاوى الباعة.

فهم يشكون مثلا من الممارسات السابقة للبلدية التي كانت تضايقهم وتستدعي لهم الشرطة، وتضطرهم لدفع غرامات، وكان كل من يرفض الدفع يتعرض لحجز سلعته ويدفع عليها إتاوة (غرامة) على كل يوم يمر عليها في الحجز، كما يقول التجار.

ويشكون أيضا، ومثلهم المتسوقون، من دخول السيارات إلى السوق، ويطالبون بأن يكون ذلك في وقت محدد، وفي الفترة الصباحية للتجار فقط. وحقا شاهدنا سيارات ودراجات نارية تحشر الناس حشرا في زوايا الشارع، وقد بدت آثار الحفر في الطريق.

فتحي جاء وحده، أحد التجار في السوق، قال لنا: «بيع الفواكه والمكسرات له علاقة بموسم الزفاف؛ إذ يقبل الجميع على شراء الفواكه الجافة والمكسرات والتوابل لما فيها من فائدة للعروسين، كاللوز والجوز والفستق والبندق والعسل والحبة السوداء وغيرها، من التوابل والمكسرات والفواكه والكاكاوية (الفول السوداني)».

إلى جانب ذلك، نجد التوابل بكل أصنافها، وروى فتحي كيف كانت السوق مخصصة لبيع التوابل فقط، «ولكن دخلت عليها بضائع أخرى فأصبحت كما ترى.. ثم أن السوق توسعت وكثر الباعة وأدى ذلك إلى تراجع المردود المالي».

علي الظريف، تاجر آخر في السوق، يعمل هنا منذ 35 سنة لكنه يبدو صغيرا كما لو كان في سن الـ35، يقول عن أحوال السوق: «لا جديد. هناك غلاء.. كثير من الأشياء ما عدنا نستطيع شراءها، الفواكه غالية بسبب ارتفاع ثمن الشحن».

ويرى علي، مع أنه بنى من عمله - الذي يزاوله منذ عدة عقود - بيتا وبات يملك سيارة وتعيش أسرته في بحبوحة، أن «الجيل الجديد لن يستطيع أن يدخر من مردود التجارة التي يزاولها، فمثلا لن يكون بمقدوره بناء منزل أو شراء سيارة لأن أسعار المنازل مرتفعة وسعر شقة صغيرة بـ75 ألف دينار». وسألنا ابنه فاروق، عن تجارة المحل، فأجاب: «هنا نبيع الفاكهة، وبوفريوة (الكستناء) والجوز والفواكه الجافة والحناء والسواك (لحاء تضعه النساء على اللثة فيحمرها) والبخور والوشق والشب واللبان والحبة السوداء والزنجبيل والزعفران». وسألناه عن الحبة السوداء التي كان يستخدمها التونسيون في الخبز ويطلقون عليها اسم «السينوج»، فرد: «الحبة السوداء تُهرس وتُخلط بالعسل، وهي دواء لكل داء، كما ورد في الأثر».

أما عن مصادر المواد التي يبيعها، فقال فاروق: «الحناء من قابس (الجنوب التونسي) والبخور من مَكثَر، (الشمال الغربي التونسي) والحبة السوداء تأتينا من الخليج، وبعض أنواع البخور من اليمن ومن باكستان، والكستناء من أوروبا». وعن الزبائن قال: «يأتون من كل مكان.. وحسب قدرة أهالي العريس يكون التزود من المكسرات والتوابل».

عبد الحق الوسلاتي، يعمل في السوق أبا عن جد منذ السبعينات، وتحديدا منذ عام 1978، وهو يبيع في محله التوابل والمكسرات والبذور والفلفل الأحمر الجاف والحلبة والزعتر والعرعار والإكليل والخروب والفواكه المجففة والشيح، إلى جانب المظلات المصنوعة من سعف النخيل. وهو يقول إن كل ما يبيعه من إنتاج تونس، ما عدا الزبيب والتين المجفف.

ويرى الوسلاتي أن «الناس ملوا الكيماويات، وأصبحوا يقبلون على الأعشاب التي هي مصادر الطاقة الطبيعية للجسم»، وتابع: «بعض الأعشاب تستعمل في الأطعمة فالزعتر والإكليل، على سبيل المثال، يستخدمان في إعداد البسيسة (السويق)».

وهنا دخلت قروية فسألناها عن سبب وجودها في محل سي الوسلاتي، فقالت: «ابني على وشك الزواج، وجئت لشراء ما يلزم من الفواكه والتوابل والمكسرات»، أما المبلغ الذي خصصته لهذا الغرض فهو 200 دينار (100 يورو) وذكرت أنها فعلت الشيء نفسه العام الماضي في زفاف ابنها الأكبر.

وفي دكان آخر، وجدنا عز الدين الصغير، الذي ورث العمل عن والده، فقال: «أعمل منذ الصغر مع والدي، وتعيش من هذا الدكان أسرتان تتكونان من 8 أفراد، وهنا نبيع الكركم والتوابل والبخور وأنواع الزيوت والعطور»، وتابع: «هنا نبيع زيت الحلبة والقرفة.. جميع التوابل يستخرج منها الزيوت وتوضع في قوارير للتداوي، حتى الزنجبيل والملوخية، وإلى جانب الزيوت هناك المربى.. بعض هذه المواد من تونس وبعضها الآخر من مصر وبعض دول الخليج، فاللبان من باكستان، وحبة حلاوة من مصر، والحبة السوداء من السعودية ومن مصر».

وحول الإقبال على التوابل والأعشاب قال الصغير إن الفضائيات التلفزيونية، ولا سيما تلك المهتمة بهذه الأنواع من الأعشاب، أسهمت في شعبيتها بتونس، موضحا: «الحبة السوداء كانت معروفة بشكل جيد في الخليج، ولكن بفعل الفضائيات أصبح لها سوق عندنا أيضا.. وساعدتنا الفضائيات كثيرا في الترويج للأعشاب، وأسهمت في الطلب على المريمية وعلى الزنجبيل وغيرهما».