«حفلات توديع العزوبية».. ظاهرة جديدة في السعودية

تنتشر بين الفتيات المقبلات على الزواج.. وتتزايد مع بدء الإجازة الصيفية

قالب «كيك» في إحدى «حفلات توديع العزوبية» في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

تعد فترة بدء الإجازة الصيفية في المملكة العربية السعودية، «الموسم الذهبي» للأعراس، وفيها ظهرت تقليعة جديدة باتت تعرف بـ«حفلات توديع العزوبية»، التي تنتشر في أوساط الفتيات المقبلات على الزواج.

هذه الحفلات تتمثل في ليلة صاخبة تسبق موعد الزفاف بأيام قليلة، تودع فيها العروس حياة العزوبية برفقة أقرب صديقاتها، وتقام عموما في صالة رسمية صغيرة أو في منزل العروس، ويقتصر الحضور فيها على الإناث.

عن هذه الظاهرة المتنامية هذه الأيام في أوساط الفتيات السعوديات، تقول الدكتورة نجوى فرج، وهي اختصاصية اجتماعية في مستشفى قوى الأمن بالرياض، إن الفكرة من وراء هذه الحفلات جاءت «للرغبة في تقليد حفلات توديع العزوبية المعمول بها في الدول الأجنبية»، مضيفة «عند الأكثرية هناك حرص على التقليد، ولذا من الطبيعي أن تنتشر هذه الحفلات بين الفتيات، بينما عند بعض الشباب نجد أن رغبتهم في توديع العزوبية تظهر في ممارسة السلوكيات الخاطئة، اعتقادا بأنها فرصتهم الأخيرة قبل الزواج، وهم يتصورون أن الزواج سيحد من حريتهم».

وتضيف فرج في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن حفلات توديع العزوبية لها جانباها الإيجابي والسلبي، موضحة «الإيجابي، بل والجميل فيها أنها تجمع الفتيات مع صديقاتهن، لأنه من الممكن ألا يتقبل الزوج استمرارية هذه الاجتماعات لاحقا. وبالتالي، ترى الفتاة في هذه الحفلات فرصة ممتازة وقد تكون نادرة للجلوس مع صديقاتها واسترجاع الذكريات الجميلة التي تجمعهن».

أما عن الجانب السلبي فترى أن «ثمة سلبيات تحصل حين توجد مساحة كبيرة من الحرية المبالغ فيها في هذه الحفلات قد تخرج عن الطابع العقلاني، وهنا تكون عمل سيئا». وتضيف أن «المبالغة في الاحتفال بتوديع العزوبية قد يشعر العروس وكأنها ذاهبة إلى الحرب وليس للزواج، وبناء عليه فإن الإفراط في التعبير الاحتفالي قد يترك انطباعا سلبيا لدى العروس عن مفهوم الزواج والحياة الجديدة».

هذا، وترتفع تكلفة معظم «حفلات توديع العزوبية»، إلى ما يتراوح بين 4 آلاف و12 ألف ريال (1066 إلى 3200 دولار أميركي)، وتشمل التكلفة نفقات إقامة الحفل في صالة للمناسبات أو في إحدى الاستراحات، مع إعداد قالب «كيك» (جاتوه) وإحضار منسقة للموسيقى والأغاني المصاحبة للحفل، بجانب الملابس، إذ ترتدي الحاضرات زيا موحدا يكون على الغالب مزينا بعبارات ورسوم معينة. أما العروس فتكون حاضرة بطرحة أو بتاج على شعرها، ثم يختتم الحفل بمأدبة العشاء وتقديم الهدايا للعروس.

في المقابل، بعض هذه الحفلات يأتي بسيطا، ويبتعد عن كونه عرفا لدى الطبقة المقتدرة ماديا، كما حدث مع ندى التي تزوجت حديثا. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قالت ندى «كنت في الجامعة، وكانت لدي محاضرة، لكن زميلاتي اعتذرن لي من المراقبة وأخذتني إحداهن إلى أكبر قاعة في الجامعة، حيث وجدت هناك 12 فتاة من صديقاتي وقد لبسن تي شيرتات طبعت عليها من الأمام صوري عندما كنت طفلة، وفي الخلف كتبت قصيدة شعر عني. كان المشهد مفاجئا ومؤثرا.. لقد تأثرت كثيرا بذلك».

وتتابع ندى كلامها «بعدها قمن بتشغيل أغان للأعراس، ووضعن على رأسي تاجا صغيرا وطرحة عروس، وأعطينني باقة ورد صغيرة، ثم أحضرن قالب كيك طبعت عليه صورتي، ضمن وليمة ضمت كل ما لذ وطاب. وأثناء الحفل كنا نصور الأحداث لحظة بلحظة. والحقيقة أنني استمتعت جدا بهذه الحفلة اللطيفة على الرغم من بساطتها، حتى انتهت. وعندها نظفنا القاعة، ثم بدأت في استقبال الهدايا من صديقاتي».

لدى العودة إلى تاريخ «حفلات توديع العزوبية»، تشير الأساطير القديمة إلى أن طقس وداع العزوبية نشأ في هولندا، عندما رفض والد متوسط الحال أن يعطي ابنته المهر اللازم كي تتمكن من الزواج، ولم تكن الفتاة تستطيع الزواج من دون مهر، ولذلك قام أصدقاؤها بمنحها الهدايا كي تتمكن من تأمين المهر لنفسها. ومن هذه الواقعة أصبحت هذه التجمعات تقليدا في أوروبا للاحتفاء بالعروس. ولكن في حين تقام حفلات توديع العزوبية بصخب وتجاوزات كبيرة في الدول الأوروبية، فإن الطابع المحافظ يبقى مسيطرا عليها في السعودية، حيث تغلب على هذه الحفلات أجواء المرح ضمن اللائق اجتماعيا.

من ناحية أخرى، تأتي هذه الظاهرة المتنامية اليوم في ظل الإحصاءات الرسمية «المفجعة» عن نسب تأخر زواج الفتيات في السعودية، أو ما يعرف بظاهرة «العنوسة». إذ أظهرت دراسة حديثة أعدتها وزارة التخطيط السعودية أن أكثر من مليون و52 ألف فتاة بلغن سن الزواج ولم يتزوجن، وجاءت منطقة مكة المكرمة في مقدمة المناطق التي تضم أعلى نسبة عنوسة، بوجود أكثر من 396 ألف فتاة، تليها منطقة الرياض. ويضاف لذلك التزايد الملحوظ في حالات الطلاق، فقد كشفت دراسة بحثية حديثة أخرى عن ارتفاع نسب الطلاق في مدينة جدة مقارنة بجميع المدن السعودية الأخرى، بواقع 393 حالة طلاق لكل ألف زواج، وجاءت العاصمة الرياض في المرتبة الثانية بنحو 358 حالة لكل ألف حالة زواج. وفي مقارنة على مستوى بعض الدول العربية، سجل في المملكة العربية السعودية - التي يقدر عدد سكانها بنحو 27 مليون نسمة - معدل 392 حالة طلاق لكل ألف زواج، مقابل تسجيل مصر 127 حالة.